أخي الشوبنهوري العزيز وسائر الإخوة العقلانيون وسط مجتمعات وشعوب جاهلة تعيش على الخزعبلات، تحياتي لكم وأشكر لكم الاهتمام
لما انتشى محمد بنصره في بدر، شرع يهدد اليهود ليتبعوا دينه الجديد، وأول من قام بنفيهم هم قوم بني قينقاع، وللمسلمين هنا مزاعم سنناقشها بعد استعراضنا لكلامهم، فيقول ابن هشام:
أمر بني قَينُقاع
ما قاله لهم الرسول صلى الله عليه وسلم وردهم عليه: قال: وقد كان فيما بين ذلك، من غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرُ بنى قَيْنُقاع. كان من حديث بني قَيْنُقَاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم بسوق بنى قَيْنُقَاع، ثم قال: يا معشر يهود، احذَرُوا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة، وأسْلموا فإنكم قد عَرَفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابِكم وعهدِ الله إليكم؛ قالوا: يا محمد، إنك ترى أنا قومُك؟! لا يَغُرَّنك أنك لقيتَ قوماً لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصةً، إنا والله لئن حاربناك لتعلَمنَّ أنا نحنُ الناسُ.
ما نزل فيهم من القرآن: قال ابن إسحاق: فحدثني مولى قال زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير، أو عن عكرمة عن ابن عباس، قال: ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيهم: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ* قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا} [آل عمران:11،12]: أي أصحاب بدر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقريش{فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الله وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَالله يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الْأَبْصَارِ} [آل عمران: 12،13].
بنو قينقاع أول من نقض عهده صلى الله عليه وسلم: قال ابن إسحاق:
وحدثنى عاصم بن عمر بن قتادة: أن بنى قينقاع كانوا أولَ يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاربوا فيما بينَ بدر وأحد.
سبب حرب المسلمين إياهم: قال ابن هشام: وذكر عبد الله بن جعفر بن المِسْوَر بن مَخْرَمة، عن أبى عون، قال: كان من أمر بني قَيْنقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلبٍ لها، فباعته بسوق بني قَيْنُقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشفِ وجهها، فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرِها، فلما قامت انكشفت سوءتُها، فضحكوا بها، فصاحت. فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهودياً، وشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون، فوقع الشرُّ بينهم وبين بنى قَيْنُقاع.
تدخل ابن أبي في شأنهم مع صلى الله عليه وسلم: قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، قال: فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه، فقام إليه عبدُ الله بنُ أبى ابنُ سلول، حين أمكنه منهم، فقال: يا محمد، أحسن في مواليَّ، وكانوا حلفاء الخزرج. قال: فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: يا محمدُ أحسنْ فى مَوَاليَّ، قال: فأعرض عنه. فأدخل يَده في جَيْبِ دِرْعِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن هشام: وكان يقال لها: ذات الفُضول.
قال ابن إسحاق: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلْني، وغضب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظُلَلاً ثم قال: ويْحك! أرسلْني؛ قال: لا والله لا أرسلك حتى تُحسنَ في موالىَّ، أربعمائةِ حاسر وثلاثمائةِ دارعٍ قد منعوني من الأحمر والأسود، تَحْصُدهم في غَداةٍ واحدة، إنى والله امرؤ أخشى الدوائرَ؛ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم لك.
مدة حصار بني قينقاع: قال ابن هشام: واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة فى محاصرته إياهم بشير بن عبد المنذر، وكانت محاصرته إياهم خمس عشرة ليلة.
خلع ابن الصامت بني قينقاع وما نزل فيه من القرآن وفي ابن أُبَي : قال ابن إسحاق : وحدثني أبى: إسحاقُ بن يسار، عن عُبادة بن الوَليد بن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قينقاع رِسولَ الله صلى الله عليه وسلم، تشبث بأمرهم عبدُ الله بنُ أبي ابنُ سلول وقام دونهم . ومشى عبادةُ بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أحد بني عَوْف ، لهم من حِلفه مثلُ الذى لهم من عبد الله بن أبي ، فخلعهم إلى رسول صلى الله عليه وسلم، وتبرأ إلى الله عز وجل ، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم من حلفِهم ، وقال : يا رسول الله ، أتولى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، وأبرأ من حِلف هؤلاء الكفار وولايتهم . قال : ففيه وفى عبد الله بن أبى نزلت هذه القصة من المائدة) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ الله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ(أي لعبد الله بن أبى وقوله : إنى أخشى الدوائر )يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى الله أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ* وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ( [المائدة: 51ـ53] ثم القصة إلى قوله تعالى :) إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(.[المائدة: 55] وذكر لتولي عبادة بن الصامت الله ورسوله والذين آمنوا، وتبرئه من بنى قينقاع وحلفهم وولايتهم :) وَمَنْ يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمْ الْغَالِبُونَ(.[المائدة: 56]
إن مما يجعلنا نشك في تلك القصة الإسلامية، متبعين رأي الدكتور القمني أمور منها تجهيل الخبر، فأين اسم الرجل المسلم أو العربي القتيل المزعوم، ما اسم المرأة؟ ثم يشير القمني أن بكتب التاريخ قصة قديمة تاريخية هي حرب (فِجار المرأة) من حروب الفجار الأربعة قبل الإسلام، التي حدثت بسبب فعل مشابه مع امرأة، فأدت إلى حرب كبيرة وقعت فيما يدعى بالأشهر الحُرُم المحرَّم فيها القتال لأنها موسم الحج، هذا كله يجعلنا نطعن في القصة الإسلامية، ورغم ما يقال عن عدم إجبار الإسلام لأهل الكتاب على اتباعه، فإن الإكراه الديني في كلام محمد واضح كالشمس! وللقمني وجهة نظر أراها صحيحة لأدلتها الكثيرة في كتابه (حروب دولة الرسول) على أن المعاهدة بين محمد واليهود لم تتم إلا بعد أحد، إذ احتاج هو لها، وليس في أول مقدمه حيث كان الأتباع قليلين والإسلام ضعيفاً، ولأنه لا ذكر لها في سياق غزو بني قينقاع! وقد استطاع القمني أن يجد خبراً عند ابن جرير الطبري وعنه ابن كثير في البداية والنهاية يؤخر تاريخ صحيفة المعاقل إلى السنة الثانية هجرية، أما القمني فيرى أنها بعد أحد، انظر كتابه ص 210، وله نفس آرائي في سعي محمد لإكراه اليهود على دينه، لأنهم خطر على دولته ودينه ومزاعمه كمنافسين له عالمين بأصل قصصه القرآنية من كتبهم وسقطاته وأخطائه وغيرها.
جاء في (الكامل في التاريخ) لابن الأثير، عن الفجار الأول:
وقيل كان سببه أن فتية من قريش قعدوا إلى امرأة من بني عامر وهي وضيئة عليها برقع فقالوا لها اسفري لننظر وجهك فلم تفعل فقام غلام منهم فشق ذيل ثوبها إلى ظهرها ولم تشعر فلما قامت انكشفت دبرها فضحكوا وقالوا منعتِنا النظر إلى وجهك فقد نظرنا إلى دبرك فصاحت المرأة يا بني عامر فضحت، فأتاها الناس واشتجروا حتى كاد يكون قتال ثم رأوا أن الأمر يسير فاصطلحوا
ويقول الواقدي:
غَزْوَةُ قَيْنُقَاعَ
غَزْوَةُ قَيْنُقَاعَ يَوْمَ السّبْتِ لِلنّصْفِ مِنْ شَوّالٍ عَلَى رَأْسِ عِشْرِينَ شَهْرًا، حَاصَرَهُمْ النّبِىّ ص إلَى هِلالِ ذِى الْقَعْدَةِ.
حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ الْحَارِتِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ ابْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِىّ قَالَ لَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ص الْمَدِينَةَ، وَادَعَتْهُ يَهُودُ كُلّهَا، وَكَتَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كِتَابًا. وَأَلْحَقَ رَسُولُ اللّهِ ص كُلّ قَوْمٍ بِحُلَفَائِهِمْ وَجَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَمَانًا، وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ شُرُوطًا، فَكَانَ فِيمَا شَرَطَ أَلاّ يُظَاهِرُوا عَلَيْهِ عَدُوّا.
فَلَمّا أَصَابَ رَسُولُ اللّهِ ص أَصْحَابَ بَدْرٍ وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، بَغَتْ يَهُودُ وَقَطَعَتْ مَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ ص مِنْ الْعَهْدِ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَيْهِمْ فَجَمَعَهُمْ ثُمّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا، فَوَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّى رَسُولُ اللّهِ قَبْلَ أَنْ يُوقِعَ اللّهُ بِكُمْ مِثْلَ وَقْعَةِ قُرَيْشٍ. فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ لا يَغُرّنّكَ مَنْ لَقِيت، إنّك قَهَرْت قَوْمًا أَغْمَارًا. وَإِنّا وَاَللّهِ أَصْحَابُ الْحَرْبِ وَلَئِنْ قَاتَلْتنَا لَتَعْلَمَنّ أَنّك لَمْ تُقَاتِلْ مِثْلَنَا.
فَبَيْنَا هُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ إظْهَارِ الْعَدَاوَةِ وَنَبْذِ الْعَهْدِ جَاءَتْ امْرَأَةٌ نَزِيعَةٌ مِنْ الْعَرَبِ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ إلَى سُوقِ بَنِى قَيْنُقَاعَ، فَجَلَسَتْ عِنْدَ صَائِغٍ فِى حُلِىّ لَهَا، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ قَيْنُقَاعَ فَجَلَسَ مِنْ وَرَائِهَا وَلا تَشْعُرُ فَخَلّ دِرْعَهَا إلَى ظَهْرِهَا بِشَوْكَةٍ فَلَمّا قَامَتْ الْمَرْأَةُ بَدَتْ عَوْرَتُهَا فَضَحِكُوا مِنْهَا. فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاتّبَعَهُ فَقَتَلَهُ فَاجْتَمَعَتْ بَنُو قَيْنُقَاعَ، وَتَحَايَشُوا فَقَتَلُوا الرّجُلَ وَنَبَذُوا الْعَهْدَ إلَى النّبِىّ ص وَحَارَبُوا، وَتَحَصّنُوا فِى حِصْنِهِمْ. فَسَارَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ ص فَحَاصَرَهُمْ فَكَانُوا أَوّلَ مَنْ سَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ ص وَأَجْلَى يَهُودَ قَيْنُقَاعَ وَكَانُوا أَوّلَ يَهُودَ حَارَبَتْ.
فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَإِمّا تَخَافَنّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنّ اللّهَ لا يُحِبّ الْخَائِنِينَ} فَسَارَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ ص بِهَذِهِ الآيَةِ. قَالُوا: فَحَصَرَهُمْ فِى حِصْنِهِمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً أَشَدّ الْحِصَارِ حَتّى قَذَفَ اللّهُ فِى قُلُوبِهِمْ الرّعْبَ. قَالُوا: أَفَنَنْزِلُ وَنَنْطَلِقُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لا، إلاّ عَلَى حُكْمِى”، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ ص فَأَمَرَ بِهِمْ فَرُبِطُوا، قَالَ: فَكَانُوا يُكَتّفُونَ كِتَافًا. قَالُوا: وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ ص عَلَى كِتَافِهِمْ الْمُنْذِرَ بْنَ قُدَامَةَ السّالِمِىّ. قَالَ: فَمَرّ بِهِمْ ابْنُ أُبَىّ، وَقَالَ: حُلّوهُمْ، فَقَالَ الْمُنْذِرُ: أَتَحُلّونَ قَوْمًا رَبَطَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص؟ وَاَللّهِ لا يَحُلّهُمْ رَجُلٌ إلاّ ضَرَبْت عُنُقَهُ.
فَوَثَبَ ابْنُ أُبَىّ إلَى النّبِىّ ص، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِى جَنْبِ دِرْعِ النّبِىّ ص مِنْ خَلْفِهِ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ أَحْسِنْ فِى مَوَالِىّ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ النّبِىّ ص غَضْبَانَ مُتَغَيّرَ الْوَجْهِ، فَقَالَ: “وَيْلَك، أَرْسِلْنِى”، فَقَالَ: لا أُرْسِلُك حَتّى تُحْسِنَ فِى مَوَالِىّ أَرْبَعُ مِائَةِ دَارِعٍ وَثَلَثُمِائَةِ حَاسِرٍ مَنَعُونِى يَوْمَ الْحَدَائِقِ، وَيَوْمَ بُعَاثٍ مِنْ الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ تُرِيدُ أَنْ تَحْصِدَهُمْ فِى غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ؟ يَا مُحَمّدُ إنّى امْرُؤٌ أَخْشَى الدّوَائِرَ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “خَلّوهُمْ لَعَنَهُمْ اللّهُ، وَلَعَنَهُ مَعَهُمْ”.
فَلَمّا تَكَلّمَ ابْنُ أُبَىّ فِيهِمْ تَرَكَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْ الْقَتْلِ، وَأَمَرَ بِهِمْ أَنْ يُجْلَوْا مِنْ الْمَدِينَةِ؛ فَجَاءَ ابْنُ أُبَىّ بِحُلَفَائِهِ مَعَهُ وَقَدْ أَخَذُوا بِالْخُرُوجِ يُرِيدُ أَنْ يُكَلّمَ رَسُولَ اللّهِ ص أَنْ يُقِرّهُمْ فِى دِيَارِهِمْ، فَيَجِدُ عَلَى بَابِ النّبِىّ ص عُوَيْمَ بْنَ سَاعِدَةَ فَذَهَبَ لِيَدْخُلَ فَرَدّهُ عُوَيْمٌ، وَقَالَ: لا تَدْخُلْ حَتّى يُؤْذِنَ رَسُولُ اللّهِ ص لَك. فَدَفَعَهُ ابْنُ أُبَىّ، فَغَلُظَ عَلَيْهِ عُوَيْمٌ حَتّى جَحَشَ وَجْهَ ابْنِ أُبَىّ الْجِدَارُ، فَسَالَ الدّمُ فَتَصَايَحَ حَلْفَاؤُهُ مِنْ يَهُودَ فَقَالُوا: أَبَا الْحُبَابِ لا نُقِيمُ أَبَدًا بِدَارٍ أَصَابَ وَجْهَك فِيهَا هَذَا، لا نَقْدِرُ أَنْ نُغَيّرَهُ.
فَجَعَلَ ابْنُ أُبَىّ يَصِيحُ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يَمْسَحُ الدّمَ عَنْ وَجْهِهِ يَقُولُ: وَيْحَكُمْ قِرّوا فَجَعَلُوا يَتَصَايَحُونَ لا نُقِيمُ أَبَدًا بِدَارٍ أَصَابَ وَجْهَك فِيهَا هَذَا، لا نَسْتَطِيعُ لَهُ غَيْرًا وَلَقَدْ كَانُوا أَشْجَعَ يَهُودَ وَقَدْ كَانَ ابْنُ أُبَىّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَحَصّنُوا، وَزَعَمَ أَنّهُ سَيَدْخُلُ مَعَهُمْ فَخَذَلَهُمْ وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ وَلَزِمُوا حِصْنَهُمْ فَمَا رَمَوْا بِسَهْمٍ وَلا قَاتَلُوا حَتّى نَزَلُوا عَلَى صُلْحِ رَسُولِ اللّهِ ص وَحُكْمِهِ وَأَمْوَالُهُمْ لِرَسُولِ اللّهِ ص. فَلَمّا نَزَلُوا وَفَتَحُوا حِصْنَهُمْ كَانَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ هُوَ الّذِى أَجْلاهُمْ وَقَبَضَ أَمْوَالَهُمْ.
وَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْ سِلاحِهِمْ ثَلاثَ قِسِىّ قَوْسٌ تُدْعَى الْكَتُومَ كُسِرَتْ بِأُحُدٍ، وَقَوْسٌ تُدْعَى الرّوْحَاءَ، وَقَوْسٌ تُدْعَى الْبَيْضَاءَ؛ وَأَخَذَ دِرْعَيْنِ مِنْ سِلاحِهِمْ دِرْعًا يُقَالُ لَهَا الصّغْدِيّةُ وَأُخْرَى فِضّةُ وَثَلاثَةَ أَسْيَافٍ سَيْفٌ قَلَعِىّ، وَسَيْفٌ يُقَالُ لَهُ: بَتّارٌ وَسَيْفٌ آخَرُ وَثَلاثَةَ أَرْمَاحٍ. قَالَ: وَوَجَدُوا فِى حُصُونِهِمْ سِلاحًا كَثِيرًا وَآلَةً لِلصّيَاغَةِ وَكَانُوا صَاغَةً.
قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: فَوَهَبَ لِى رَسُولُ اللّهِ ص دِرْعًا مِنْ دُرُوعِهِمْ وَأَعْطَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ دِرْعًا لَهُ مَذْكُورَةً يُقَالُ لَهَا: السّحْلُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَرَضُونَ وَلا قِرَابٌ - يَعْنِى مَزَارِعَ - وَخَمّسَ رَسُولُ اللّهِ ص مَا أَصَابَ مِنْهُمْ وَقَسّمَ مَا بَقِىَ عَلَى أَصْحَابِهِ. وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ص عُبَادَةَ بْنَ الصّامِتِ أَنْ يُجْلِيَهُمْ فَجَعَلَتْ قَيْنُقَاعُ تَقُولُ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ مِنْ بَيْنِ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ - وَنَحْنُ مَوَالِيك - فَعَلْت هَذَا بِنَا؟ قَالَ لَهُمْ: عُبَادَةُ لَمّا حَارَبْتُمْ جِئْت إلَى رَسُولِ اللّهِ ص، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّى أَبْرَأُ إلَيْك مِنْهُمْ وَمِنْ حِلْفِهِمْ.
وَكَانَ ابْنُ أُبَىّ وَعُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ فِى الْحِلْفِ. فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَىّ: تَبَرّأْت مِنْ حِلْفِ مَوَالِيك؟ مَا هَذِهِ بِيَدِهِمْ عِنْدَك فَذَكّرَهُ مَوَاطِنَ قَدْ أَبْلَوْا فِيهَا، فَقَالَ عُبَادَةُ: أَبَا الْحُبَابِ تَغَيّرَتْ الْقُلُوبُ وَمَحَا الإِسْلامُ الْعُهُودَ أَمَا وَاَللّهِ إنّك لَمُعْصِمٌ بِأَمْرٍ سَتَرَى غِبّهُ غَدًا فَقَالَتْ قَيْنُقَاعُ: يَا مُحَمّدُ إنّ لَنَا دَيْنًا فِى النّاسِ. قَالَ النّبِىّ ص: “تَعَجّلُوا وَضَعُوا”، وَأَخَذَهُمْ عُبَادَةُ بِالرّحِيلِ وَالإِجْلاءِ وَطَلَبُوا التّنَفّسَ، فَقَالَ لَهُمْ: وَلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لَكُمْ ثَلاثٌ لا أَزِيدُكُمْ عَلَيْهَا هَذَا أَمْرُ رَسُولِ اللّهِ ص وَلَوْ كُنْت أَنَا مَا نَفّسْتُكُمْ.
فَلَمّا مَضَتْ ثَلاثٌ خَرَجَ فِى آثَارِهِمْ حَتّى سَلَكُوا إلَى الشّامِ، وَهُوَ يَقُولُ: الشّرَفَ الأَبْعَدَ الأَقْصَى، فَأَقْصَى وَبَلَغَ خَلْفَ ذُبَابٍ، ثُمّ رَجَعَ وَلَحِقُوا بِأَذْرِعَاتٍ. وَقَدْ سَمِعْنَا فِى إجْلائِهِمْ حَيْثُ نَقَضُوا الْعَهْدَ غَيْرَ حَدِيثِ ابْنِ كَعْبٍ.
فَحَدّثَنِى مُحَمّدٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: إنّ رَسُولَ اللّهِ ص لَمّا رَجَعَ مِنْ بَدْرٍ حَسَدُوا فَأَظْهَرُوا الْغِشّ فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلامُ بِهَذِهِ الآيَةِ {وَإِمّا تَخَافَنّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنّ اللّهَ لا يُحِبّ الْخَائِنِينَ} قَالَ: فَلَمّا فَرَغَ جِبْرِيلُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ص: “فَأَنَا أَخَافُهُمْ”، فَسَارَ رَسُولُ اللّهِ ص بِهَذِهِ الآيَةِ حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ وَلِرَسُولِ اللّهِ أَمْوَالُهُمْ وَلَهُمْ الذّرّيّةُ وَالنّسَاءُ.
فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ الرّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: إنّى لَبِال فَلْجَتَيْنِ مُقْبِلٌ مِنْ الشّامِ، إذْ لَقِيت بَنِى قَيْنُقَاعَ يَحْمِلُونَ الذّرّيّةَ وَالنّسَاءَ قَدْ حَمَلُوهُمْ عَلَى الإِبِلِ وَهُمْ يَمْشُونَ فَسَأَلْتهمْ فَقَالُوا: أَجْلانَا مُحَمّدٌ وَأَخَذَ أَمْوَالَنَا. قُلْت: فَأَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: الشّامَ. قَالَ سَبْرَةُ: فَلَمّا نَزَلُوا بِوَادِى الْقُرَى أَقَامُوا شَهْرًا، وَحَمَلْت يَهُودُ وَادِى الْقُرَى مَنْ كَانَ رَاجِلاً مِنْهُمْ وَقَوّوْهُمْ وَسَارُوا إلَى أَذْرِعَاتٍ فَكَانُوا بِهَا، فَمَا كَانَ أَقَلّ بَقَاءَهُمْ.
حَدّثَنِى يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللّهِ ص أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ عَلَى الْمَدِينَةِ ثَلاثَ مَرّاتٍ بَدْرَ الْقِتَالِ وَبَنِى قَيْنُقَاعَ، وَغَزْوَةَ السّوِيقِ.
بوسعنا هنا رؤية أخلاق النبوة والإسلام اللئيمة، فقد نهب أموال اليهود على أساس حجج وكلام مطاطي لا معنى له من نوع (غشوا المسلمين وحسدوهم) وقد خفت منم فاعتديت عليهم، وأكلوا عليهم الديون التي تداينوها من بعضهم أو لم يردوا لبعضهم سوى جزءاً منها بعد إلحاح طبعاً!