النص الآتي مقتبس بتصرف من عدة مشاركات للزميل طريق السلامة:
"عودة" أرض العرب مروجا وأنهارا
هناك حديث صحيح يقول: "لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحدا يقبلها منه، وحتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا"
(صحيح مسلم)
وهو نبوءة عن ثراء المسلمين في المستقبل، وعن البركة التي ستحدث لأرض العرب.
وكعادة الإعجازيين لم يكتفوا بالجزء الغيبي المستقبلي وأرادوا استخراج "معجزة علمية" وسبق علمي من النص.. فقالوا أنه يشير للنظرية الجيولوجية والبيئية التي تشير لحال الصحراء العربية قبل آلاف السنين، وأنها كانت أرضا زراعية خصبة ثم تحولت لصحراء.
لكن هل الحديث يقصد هذه النظرية؟!
هل المعجزات تكون بتفسير ظني لكلمة من كلمات الحديث؟!
المعجزات يجب أن تكون يقينية، لا قابلة للأخذ والرد.
بسبب ضعف اللغة العربية عند الإعجازيين لم يفهموا من كلمة "تعود" مروجا وأنهارا إلا أنها تعني: كانت ثم ستصبح مرة أخرى.
لكن كلمة "عاد" عند العرب تأتي أيضا بمعنى "صار".. أي "ستصبح" أرض العرب مروجا وأنهارا، وليس أنها كانت بالضرورة مروجا وأنهارا في السابق.
جاء في لسان العرب: "عاد: فعل بمنزلة صار. وقد جاء عنهم هذا مجيئا واسعا"
والشواهد الشعرية كثيرة جدا. وقد ناقش بعض الشيوخ هذا المعنى، منهم ابن عثيمين وخالد السبت، لاتصاله بآية سورة الأعراف: لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا. ولاتصاله بحديث: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان... أن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار"
أما أن نجعل الحديث عن العصر الجليدي القديم أو عن الاحتباس الحراري الحالي والمستقبلي فهو تحميل للنص أكثر مما يحتمل!
***
كلمة "يعود" من معانيها اللغوية الأصلية (لا المجازية) "يصير ويصبح".
المشكلة هي أنه استخدام غير مألوف للناس الآن، فيظهر لهم غريبا. لكن عند العرب كان استخداما عاديا جدا.
الكلمة الواحدة قد يكون لها أكثر من معنى.
"مولى" مثلا معناها سيد وخادم.
ما دام دخل فيها الـ "ربما" والظنون فلم تعد معجزة!
المعجزة جازمة يقينية.. وكان يترتب على عدم تصديقها عقاب رباني في الأمم السابقة لأنها لا تقبل التأويل.
أما يعود فمن معانيها "يصير"، فانتفى اليقين.
قال ابن الأثير:
"وقد يرد بمعنى صار.
ومنه حديث معاذ «قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعدت فتانا يا معاذ؟» أي صرت.
ومنه حديث خزيمة «عاد لها النقاد مجرنثما» أي صار
ومنه حديث كعب «وددت أن هذا اللبن يعود قطرانا» أي يصير «فقيل له: لم ذلك؟ فقال: تتبعت قريش أذناب الإبل وتركوا الجماعات»"
(النهاية في غريب الحديث والأثر) (3/ 316)
فهل كان معاذا فتانا وكان اللبن قطرانا؟!
لا. عاد تأتي بمعنى "أصبح/صار"
و"ستصبح" أرض العرب مروجا وانهارا، ولا يذكر الحديث أنها كانت في الماضي مروجا وأنهارا.
***
شواهد أخرى:
- ابن رجب الحنبلي:
"وقوله "بعد إذ أنقذه الله منه" لا يستلزم أنه كان واقعا فيه
فإن كل من أدخل الله الإسلام في قلبه فقد أنقذه الله من الكفر وإن لم يكن قد وقع في الكفر قبل ذلك؛
وهذا كما قال شعيب عليه السلام {قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله}"
(فتح الباري لابن رجب) (1/ 93)
- ابن حجر العسقلاني:
"الإنقاذ أعم من أن يكون بالعصمة منه ابتداء بأن يولد على الإسلام ويستمر، أو بالإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان كما وقع لكثير من الصحابة.
وعلى الأول فيحمل قوله "يعود" على معنى الصيرورة، بخلاف الثاني فإن العود فيه على ظاهره"
(فتح الباري لابن حجر) (1/ 62)
- القاسمي:
"كثيرا ما يرد (عاد) بمعنى (صار)، فيعمل عمل (كان). ولا يستدعي الرجوع إلى حالة سابقة"
(تفسير القاسمي = محاسن التأويل) (5/ 150)
بل ويضاف لهذا أن بعض اللهجات الصعيدية لا زالت تستخدم "عاد" بمعنى "يكون/أصبح"!
والقبائل الصعيدية أصولها قبائل عربية هاجرت لمصر.
|