قبل الدخول فى القراءة الباطنية اليهودية المسيحية للنص ، نقول أن القراءة الطبيعية والتى يقول بها كثير من اليهود المعاصرون، تقول بأن النص يتكلم عن داود ، و أن الجلوس عن يمين الله كما هو مذكور في بداية المزمور 110 ، يرمز إلى حماية الله ونصره، كما هو مكتوب فى نصوص أخرى :
"أيدتني يمينك" مزمور 18: 36 "يمينك يا رب اعظم قوة" خروج 13: 6 "يمين الرب عالية. يمين الرب تصنع بأس. " مزمور ١١٨: ١٦
سفر المزامير - الأصحاح 441.2. بيدك أنت. حرمت أمما ميراثهم لتغرسهم وأسأت إلى شعوب لتوسعهم3. إذ لا بسيفهم ورثوا الأرض ولا ذراعهم نصرتهم بل يمينك وذراعك ونور وجهك لأنك رضيت عنهم.سفر المزامير - الأصحاح 98*:1. رنموا للرب ترنيمة جديدة، لأنه قد صنع عجائب. وبيمينه وذراعه المقدسة أحرز خلاصا.
امتياز الجلوس عن اليمين هو أيضًا علامة على التشريف.
"ووضع (سليمان) كرسي لأم الملك وجلست عن يمينه" 1 ملوك 2:19
عندما دعا الله داود إلى "الجلوس عن يمينه" ، فهذا يدل على الحماية التي أعطاها الله والمكانة المتميزة التي يتمتع بها داود في علاقته بالله. لا يجب أن تؤخذ على أنها تشير حرفيًا إلى الجلوس عن يمين الله. مصطلح "اليد اليمنى" مستخدم هنا للتعبير عن حماية الله ومحاباة داود.
ثانيا :
سنبدأ عرض التأويلات الباطنية للنص ، عن طريق عرض نص أخر مرتبط به نحتاجه هو أيضا فى النقاش حول جذور تأليه المسيح ، ألا و هو نص إبن إنسان دانيال ، والذى يقول :
دانيال 7:13. وشاهدت أيضا في رؤى الليل وإذا بمثل ابن الإنسان مقبلا على سحاب حتى بلغ الأزلي فقربوه منه.14. فأنعم عليه بسلطان ومجد وملكوت لتتعبد له كل الشعوب والأمم من كل لسان. سلطانه سلطان أبدي لا يفنى، وملكه لا ينقرض.
يتعرض التلمود لذلك النص ويقول:
اقتباس:
|
"يقول الحبر الكسندري: بأن الحبر يهوشع بن لاوي يثير تناقضًا بين تصويرين لمجيء المسيح فى التوراة .الأول مكتوب:" إذا بمثل ابن الإنسان مقبلا على سحاب فأنعم عليه بسلطان ومجد وملكوت سلطانه سلطان أبدي لا يفنى، وملكه لا ينقرض "(دانيال 7: 13-14) و الثانى مكتوب:" ابتهجي جدا ياابنة صهيون واهتفي ياابنة أورشليم، لأن هوذا ملكك مقبل إليك. هو عادل ظافر، ولكنه وديع راكب على أتان، على جحش ابن أتان."(زكريا 9: 9). يزيل التناقض المزعوم الحبر ألكسندري ويقول : إذا كان الشعب اليهودي يستحق الفداء ، فإن المسيح سيأتي بطريقة خارقة مع سحاب السماء. إذا لم يستحقوا الفداء. سيأتي المسيا متواضعا وراكبًا على حمار ".
|
كما نرى ، كان هناك تفسيرا يهوديا قديما يربط بين مجئ ابن الانسان و مجئ المسيح ، الأمر لا يقف عند ذلك الحد بل هناك جزئية فى نص دانيال تعرض لها بعض الاحبار و هى أنه فى الأية 9 التى تسبق الاية 13 التى تذكر إبن الانسان ، يقول النص .
وفيما كنت أنظر، نصبت عروش واعتلى الأزلي كرسيه وكانت ثيابه بيضاء كالثلج، وشعر رأسه كالصوف النقي، وعرشه لهيبا متوهجا وعجلاته نارا متقدة.
يقول التلمود :
اقتباس:
|
تطرح الجمارا سؤالاً آخر: تقول إحدى الآيات: "و كان عرشه لهيب نار " (دانيال 7: 9) ، وتذكر عبارة أخرى في نفس الآية: " نٌصِبَت عروش واعتلى الأزلي كرسيه " ، مما يعني ضمنيًا وجود عرشين. تجيب الجمارا: هذا ليس بالأمر الصعب. عرش واحد له وعرش لداود ، أي المسيح ، كما يُعلَّم في باريتا في هذا الموضوع: عرش له وعرش لداود ؛ ؛ هذا هو تفسير الحاخام عكيفا. قال له الحاخام يوسي هجليلي: عكيفا، إلى متى ستجعل الحضرة الإلهية تُدنّس ، من خلال تقديمها كما لو كان رجلاَ يمكن أن يجلس بجانبه؟ بل إن التفسير الصحيح هو أن كلا العرشين لله ، عرش واحد للدينونة وعرش واحد للبر.. يسأل الجمارا: هل قبل الحاخام عكيفا هذا الإنتقاد من الحاخام يوسي أم لم يقبله منه؟ يقترح الجمارا: تعال واستمع إلى دليل على الأمر مما تم تدريسه في باريتا أخرى ، حيث يتم تدريسه في الباريتا: عرش واحد للحكم وعرش واحد للبر. هذا هو تصريح الحاخام عكيفا.. قال له الحاخام العازار بن عزريا: عكيفا! ما الذي تفعله بالقرب من مسائل الهاجادة؟ إذهب لمسائل طقوس المشناه و الهالاخوت المعقدة، حيث معرفتك هناك لا مثيل لها. بل إن التفسير الصحيح هو أنه في حين أن كلا العرشين لله ، إلا أن أحدهما عرش والآخر كرسي. هناك عرش يجلس عليه الله ، وكرسي موطئ لقدمه.
|
أَعتقِد أن الحبر عكيفا (عظيم الشأن والمُلَقَب بلقب رئيس جميع الحكماء وعدد كبير من اليهود أخذوا بأرائه و رجحوها) ، أَوّلَ النص هكذا بعد موازاته بنص ا
لمزامير 110 لد ا ود. مزمور. قال الرب لسيدي: ( اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك ) ، فكما رأينا سابقاً،نص دانيال إعتبره بعض قدماء اليهود أنه يتكلم عن المسيح إبن داود، وبه ذِكر عروش ، من ناحية أخرى نص المزامير فهمه بعضهم بانه يتكلم عن داود ، وبما أن المسيح وٌصِفَ بأنه داود (الثانى) ، إذن يمكن تفسير نص المزامير ميسيانياً ، و فى تلك الحالة يصير المسيح جالساً عن يمين الأب على العرش الثانى المشار اليه فى نص دانيال
هذا النص التلمودى هام جداً ، ليس فقط للتدليل على تفسير دانيال والمزامير ميسيانياً ، بل أيضاً صورة مُصَغَرة تُمَهِد لكارثى ستحدث مستقبلاً بين اليهود ، وهى إعتناق بعض اليهود تأويل الحبر عكيفا الحرفى للمزامير ولسفر دانيال ، الأمر الذى أدى إلى إستهجان ذلك من البقية ، و أدى (بالإضافة لعوامل أخرى) إلى النزاع اليهودى المسيحى االباقى إلى يومنا.
بالطبع لم يعتقد المسيحيون الأوائل أن ما يقولونه هو تجديفاً ، لأنهم ببساطة لا يقولون بأن جلوس المسيح على يمين الأب ، هى جلوس إنسان على عرش ويمين الإله ، بل هو و الأب واحد فى الجوهر .. الأمر يشبه فى تصورهم جلوس رجل وعن جانبه الأيمن ذراعه الأيمن مثلاً.
نص ربانى مدراشي أخر يؤول سفر زكريا 4:14 :
ثم سألته: «ما هاتان الزيتونتان القائمتان عن يمين المنارة وعن يسارها؟ 12. وما غصنا الزيتون هذان المنتصبان إلى جوار أنبوبتي الذهب، اللذان يصبان الزيت الذهبي؟»13. فأجابني: «ألا تعلم ما هاتان؟» فقلت: «لا ياسيدي».14. فقال: «هاتان هما الممسوحان بالزيت اللذان يمثلان لدى رب الأرض كلها». يعلق عليه بالتالى :
اقتباس:
|
"هذان هما هارون والمسيح. لن أتمكن من تحديد أي منهم كان محبوبًا ، إلا أنه يقول [فيما يتعلق بالمسيح] ، "مزمور 110: 4 . أقسم الرب ولن يندم أن أنت كاهن للأبد على رتبة ملكي صادق.[الملك البار الذي اخترته]". و نعلم من تلك الآية أن الملك المسيانى محبوباً أكثر من الكاهن الصالح.
|
النص هنا يحيل فقرة من المزمور إلى المسيح نفسه ..
هناك مدراشات أخرى تُفَسِر عبارة المزامير
(( اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك )) بأنها تتكلم عن المسيح (لن أعرضها لكى لا نطيل أكثر من اللازم. )
لكن لم يكن التأويل المسيانى للنص هو الوحيد بين اليهود، فنرى كثير من التفسيرات القديمة للنص تعتبره بأنه يشير إلى إبراهيم النبى ،مثلاً
من التلمود :
اقتباس:
|
يقول الحبر رافانا بن ليفائي أن شيم العظيم قال لإليعازر خادم إبراهيم: عندما جاءك ملوك الشرق والغرب الأربعة العظماء لشن حرب على إبراهيم ، ماذا فعلت؟ فقال له اليعازر: أحضر القدوس إبراهيم (المُبارَك) ووضعه عن يمينه ، فرمينا التراب فصار سيوفًا و نثرنا التبن فصار سهامًا . كما يقول مزمور داود قال الرب لسيدي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك "(مزمور 110: 1) ، و مكتوب أيضا :" من الذي أنهض من المشرق ذاك الذي دعاه البر ليتبعه وجعل الأمم بين يديه وأخضع له الملوك وسيفه جعلهم كالتراب وقوسه كالتبن المذرى؟ "(إشعياء 41: 2).
|
فى النص هنا يكرر داود وعد الله بشأن انتصار إبراهيم على الممالك الأربع (تكوين 14). فبعد الحرب أشاد ملكي صادق بالبطل العائد وباركه:17. وعند رجوع أبرام، بعد أن كسر كدرلاعومر والملوك الذين معه، خرج ملك سدوم لملاقاته إلى وادي شوى .18. وأخرج ملكيصادق، ملك شليم، خبزا وخمرا، لأنه كان كاهنا لله العلي.19. وبارك أبرام وقال: (( على أبرام بركة الله العلي خالق السموات والأرض
يلمح داود إلى هذه البركة لاحقًا في المزمور ، بأن يكون نسل إبراهيم كهنة العلى للأبد :
مزمور 110: 4 . أقسم الرب ولن يندم أن أنت كاهن للأبد على رتبة ملكي صادق.".
و يشيرً على وجه التحديد إلى انتصار إبراهيم الخارق ،مزمور 110: 5 . السيد عن يمينك يحطم الملوك يوم غضبه.
وهناك نصوص ربانية أخرى تكرر نفس الكلام وتقول بأن النص يتكلم عن إنتصار إبراهيم و منحه البركة على يد ملكى صادق. (لن أعرضها لكى لا نطيل أكثر من اللازم. )
لكن يأتى سؤال هنا:
ما رأى بولس فى ذلك التفسير عن إبراهيم ، و هل إكتفى المسيحيون بأخذ شطرة (إجلس عن يمينى) من سياق الاصحاح؟ فى الواقع قام بولس بتفسير كلام الاصحاح عن ملكى صادق وذكر إبراهيم أيضا.. لنرى ماذا يقول فى رسالة العبرانيين:
فإن ملكي صادق هذا هو ملك شليم وكاهن الله العلي، خرج لملاقاة إبراهيم عند رجوعه، بعدما كسر الملوك، وباركه. وله أدى إبراهيم العشر من كل شيء. وتفسير اسمه أولا ملك البر، ثم ملك شليم، أي ملك السلام. وليس له أب ولا أم ولا نسب، وليس لأيامه بداية ولا لحياته نهاية، وهو على مثال ابن الله... ويبقى كاهنا أبد الدهور. فانظروا ما أعظم هذا الذي أدى له إبراهيم عشر خيار الغنائم، مع أنه رئيس الآباء. إن الذين يقبلون الكهنوت من بني لاوي تأمرهم الشريعة بأن يأخذوا العشر من الشعب، أي من إخوتهم، مع أنهم خرجوا هم أيضا من صلب إبراهيم. أما الذي ليس له نسب بينهم، فقد أخذ العشر من إبراهيم وبارك ذاك الذي كانت له المواعد. ومما لا خلاف فيه أن الأصغر شأنا يتلقى البركة من الأكبر شأنا. ثم إن الذين يأخذون العشر ههنا بشر مائتون، وأما هناك فإنه الذي يشهد له بأنه حي. فيجوز القول إن لاوي نفسه، وهو الذي يأخذ العشر، قد أدى العشر في شخص إبراهيم. لأنه كان في صلب أبيه يوم خرج ملكيصادق لملاقاته.. فلو كان الحصول على الكمال بالكهنوت اللاوي، وقد تلقى الشعب شريعة متصلة به، فأي حاجة بعده إلى أن يقوم كاهن آخر يكون على رتبة ملكيصادق ولا يقال له إنه على رتبة هارون؟ لأنه إذا تبدل الكهنوت، فلا بد من تبدل الشريعة. وذلك أن الذي يقال هذا فيه ينتمي إلى سبط آخر لم يقم أحد منه بخدمة المذبح. فمن المعروف أن ربنا خرج من يهوذا، من سبط لم يذكره موسى في كلامه على الكهنة. ومما يزيد الأمر وضوحا أن يقام كاهن غيره على مثال ملكي صادق. لم يصر كاهنا بحسب شريعة وصية بشرية، بل بحسب قوة حياة ليس لها زوال. لأن الشهادة التي أديت له هي: (( أنت كاهن للأبد على رتبة ملكي صادق )).
وهكذا نسخت الوصية السابقة لضعفها وقلة فائدتها. فالشريعة لم تبلغ شيئا إلى الكمال، وأدخل رجاء أفضل نتقرب به إلى الله. وبقدر ما لم يحدث ذلك بلا يمين, فإن أولئك صاروا كهنة بلا يمين. وأما هذا فبيمين من الذي قال له: (( أقسم الرب، ولن يندم، أنك كاهن للأبد ))
. صار يسوع كفيل عهد أفضل. أولئك الكهنة كان يصير منهم عدد كثير لأن الموت يحول دون بقائهم. وأما هذا فلأنه لا يزول، له كهنوت فريد. فهو لذلك قادر على أن يخلص الذين يتقربون به إلى الله خلاصا تاما لأنه حي دائما أبدا ليشفع لهم. فهذا هو عظيم الكهنة الذي يلائمنا، قدوس بريء نقي ومنفصل عن الخاطئين، جعل أعلى من السموات. لا حاجة به إلى أن يقرب كعظماء الكهنة كل يوم ذبائح لخطاياه أولا، ثم لخطايا الشعب، لأنه فعل ذلك مرة واحدة، حين قرب نفسه. إن الشريعة تقيم أناسا ضعفاء عظماء كهنة، أما كلام اليمين الآتي بعد الشريعة فيقيم ابنا جعل كاملا للأبد.
يريد أن يقول هنا :
أن المسيح هو الإيفاء التام والكامل لوعود الله. لذا ، فإن عهدنا معه أسمى من كل النواحي من عهد الناموس اللاوي القديم . أى أن ملكي صادق بمثابة كناية عن خدمة يسوع المسيح المستقبلية. فبينما كان العهد القديم يفصل بين سلالة الملوك وسلالة الكهنة ، يحمل ملكيصادق كلا اللقبين (تكوين 14:18). وإن افتقاره إلى النسب ، على الأقل في السجلات ، يرمز إلى الافتقار إلى البداية أو النهاية. وبما أن إبراهيم يكرمه ، فإن كهنوته يتفوق منطقياً على كهنوت بني إبراهيم: كهنة إسرائيل. إن وعد الله بتأسيس شخصية في كهنوت ملكي صادق (مزمور 110: 4) تحقق فقط في يسوع المسيح.
الأن إتضح لنا إحدى خلفيات الرحلة نحو تأليه المسيح و هو المزمور 110 " المزمور الأكثر اقتباسًا من العهد القديم في العهد الجديد"
إعتقد أتباع يسوع بأن المسيح جالساً فعليا الأن على عرش الاب عن يمينه ،و مع أن تلك العقيدة التجديفية المبكرة تكفى اليهود معارضى المسيحية لاعدام معتنقوها ، إلا أنه لم يكن يفعل ذلك الا من كان يبالغ فى حكمه ويريد النكاية والإنتقام من المسيحيون ، وهناك من اليهود معارضى المسيحيون الأوائل ،بالطبع من كان معتدلا ، ولم يكن ليصدر حكم بالاعدام هكذا ببساطة على مسيحى يعتقد بان المسيح سيجلس على عرش الاب عن يمينه ، لأن ذلك عين ما قاله بعض تفسيراتهم اليهودية الباطنية للنص . بالتالى من سيحكم باعدام فقط لمجرد تلك التهمة كانت عنده مشاكل اعقد من مجرد إعتقاد المسيحيون الأوائل أن المسيح سيجلس على عرش الاب عن يمينه ، ( ذكرنا تفاصيل تلك المشكلات فى موضوعنا المُحكم المفصل عن صلب المسيح).
سنلقى المزيد من الضوء على نص العبرانيين ، تابعوا معناً.