ومن الهام هنا أن نفهم طريقة تعامل المسلمين مع وثنيي مدينة يثرب، وتهديدهم واضطهادهم، حتى اضطروهم للتظاهر بالإسلام، فنشأت ظاهرة النفاق والمنافقين، وهم أشرف الخلق بنظري، كقوم سعوا للحفاظ على عقائدهم وحيواتهم:
يقول الواقدي:
وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ عَلَى نَاقَةِ النّبِىّ ص الْقَصْوَاءِ يُبَشّرُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ، فَلَمّا جَاءَ الْمُصَلّى صَاحَ عَلَى رَاحِلَتِهِ قُتِلَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَابْنَا الْحَجّاجِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَبُو الْبَخْتَرِىّ، وَزَمْعَةُ بْنُ الأَسْوَدِ، وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَأُسِرَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ذُو الأَنْيَابِ فِى أَسْرَى كَثِيرَةٍ، فَجَعَلَ النّاسُ لا يُصَدّقُونَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَيَقُولُونَ: مَا جَاءَ زَيْدٌ إلاّ فَلاّ حَتّى غَاظَ الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ وَخَافُوا، وَقَدِمَ زَيْدٌ حِينَ سَوّوْا عَلَى رُقَيّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ ص التّرَابَ بِالْبَقِيعِ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ لأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: قُتِلَ صَاحِبُكُمْ وَمَنْ مَعَهُ، وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ لأَبِى لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ: قَدْ تَفَرّقَ أَصْحَابُكُمْ تَفَرّقًا لا يَجْتَمِعُونَ مِنْهُ أَبَدًا، وَقَدْ قُتِلَ عِلْيَةُ أَصْحَابِهِ، وَقُتِلَ مُحَمّدٌ؛ هَذِهِ نَاقَتُهُ نَعْرِفُهَا، وَهَذَا زَيْدٌ لا يَدْرِى، مَا يَقُولُ مِنْ الرّعْبِ وَجَاءَ فَلاّ، قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: يُكَذّبُ اللّهُ قَوْلَك، وَقَالَتْ يَهُودُ: مَا جَاءَ زَيْدٌ إلاّ فَلاّ.
قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: فَجِئْت حَتّى خَلَوْت بِأَبِى، فَقُلْت: يَا أَبَهْ، أَحَقّ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: إى وَاَللّهِ حَقّا يَا بُنَىّ فَقَوِيَتْ فِى نَفْسِى، فَرَجَعْت إلَى ذَلِكَ الْمُنَافِقِ، فَقُلْت: أَنْتَ الْمُرْجِفُ بِرَسُولِ اللّهِ وَبِالْمُسْلِمِينَ لَيُقَدّمَنّكَ رَسُولُ اللّهِ إذَا قَدِمَ فَلَيَضْرِبَنّ عُنُقَك، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمّدٍ إنّمَا هُوَ شَيْءٌ سَمِعْت النّاسَ يَقُولُونَهُ
ونقرأ من الواقدي ما يفعله غسيل الدماغ والوهم المقدس بإنسانية الإنسان وسموه:
وَمِنْ بَنِى عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَىّ: أَبُو عَزِيزِ بْنُ عُمَيْرٍ أَسَرَهُ أَبُو الْيَسَرِ ثُمّ اُقْتُرِعَ عَلَيْهِ فَصَارَ لِمُحْرِزِ بْنِ نَضْلَةَ وَأَبُو عَزِيزٍ أَخُوهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ لأُمّهِ وَأَبِيهِ. فَقَالَ مُصْعَبٌ لِمُحْرِزٍ: اُشْدُدْ يَدَيْك بِهِ فَإِنّ لَهُ أُمّا بِمَكّةَ كَثِيرَةَ الْمَالِ. فَقَالَ لَهُ: أَبُو عَزِيزٍ هَذِهِ وَصَاتُك بِى يَا أَخِى؟ فَقَالَ مُصْعَبٌ: إنّهُ أَخِى دُونَك فَبَعَثَتْ أُمّهُ فِيهِ بِأَرْبَعَةِ آلافٍ. وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ سَأَلَتْ أَغْلَى مَا تُفَادِى بِهِ قُرَيْشٌ، فَقِيلَ لَهَا أَرْبَعَةُ آلافٍ.
إنهم يعتبرون التفرقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، وبين الأخ وأخيه من أمه وأبيه، بمثابة بطولة لصالح الخرافات والسراب المقدس.
أما إن أردنا معرفة مدى عدم احترام المسلمين مقدسات الوثنيين، كأهل دين آخر، فنقرأ من كتاب (أسد الغابة) في ترجمة عبد الله بن أنيس، ونجد مثله في ترجمة أخيه ثعلبة بن أنيس:
وهو أحد الذين كانوا يكسرون أصنام بني سلمة
وفي ترجمة معاذ بن جبل:
قيل كان معاذ ممن يكسر أصنام بني سلمة
وجاء في ترجمة لال بن أمية بن عامر ابن قيس بن عبد الأعلم بن عامر بن كعب بن واقف واسمه مالك بن امرىء القيس بن مالك ابن الأوس الأنصاري الواقفي: شهد بدرا وأحدا وكان قديم الإسلام كان يكسر أصنام بني واقف وكانت معه رايتهم يوم الفتح وأمه أنيسة بنت هدم أخت كلثوم بن الهدم الذي نزل عليه النبي لما قدم المدينة مهاجرا وهو الذي لاعن امرأته ورماها بشريك بن سحماء
وفي مغازي الواقدي، نقرأ:
وَمِنْ بَنِى عَدِىّ بْنِ نَابِى بْنِ عَمْرِو بْنِ سَوَادٍ: عَبْسُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَدِىّ بْنِ ثَعْلَبَة ابْنِ غَنَمَةَ بْنِ عَدِىّ؛ وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ وَأَبُو الْيَسَرِ وَاسْمُهُ كَعْبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبّادِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ سَوَادٍ؛ وَسَهْلُ بْنُ قَيْسِ بْنِ أَبِى كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ قُتِلَ بِأُحُدٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلِ بْنِ عَائِذِ بْنِ عَدِىّ بْنِ كَعْبٍ؛ وَثَعْلَبَةُ وَعَبْدُ
اللّهِ ابْنَا أُنَيْسٍ اللّذَانِ كَسّرَا أَصْنَامَ بَنِى سَلِمَةَ.
اغتيال كعب بن الأشرف والقتل العنصري ضد اليهود
كان العداء بين محمد وأتباعه وبين اليهود العرب والمستعربين في ازدياد، ولما انهزمت قريش ببدر، رحل كعب بن الأشرف اليثربي اليهودي العربي، ليحرض في مكة ضد محمد، وقام محمد بإرسال من اغتاله، ولا مشكلة عندنا في ذلك، لكن محمد اشتط وغالى فأمر أتباعه بقتل أي يهودي يقابلهم! وهكذا أصبحت كل جريمة وتهمة المقتول أنه يهودي يتبع ديانة اليهودية، وليس لأنه فعل شيئاً ما! هل يختلف هذا عن نازية هتلر أو أفعال شارون وباراك؟! وهكذا نرى أن كل حروب وعداوة اليهود مفهومة السبب بعد ذلك بما فيها تحريكهم لموقعة الأحزاب. فلنقرأ قصة قتل محيصة ليهودي يدعى ابن سُنينة (أو ابن شنينة في إحدى روايتي ابن هشام لاسمه) كان غنياً يحسن إليه، ولنا أن نستنج أنه لئيم قتله حقداً عليه وسرقة لمالِه.
يقول الواقدي:
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ: بَطْنُ الأَرْضِ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا، هَؤُلاءِ أَشْرَافُ النّاسِ وَسَادَاتُهُمْ وَمُلُوكُ الْعَرَبِ، وَأَهْلُ الْحَرَمِ وَالأَمْنِ قَدْ أُصِيبُوا، فَخَرَجَ إلَى مَكّةَ فَنَزَلَ عَلَى أَبِى وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَةَ فَجَعَلَ يُرْسِلُ هِجَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَرِثَاءَ قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَرْسَلَ أَبْيَاتَهُ هَذِهِ يَقُولُ:
وَلِمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلّ وَتَدْمَعُ
لا تَبْعَدُوا إنّ الْمُلُوكَ تُصَرّعُ
إنّ ابْنَ أَشْرَفَ ظَلّ كَعْبًا يَجْزَعُ
ظَلّتْ تَسِيخُ بِأَهْلِهَا وَتُصَدّعُ
فِى النّاسِ يَبْنِى الصّالِحَاتِ وَيَجْمَعُ
يَسْعَى عَلَى الْحَسَبِ الْقَدِيـمُ الأَرْوَعُ
طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٍ لِمَهْلِك أَهْلِهِ
قُتِلَتْ سَرَاةُ النّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِ
وَيَقُولُ أَقْوَامٌ أَذَلّ بِسُخْطِهِمْ
صَدَقُوا فَلَيْتَ الأَرْضَ سَاعَةَ قُتّلُوا
نُبّئْت أَنّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامِهِمْ
لِيَزُورَ يَثْــرِبَ بِالْجُمُـــوعِ وَإِنّمَــــا
قَالَ الْوَاقِدِىّ: أَمْلاهَا عَلَىّ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، وَابْنُ أَبِى الزّنَادِ، قَالُوا: فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص حَسّانَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِىّ فَأَخْبَرَهُ بِمَنْزِلِهِ عِنْدَ أَبِى وَدَاعَةَ فَجَعَلَ يَهْجُو مَنْ نَزَلَ عِنْدَهُ حَتّى رَجَعَ كَعْبٌ إلَى الْمَدِينَةِ. فَلَمّا أَرْسَلَ هَذِهِ الأَبْيَاتَ أَخَذَهَا النّاسُ مِنْهُ وَأَظْهَرُوا الْمَرَاثِىَ وَجَعَلَ مَنْ لَقِىَ مِنْ الصّبْيَانِ وَالْجَوَارِى يُنْشِدُونَ هَذِهِ الأَبْيَاتَ بِمَكّةَ، ثُمّ إنّهُمْ رَثَوْا بِهَا، فَنَاحَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلاهَا شَهْرًا، وَلَمْ تَبْقَ دَارٌ بِمَكّةَ إلاّ فِيهَا نَوْحٌ، وَجَزّ النّسَاءُ شَعْرَ الرّءُوسِ وَكَانَ يُؤْتَى بِرَاحِلَةِ الرّجُلِ مِنْهُمْ أَوْ بِفَرَسِهِ فَتُوقَفُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَيَنُوحُونَ حَوْلَهَا، وَخَرَجْنَ إلَى السّكَكِ فَسَتَرْنَ السّتُورَ فِى الأَزِقّةِ وَقَطَعْنَ الطّرُقَ فَخَرَجْنَ يَنُحْنَ....إلخ.
وَكَانَ قَتْلُهُ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا فِى رَبِيعٍ الأَوّلِ.
حَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، وَمَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِى بِطَائِفَةٍ فَكَانَ الّذِى اجْتَمَعُوا لَنَا عَلَيْهِ قَالُوا: إنّ ابْنَ الأَشْرَفِ كَانَ شَاعِرًا وَكَانَ يَهْجُو النّبِىّ ص وَأَصْحَابَهُ وَيُحَرّضُ عَلَيْهِمْ كُفّارَ قُرَيْشٍ فِى شِعْرِهِ.
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَأَهْلُهَا أَخْلاطٌ - مِنْهُمْ الْمُسْلِمُونَ الّذِينَ تَجْمَعُهُمْ دَعْوَةُ الإِسْلامِ فِيهِمْ أَهْلُ الْحَلْقَةِ وَالْحُصُونِ وَمِنْهُمْ حُلَفَاءُ لِلْحَيّيْنِ جَمِيعًا الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ. فَأَرَادَ رَسُولُ اللّهِ ص حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ اسْتِصْلاحَهُمْ كُلّهُمْ وَمُوَادَعَتَهُمْ وَكَانَ الرّجُلُ يَكُونُ مُسْلِمًا وَأَبُوهُ مُشْرِكًا.
فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ ص وَأَصْحَابَهُ أَذًى شَدِيدًا، فَأَمَرَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ نَبِيّهُ وَالْمُسْلِمِينَ بِالصّبْرِ عَلَى ذَلِكَ وَالْعَفْوِ عَنْهُمْ وَفِيهِمْ أُنْزِلَ: {وَلَتَسْمَعُنّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا فَإِنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} وَفِيهِمْ أَنَزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ {وَدّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} الآيَةَ.
فَلَمّا أَبَى ابْنُ الأَشْرَفِ أَنْ يَنْزِعَ عَنْ أَذَى النّبِىّ ص، وَأَذَى الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ بَلَغَ مِنْهُمْ فَلَمّا قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بِالْبِشَارَةِ مِنْ بَدْرٍ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَأَسْرِ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ فَرَأَى الأَسْرَى مُقَرّنِينَ كُبّتْ وَذَلّ ثُمّ قَالَ لِقَوْمِهِ: وَيْلَكُمْ وَاَللّهِ لَبَطْنُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا الْيَوْمَ هَؤُلاءِ سَرَاةُ النّاسِ قَدْ قُتِلُوا وَأُسِرُوا، فَمَا عِنْدَكُمْ؟ قَالُوا: عَدَاوَتُهُ مَا حَيِينَا.
قَالَ: وَمَا أَنْتُمْ وَقَدْ وَطِئَ قَوْمَهُ وَأَصَابَهُمْ؟ وَلَكِنّى أَخْرُجُ إلَى قُرَيْشٍ فَأَحُضّهُمْ وَأَبْكِى قَتْلاهُمْ فَلَعَلّهُمْ يَنْتَدِبُونَ فَأَخْرُجَ مَعَهُمْ. فَخَرَجَ حَتّى قَدِمَ مَكّةَ وَوَضَعَ رَحْلَهُ عِنْدَ أَبِى وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَةَ السّهْمِىّ وَتَحْتَهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ أَسِيدِ بْنِ أَبِى الْعِيصِ، فَجَعَلَ يَرْثِى قُرَيْشًا وَيَقُولُ:
وَلِمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلّ وَتَدْمَعُ
لا تَبْعَدُوا إنّ الْمُلُوكَ تُصَرّعُ
إنّ ابْنَ أَشْرَفَ ظَلّ كَعْبًا يَجْزَعُ
ظَلّتْ تَسِيخُ بِأَهْلِهَا وَتُصَدّعُ
ذِى بَهْجَةٍ يَأْوِى إلَيْهِ الضّيّعُ
حَمّالِ أَثْقَالٍ يَسُودُ وَيَرْبَعُ
خَشَعُوا لِقَتْلِ أَبِى الْحَكِيمِ وَجُدّعُوا
هَلْ نَـــــالَ مِثـْلَ الْمُهْلَكِينَ التّبّـعُ
طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٍ لِمَهْلِك أَهْلِهِ
قُتِلَتْ سَرَاةُ النّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِ
وَيَقُولُ أَقْوَامٌ أُذَلّ بِسُخْطِهِمْ
صَدَقُوا فَلَيْتَ الأَرْضَ سَاعَةَ قُتّلُوا
كَمْ قَدْ أُصِيبَ بِهَا مِنَ ابْيَضَ مَاجِدٍ
طَلْقِ الْيَدَيْنِ إذَا الْكَوَاكِبُ أَخْلَفَتْ
نُبّئْت أَنّ بَنِى الْمُغِيرَةِ كُلّهُمْ
وَابْنَا رَبِيعَةَ عِنْـــــــدَهُ وَمُنَبّــــــهٌ
فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ، يَقُولُ:
مِنْهُ وَعَاشَ مُجَدّعًا لا يَسْمَعُ
قَتْلَى تَسُحّ لَهَا الْعُيُونُ وَتَدْمَعُ
شِبْهَ الْكُلَيْبِ لِلْكُلَيْبَةِ يَتْبَعُ
وَأَحَانَ قَوْمًا قَاتَلُوهُ وَصُرّعُوا
شَغَفٌ يَظَلّ لِخَوْفِهِ يَتَصَدّعُ
فَـــلّ فَلِيـــلٌ هَــارِبٌ يَتَهَــزّعُ
أَبَكَى لِكَعْبٍ ثُمّ عُلّ بِعَبْرَةٍ
وَلَقَدْ رَأَيْت بِبَطْنِ بَدْرٍ مِنْهُمُ
فَابْكِى فَقَدْ أَبْكَيْتِ عَبْدًا رَاضِعًا
وَلَقَدْ شَفَى الرّحْمَنُ مِنْهُمْ سَيّدًا
وَنَجَا وَأَفْلَتْ مِنْهُمْ مَنْ قَلْبُهُ
وَنَجَا وَأَفْلَتْ مِنْهُـــمْ مُــتَسَرّعًـــا
وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص حَسّانَ فَأَخْبَرَهُ بِنُزُولِ كَعْبٍ عَلَى مَنْ نَزَلَ فَقَالَ حَسّانُ:
فَخَالُك عَبْدٌ بِالسّرَابِ مُجَرّبُ
وَلا خَالِدٌ وَلا الْمُفَاضَةُ زَيْنَبُ
كَذُوبٌ شَئُونُ الرّأْسِ قِرْدٌ مُــدَرّبُ
أَلا أَبْلِغُوا عَنّى أَسِيدًا رِسَالَةً
لَعَمْرُك مَا أَوْفَى أَسِيدٌ بِجَارِهِ
وَعَتّــابُ عَبْدٌ غَيْرُ مُوفٍ بِذِمّـــــةٍ
فَلَمّا بَلَغَهَا هِجَاؤُهُ نَبَذَتْ رَحْلَهُ وَقَالَتْ: مَا لَنَا وَلِهَذَا الْيَهُودِىّ؟ أَلا تَرَى مَا يَصْنَعُ بِنَا حَسّانُ؟ فَتَحَوّلَ فَكُلّمَا تَحَوّلَ عِنْدَ قَوْمٍ دَعَا رَسُولُ اللّهِ ص حَسّانَ، فَقَالَ ابْنُ الأَشْرَفِ: نَزَلَ عَلَى فُلانٍ. فَلا يَزَالُ يَهْجُوهُمْ حَتّى نُبِذَ رَحْلُهُ فَلَمّا لَمْ يَجِدْ مَأْوًى قَدِمَ الْمَدِينَةَ. فَلَمّا بَلَغَ النّبِىّ ص قُدُومُ ابْنِ الأَشْرَفِ، قَالَ: اللّهُمّ اكْفِنِى ابْنَ الأَشْرَفِ بِمَا شِئْت فِى إعْلانِهِ الشّرّ وَقَوْلِهِ الأَشْعَارَ.
وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “مَنْ لِى بِابْنِ الأَشْرَفِ فَقَدْ آذَانِى”؟ فَقَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَنَا بِهِ يَا رَسُولَ اللّهِ وَأَنَا أَقْتُلُهُ. قَالَ: “فَافْعَلْ”، فَمَكَثَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَيّامًا لا يَأْكُلُ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللّهِ ص، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ، تَرَكْت الطّعَامَ وَالشّرَابَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، قُلْت لَك قَوْلاً فَلا أَدْرِى أَفِى لَك بِهِ أَمْ لا، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “عَلَيْك الْجَهْدُ”. وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “شَاوِرْ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِى أَمْرِهِ”.
فَاجْتَمَعَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَنَفَرٌ مِنْ الأَوْسِ مِنْهُمْ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ، وَأَبُو نَائِلَةَ سِلْكَانُ بْنُ سَلامَةَ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ نَحْنُ نَقْتُلُهُ فَأْذَنْ لَنَا فَلْنَقُلْ فَإِنّهُ لا بُدّ لَنَا مِنْهُ، قَالَ: قُولُوا فَخَرَجَ أَبُو نَائِلَةَ إلَيْهِ فَلَمّا رَآهُ كَعْبٌ أَنْكَرَ شَأْنَهُ وَكَادَ يُذْعَرُ وَخَافَ أَنْ يَكُونَ وَرَاءَهُ كَمِينٌ فَقَالَ أَبُو نَائِلَةَ: حَدَثَتْ لَنَا حَاجَةٌ إلَيْك. قَالَ: وَهُوَ فِى نَادِى قَوْمِهِ وَجَمَاعَتِهِمْ اُدْنُ إلَىّ فَخَبّرْنِى بِحَاجَتِك. وَهُوَ مُتَغَيّرُ اللّوْنِ مَرْعُوبٌ - فَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ وَمُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَخَوَيْهِ مِنْ الرّضَاعَةِ - فَتَحَدّثَا سَاعَةً وَتَنَاشَدَا الأَشْعَارَ.
وَانْبَسَطَ كَعْبٌ وَهُوَ يَقُولُ بَيْنَ ذَلِكَ: حَاجَتُك، وَأَبُو نَائِلَةَ يُنَاشِدُهُ الشّعْرَ - وَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ يَقُولُ الشّعْرَ - فَقَالَ كَعْبٌ: حَاجَتُك، لَعَلّك أَنْ تُحِبّ أَنْ يَقُومَ مَنْ عِنْدَنَا؟ فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ الْقَوْمُ قَامُوا. قَالَ أَبُو نَائِلَةَ: إنّى كَرِهْت أَنْ يَسْمَعَ الْقَوْمُ ذَرْوَ كَلامِنَا، فَيَظُنّونَ كَانَ قُدُومُ هَذَا الرّجُلِ عَلَيْنَا مِنْ الْبَلاءِ وَحَارَبَتْنَا الْعَرَبُ وَرَمَتْنَا عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَتَقَطّعَتْ السّبُلُ عَنّا حَتّى جَهِدَتْ الأَنْفُسُ وَضَاعَ الْعِيَالُ أَخَذَنَا بِالصّدَقَةِ وَلا نَجِدُ مَا نَأْكُلُ. فَقَالَ كَعْبٌ: قَدْ وَاَللّهِ كُنْت أُحَدّثُك بِهَذَا يَا ابْنَ سَلامَةَ أَنّ الأَمْرَ سَيَصِيرُ إلَيْهِ.
فَقَالَ أَبُو نَائِلَةَ: وَمَعِى رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِى عَلَى مِثْلِ رَأْيِى، وَقَدْ أَرَدْت أَنْ آتِيَك بِهِمْ فَنَبْتَاعَ مِنْك طَعَامًا أَوْ تَمْرًا وَتُحْسِنُ فِى ذَلِكَ إلَيْنَا، وَنَرْهَنُك مَا يَكُونُ لَك فِيهِ ثِقَةٌ. قَالَ كَعْبٌ: أَمَا إنّ رِفَافِى تَقْصِفُ تَمْرًا، مِنْ عَجْوَةٍ تَغِيبُ فِيهَا الضّرْسُ أَمَا وَاَللّهِ مَا كُنْت أُحِبّ يَا أَبَا نَائِلَةَ أَنْ أَرَى هَذِهِ الْخَصَاصَةَ مِنْك، وَإِنْ كُنْت مِنْ أَكْرَمِ النّاسِ عَلَىّ أَنْتَ أَخِى، نَازَعْتُك الثّدْىَ قَالَ سِلْكَانُ: اُكْتُمْ عَنّا مَا حَدّثْتُك مِنْ ذِكْرِ مُحَمّدٍ.
قَالَ كَعْبٌ: لا أَذْكُرُ مِنْهُ حَرْفًا. ثُمّ قَالَ كَعْبٌ: يَا أَبَا نَائِلَةَ اُصْدُقْنِى ذَاتَ نَفْسِك؛ مَا الّذِى تُرِيدُونَ فِى أَمْرِهِ؟ قَالَ: خِذْلانَهُ وَالتّنَحّىَ عَنْهُ. قَالَ: سَرَرْتنِى يَا أَبَا نَائِلَةَ فَمَاذَا تَرْهَنُونَنِى، أَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ؟ فَقَالَ: لَقَدْ أَرَدْت أَنْ تَفْضَحَنَا وَتُظْهِرَ أَمْرَنَا وَلَكِنّا نَرْهَنُك مِنْ الْحَلْقَةِ مَا تَرْضَى بِهِ. قَالَ كَعْبٌ: إنّ فِى الْحَلْقَةِ لَوَفَاءً.
وَإِنّمَا يَقُولُ ذَلِكَ سِلْكَانُ لِئَلاّ يُنْكِرَهُمْ إذَا جَاءُوا بِالسّلاحِ، فَخَرَجَ أَبُو نَائِلَةَ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى مِيعَادٍ فَأَتَى أَصْحَابَهُ فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى أَنْ يَأْتُوهُ إذَا أَمْسَى لِمِيعَادِهِ. ثُمّ أَتَوْا النّبِىّ ص عِشَاءً فَأَخْبَرُوهُ فَمَشَى مَعَهُمْ حَتّى أَتَى الْبَقِيعَ ثُمّ وَجّهَهُمْ ثُمّ قَالَ: “امْضُوا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ وَعَوْنِهِ” وَيُقَال: وَجّهَهُمْ بَعْدَ أَنْ صَلّوْا الْعِشَاءَ وَفِى لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ مِثْلِ النّهَارِ فِى لَيْلَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْ رَبِيعٍ الأَوّلِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا.
قَالَ: فَمَضَوْا حَتّى أَتَوْا ابْنَ الأَشْرَفِ فَلَمّا انْتَهَوْا إلَى حِصْنِهِ هَتَفَ بِهِ أَبُو نَائِلَةَ وَكَانَ ابْنُ الأَشْرَفِ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ فَوَثَبَ فَأَخَذَتْ امْرَأَتُهُ بِنَاحِيَةِ مِلْحَفَتِهِ وَقَالَتْ: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ إنّك رَجُلٌ مُحَارَبٌ وَلا يَنْزِلُ مِثْلُك فِى هَذِهِ السّاعَةِ. فَقَالَ: مِيعَادٌ إنّمَا هُوَ أَخِى أَبُو نَائِلَةَ وَاَللّهِ لَوْ وَجَدَنِى نَائِمًا مَا أَيْقَظَنِى، ثُمّ ضَرَبَ بِيَدِهِ الْمِلْحَفَةَ وَهُوَ يَقُولُ: لَوْ دُعِىَ الْفَتَى لِطَعْنَةٍ أَجَابَ.
ثُمّ نَزَلَ إلَيْهِمْ فَحَيّاهُمْ ثُمّ جَلَسُوا فَتَحَدّثُوا سَاعَةً حَتّى انْبَسَطَ إلَيْهِمْ ثُمّ قَالُوا لَهُ: يَا ابْنَ الأَشْرَفِ هَلْ لَك أَنْ تَتَمَشّى إلَى شَرْجِ الْعَجُوزِ فَنَتَحَدّثَ فِيهِ بَقِيّةَ لَيْلَتِنَا؟ قَالَ: فَخَرَجُوا يَتَمَاشَوْنَ حَتّى وَجّهُوا قِبَلَ الشّرْجِ فَأَدْخَلَ أَبُو نَائِلَةَ يَدَهُ فِى رَأْسِ كَعْبٍ، ثُمّ قَالَ: وَيْحَك، مَا أَطْيَبَ عِطْرِك هَذَا يَا ابْنَ الأَشْرَفِ وَإِنّمَا كَانَ كَعْبٌ يَدّهِنُ بِالْمِسْكِ الْفَتِيتِ بِالْمَاءِ وَالْعَنْبَرِ حَتّى يَتَلَبّدَ فِى صُدْغَيْهِ وَكَانَ جَعْدًا جَمِيلاً.
ثُمّ مَشَى سَاعَةً فَعَادَ بِمِثْلِهَا حَتّى اطْمَأَنّ إلَيْهِ وَسُلْسِلَتْ يَدَاهُ فِى شَعْرِهِ وَأَخَذَ بِقُرُونِ رَأْسِهِ، وَقَالَ لأَصْحَابِهِ: اُقْتُلُوا عَدُوّ اللّهِ فَضَرَبُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ فَالْتَفّتْ عَلَيْهِ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا، وَرَدّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَلَصِقَ بِأَبِى نَائِلَةَ. قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: فَذَكَرْت مِغْوَلاً مَعِى كَانَ فِى سَيْفِى فَانْتَزَعْته فَوَضَعْته فِى سُرّتِهِ، ثُمّ تَحَامَلْت عَلَيْهِ فَقَطَطْته حَتّى انْتَهَى إلَى عَانَتِهِ فَصَاحَ عَدُوّ اللّهِ صَيْحَةً مَا بَقِىَ أُطْمٌ مِنْ آطَامِ يَهُودَ إلاّ قَدْ أُوقِدَتْ عَلَيْهِ نَارٌ. فَقَالَ ابْنُ سُنَيْنَةَ يَهُودِىّ مِنْ يَهُودِ بَنِى حَارِثَةَ وَبَيْنَهُمَا ثَلاثَةُ أَمْيَالٍ: إنّى لأَجِدُ رِيحَ دَمٍ بِيَثْرِبَ مَسْفُوحٍ. وَقَدْ كَانَ أَصَابَ بَعْضُ الْقَوْمِ الْحَارِثَ بْنَ أَوْسٍ بِسَيْفِهِ وَهُمْ يَضْرِبُونَ كَعْبًا، فَكَلَمَهُ فِى رِجْلِهِ.
فَلَمّا فَرَغُوا احْتَزّوا رَأْسَهُ ثُمّ حَمَلُوهُ مَعَهُمْ ثُمّ خَرَجُوا يَشْتَدّونَ وَهُمْ يَخَافُونَ مِنْ يَهُودَ الأَرْصَادَ حَتّى أَخَذُوا عَلَى بَنِى أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ ثُمّ عَلَى قُرَيْظَةَ وَإِنّ نِيرَانَهُمْ فِى الآطَامِ لَعَالِيَةٌ ثُمّ عَلَى بُعَاثٍ حَتّى إذَا كَانَ بِحَرّةِ الْعُرَيْضِ نَزَفَ الْحَارِثُ الدّمَ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِمْ فَنَادَاهُمْ أَقْرِئُوا رَسُولَ اللّهِ مِنّى السّلامَ فَعَطَفُوا عَلَيْهِ فَاحْتَمَلُوهُ حَتّى أَتَوْا النّبِىّ ص. فَلَمّا بَلَغُوا بَقِيعَ الْغَرْقَدِ كَبّرُوا.
وَقَدْ قَامَ رَسُولُ اللّهِ ص تِلْكَ اللّيْلَةَ يُصَلّى، فَلَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ ص تَكْبِيرَهُمْ بِالْبَقِيعِ كَبّرَ وَعَرَفَ أَنْ قَدْ قَتَلُوهُ. ثُمّ انْتَهَوْا يَعْدُونَ حَتّى وَجَدُوا رَسُولَ اللّهِ ص وَاقِفًا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: “أَفْلَحَتْ الْوُجُوهُ”، فَقَالُوا: وَوَجْهُك يَا رَسُولَ اللّهِ وَرَمَوْا بِرَأْسِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللّهَ عَلَى قَتْلِهِ.
ثُمّ أَتَوْا بِصَاحِبِهِمْ الْحَارِثِ فَتَفَلَ فِى جُرْحِهِ، فَلَمْ يُؤْذِهِ، فَقَالَ فِى ذَلِك عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ:
وَأَوْفَى طَالِعًا مِنْ فَوْقِ قَصْرِ
فَقُلْت أَخُوك عَبّادُ بْنُ بِشْرِ
فَقَدْ جِئْنَا لِتَشْكُرَنَا وَتَقْرِى
بِنِصْفِ الْوَسْقِ مِنْ حَبّ وَتَمْرٍ
لِشَهْرٍ إنْ وَفّى أَوْ نِصْفِ شَهْرِ
لَقَدْ عَدِمُوا الْغِنَى مِنْ غَيْرِ فَقْرِ
وَقَالَ لَنَا لَقَدْ جِئْتُمْ لأَمْرِ
مُجَرّبَةٌ بِهَا الْكُفّارُ نَفْرِى
بِهِ الْكَفّانِ كَاللّيْثِ الْهِزَبْرِ
فَقَطّرَهُ أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرِ
قَتَلْنَاهُ الْخَبِيثَ كَذِبْحِ عِتْرِ
هُمُ نَاهُوك مِنْ صِدْقٍ وَبِرّ
بِأَفْضَـــــلِ نِعْمَــــةٍ وَأَعَزّ نَصْـرِ
صَرَخْت بِهِ فَلَمْ يَجْفِلْ لِصَوْتِى
فَعُدْت فَقَالَ مَنْ هَذَا الْمُنَادِى
فَقَالَ مُحَمّدٌ أَسْرِعْ إلَيْنَا
وَتَرْفِدَنَا فَقَدْ جِئْنَا سِغَابًا
وَهَذِى دِرْعُنَا رَهْنًا فَخُذْهَا
فَقَالَ مَعَاشِرٌ سَغِبُوا وَجَاعُوا
وَأَقْبَلَ نَحْوَنَا يَهْوِى سَرِيعًا
وَفِى أَيْمَانِنَا بِيضٌ حِدَادٌ
فَعَانَقَهُ ابْنُ مَسْلَمَةَ الْمُرَادِى
وَشَدّ بِسَيْفِهِ صَلْتًا عَلَيْهِ
وَصَلْت وَصَاحِبَاىَ فَكَانَ لَمّا
وَمَرّ بِرَأْسِهِ نَفَرٌ كِرَامٌ
وَكَـانَ اللّهُ سَادِسَنَــا فَأُبْنَــــــــا
قَالَ ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ: أَنَا رَأَيْت قَائِلَ هَذَا الشّعْرِ.
قَالَ ابْنُ أَبِى الزّنَادِ: لَوْلا قَوْلُ ابْنِ أَبِى حَبِيبَةَ لَظَنَنْت أَنّهَا ثَبْتٌ. قَالُوا: فَلَمّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْ اللّيْلَةِ الّتِى قُتِلَ فِيهَا ابْنُ الأَشْرَفِ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “مَنْ ظَفِرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجَالِ الْيَهُودِ فَاقْتُلُوهُ”. فَخَافَتْ الْيَهُودُ فَلَمْ يَطْلُعْ عَظِيمٌ مِنْ عُظَمَائِهِمْ وَلَمْ يَنْطِقُوا، وَخَافُوا أَنْ يُبَيّتُوا كَمَا بُيّتَ ابْنُ الأَشْرَفِ. وَكَانَ ابْنُ سُنَيْنَةَ مِنْ يَهُودِ بَنِى حَارِثَةَ، وَكَانَ حَلِيفًا لِحُوَيّصَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَدْ أَسْلَمَ؛ فَعَدَا مُحَيّصَةُ عَلَى ابْنِ سُنَيْنَةَ فَقَتَلَهُ فَجَعَلَ حُوَيّصَةُ يَضْرِبُ مُحَيّصَةَ وَكَانَ أَسَنّ مِنْهُ يَقُولُ: أَىْ عَدُوّ اللّهِ أَقَتَلْته؟ أَمَا وَاَللّهِ لَرُبّ شَحْمٍ فِى بَطْنِك مِنْ مَالِهِ فَقَالَ مُحَيّصَةُ: وَاَللّهِ لَوْ أَمَرَنِى بِقَتْلِك الّذِى أَمَرَنِى بِقَتْلِهِ لَقَتَلْتُك. قَالَ: وَاَللّهِ لَوْ أَمَرَك مُحَمّدٌ أَنْ تَقْتُلَنِى لَقَتَلْتنِي؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ حُوَيّصَةُ: وَاَللّهِ إنّ دِينًا يَبْلُغُ هَذَا لَدِينٌ مُعْجِبٌ. فَأَسْلَمَ حُوَيّصَةُ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ مُحَيّصَةُ - وَهِىَ ثَبْتٌ لَمْ أَرَ أَحَدًا يَدْفَعُهَا - يَقُولُ:
يَلُومُ ابْنُ أُمّى لَوْ أُمِرْت بِقَتْلِهِ
حُسَامٍ كَلَوْنِ الْمِلْحِ أُخْلِصَ صَقْلُهُ
وَمَا سَرّنِى أَنّى قَتَلْتُـــك طَائِعًـــا
لَطَبّقْت ذِفْرَاهُ بِأَبْيَضَ قَاضِبِ
مَتَى مَا تُصَوّبُهُ فَلَيْسَ بِكَاذِبِ
وَلَوْ أَنّ لِى مَـا بَيْنَ بُصْرَى وَمَأْرِبِ
فَفَزِعَتْ الْيَهُودُ وَمَنْ مَعَهَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَجَاءُوا إلَى النّبِىّ ص حِينَ أَصْبَحُوا فَقَالُوا: قَدْ طُرِقَ صَاحِبُنَا اللّيْلَةَ وَهُوَ سَيّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا قُتِلَ غِيلَةً بِلا جُرْمٍ وَلا حَدَثٍ عَلِمْنَاهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “إنّهُ لَوْ قَرّ كَمَا قَرّ غَيْرُهُ مِمّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِ مَا اُغْتِيلَ، وَلَكِنّهُ نَالَ مِنّا الأَذَى وَهَجَانَا بِالشّعْرِ، وَلَمْ يَفْعَلْ هَذَا أَحَدٌ مِنْكُمْ إلاّ كَانَ لَهُ السّيْفُ”، وَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص إلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُمْ كِتَابًا يَنْتَهُونَ إلَى مَا فِيهِ فَكَتَبُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ كِتَابًا تَحْتَ الْعِذْقِ فِى دَارِ رَمْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ. فَحَذِرَتْ الْيَهُودُ وَخَافَتْ وَذَلّتْ مِنْ يَوْمِ قَتْلِ ابْنِ الأَشْرَفِ.
فَحَدّثَنِى إبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ وَهُوَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَعِنْدَهُ ابْنُ يَامِينَ النّضْرِىّ: كَيْفَ كَانَ قَتْلُ ابْنِ الأَشْرَفِ؟ قَالَ ابْنُ يَامِينَ: كَانَ غَدْرًا، وَمُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ جَالِسٌ شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَقَالَ: يَا مَرْوَانُ أَيَغْدِرُ رَسُولُ اللّهِ عِنْدَك؟ وَاَللّهِ مَا قَتَلْنَاهُ إلاّ بِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ ص، وَاَللّهِ لا يُؤْوِينِى وَإِيّاكَ سَقْفُ بَيْتٍ إلاّ الْمَسْجِدَ، وَأَمّا أَنْتَ يَا ابْنَ يَامِينَ - فَلِلّهِ عَلَىّ إنْ أَفْلَتّ وَقَدَرْت عَلَيْك وَفِى يَدِى سَيْفٌ إلاّ ضَرَبْت بِهِ رَأْسَك.
فَكَانَ ابْنُ يَامِينَ لا يَنْزِلُ فِى بَنِى قُرَيْظَةَ حَتّى يَبْعَثَ لَهُ رَسُولاً يَنْظُرُ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ، فَإِنْ كَانَ فِى بَعْضِ ضِيَاعِهِ نَزَلَ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمّ صَدَرَ وَإِلاّ لَمْ يَنْزِلْ، فَبَيْنَا مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِى جِنَازَةٍ وَابْنُ يَامِينَ بِالْبَقِيعِ، فَرَأَى نَعْشًا عَلَيْهِ جَرَائِدُ رَطْبَةٌ لامْرَأَةٍ جَاءَ فَحَلّهُ، فَقَامَ النّاسُ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ مَا تَصْنَعُ؟ نَحْنُ نَكْفِيك فَقَامَ إلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَضْرِبُهُ بِهَا جَرِيدَةً جَرِيدَةً، حَتّى كَسَرَ تِلْكَ الْجَرَائِدَ عَلَى وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ، حَتّى لَمْ يَتْرُكْ فِيهِ مَصَحّا، ثُمّ أَرْسَلَهُ وَلا طَبَاخَ بِهِ، ثُمّ قَالَ: وَاَللّهِ لَوْ قَدَرْت عَلَى السّيْفِ لَضَرَبْتُك بِهِ.
أيضاً ما ذكره الواقدي عن كتابة كتاب مؤقت بين محمد واليهود يؤكد أطروحة القمني في أن معاهدة المدينة كُتبت بعد أحد.
ويقول ابن هشام:
قال ابن إسحاق: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ظفرتم به من رجالِ يهودٍ فاقتلوه ، فوثب مُحَيِّصة ابن مسعود.
قال ابن هشام: مُحَيِّصة ويقال: محيصة بن مسعود بن كعب بن عامر بن عَدي بن مَجْدَعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عَمرو بن مالك بن الأوْس - على ابن سُنَيْنة؟ قال ابن هشام : ويقالُ شُنَينة - رجل من تُجَّار يهود، كان يلابسهم ويبايعهم فقتله وكان حُوَيصة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم، و كان أسَنَّ من مُحَيِّصة، فلما قتله جعل حُوَيِّصة يضربه، ويقول : أي عدوَّ الله، أقتلتَه، أما والله لرُبَّ شحمٍ في بطنك من ماله .
قال مُحَيصة : فقلت : والله لقد أمرنى بقتله. من لو أمرنى بقتلك لضربتُ عنقَك قال فوالله إن كان لأول إسلام حُويِّصة قال : آوللّه ، لو أمرك محمد بقتلى لقتلتنى؟ قال: نعم والله لو أمرنى بضرب عنقك . لضربتُها! قال : والله إن دِيناً بلغ بك هذا لعجب ، فأسلم حُوَيِّصة
ما قاله محيصة في ذلك شعراً : قال ابن إسحاق : حدثنى هذا الحديث مولى لبنى حارثة، عن ابنة مُحَيصة، عن أبيها مُحَيِّصة . قال محيصة فى ذلك:
يلوم ابنُ أمِّى لو أبرْت بقتله لطبَّقت ذِفراه بأبيضِ قاضبِ[1]
حُسامٍ كلوْنِ الملحِ أخْلِصَ صَقْلهُ متي ما أصوِّبْه فليس بكاذبِ
وما سرني أنى قتلتُك طائعاً وأن لنا ما بين بُصْرى ومأرِبِ[2]
بالتالي نقول أن بادئ العداوة وصانعها مع اليهود هو محمد والمسلمون!
وإن عدنا إلى الخلف قبل مقتل كعب بن الأشرف، نجد وجود صراع على التجارة والتنافس فيها، ووضع اليد على أفضل مواضع إقامة الأسواق، وهذا طبيعي للقوة الإسلامية العربية الناهضة الناشئة في منافستها مع اليهود الذين كانوا الأنجح في التجارة بيثرب، يقول السمهودي في وفاء الوفا بأخبار دار المصطفىى :
وروى ابن شبة أيضا عن صالح بن كيسان قال: ضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قبة في موضع بقيع الزبير فقال: هذا سوقكم. فأقبل كعب بن الأشرف فدخلها وقطع أطنابها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: لا جرم لأنقلنّها إلى موضع هو أغيظ له من هذا، فنقلها إلى موضع سوق المدينة، ثم قال: هذا سوقكم، لا تتحجروا، ولا يضرب عليه الخراج.
و عن أبي أسيد أن رجلا جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فقال: يا رسول اللّه إني قد رأيت موضعا للسوق، أفلا تنظر إليه؟ قال: فجاء به إلى موضع سوق المدينة اليوم- أي في زمنهم- قال: فضرب النبي صلّى اللّه عليه و سلّم برجله و قال: هذا سوقكم؛ فلا ينقص منه، ولا يضربن عليه خراج.
وروى ابن زبالة عن عباس بن سهل عن أبيه أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أتى بني ساعدة فقال: إني قد جئتكم في حاجة تعطوني مكان مقابركم فأجعلها سوقا، و كانت مقابرهم ما حازت دار ابن أبي ذئب إلى دار زيد بن ثابت، فأعطاه بعض القوم، ومنعه بعضهم، و قالوا: مقابرنا و مخرج نسائنا، ثم تلاوموا فلحقوه و أعطوه إياه، فجعله سوقا.
نلاحظ أن الخبر الأول عن كعب بن الأشرف تم حذفه من كتاب تاريخ المدينة لابن شبة حسب النسخة التي تحت أيدينا اليوم، بينما نقله السمهودي عنه فحفظه للتاريخ! ويمكننا القول أن الصراع لم يكن تنافسًا دينيًا فحسب، بل واقتصاديًّا وعِرقيًّا تعصبيًّا كذلك. وإن محمدًا جعل تدشين السوق في المرة الأولى في موضع داخل أرضٍ مملوكة لكعب بن الأشرف، وإلا لما تجرأ ابن الأشرف على قطع الأطناب، لا سيما وأن التنافس على التجارة كما جرى العرف لم ولا يكون بالسلاح. ويؤكد ذلك ما يذكره وفاء الوفا أن بعد مقتل ابن الأشرف استولى عليها المسلمون ووهبها محمد للزبير_بأسلوب النظام الإقطاعيّ القديم الطبقيّ_:
بقيع الزبير:
يجاور منازل بني غنم، و شرقي منازل بني زريق، و إلى جانبه في المشرق البقال، و لعل الرحبة التي بحارة الخدم بطريق بقيع الغرقد منه. روى ابن شبة عقب قصة كعب بن الأشرف المتقدمة في سوق المدينة لما أراد النبي صلى اللّه عليه و سلم أن يتخذ موضع بقيع الزبير سوقا أنه لما قتل كعب استقطع الزبير النبي صلى اللّه عليه و سلم البقيع فقطعه، فهو بقيع الزبير، ففيه من الدور للزبير دار عروة، ثم في شرقيها دار للمنذر بن الزبير إلى زقاق عروة، و فيه دار مصعب بن الزبير التي على يسارك إذا أردت بني مازن
وقصة اغتيال كعب بن الأشرف في البخاري برقم 4037 واللفظ له أدناه، ومسلم 1801 وأحمد 65، واللفظ للبخاري:
بَاب قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ
4037 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ شَيْئًا قَالَ قُلْ فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَنَا صَدَقَةً وَإِنَّهُ قَدْ عَنَّانَا وَإِنِّي قَدْ أَتَيْتُكَ أَسْتَسْلِفُكَ قَالَ وَأَيْضًا وَاللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ قَالَ إِنَّا قَدْ اتَّبَعْنَاهُ فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ و حَدَّثَنَا عَمْرٌو غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَمْ يَذْكُرْ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ أَوْ فَقُلْتُ لَهُ فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ فَقَالَ أُرَى فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ فَقَالَ نَعَمِ ارْهَنُونِي قَالُوا أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ قَالَ ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ قَالُوا كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ قَالَ فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ قَالُوا كَيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ فَيُقَالُ رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِي السِّلَاحَ فَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَجَاءَهُ لَيْلًا وَمَعَهُ أَبُو نَائِلَةَ وَهُوَ أَخُو كَعْبٍ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْحِصْنِ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أَيْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ فَقَالَ إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَخِي أَبُو نَائِلَةَ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو قَالَتْ أَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ قَالَ إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ لَأَجَابَ قَالَ وَيُدْخِلُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَعَهُ رَجُلَيْنِ قِيلَ لِسُفْيَانَ سَمَّاهُمْ عَمْرٌو قَالَ سَمَّى بَعْضَهُمْ قَالَ عَمْرٌو جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ عَمْرٌو جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ فَقَالَ إِذَا مَا جَاءَ فَإِنِّي قَائِلٌ بِشَعَرِهِ فَأَشَمُّهُ فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رَأْسِهِ فَدُونَكُمْ فَاضْرِبُوهُ وَقَالَ مَرَّةً ثُمَّ أُشِمُّكُمْ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ مُتَوَشِّحًا وَهُوَ يَنْفَحُ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رِيحًا أَيْ أَطْيَبَ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو قَالَ عِنْدِي أَعْطَرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ وَأَكْمَلُ الْعَرَبِ قَالَ عَمْرٌو فَقَالَ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشُمَّ رَأْسَكَ قَالَ نَعَمْ فَشَمَّهُ ثُمَّ أَشَمَّ أَصْحَابَهُ ثُمَّ قَالَ أَتَأْذَنُ لِي قَالَ نَعَمْ فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ قَالَ دُونَكُمْ فَقَتَلُوهُ ثُمَّ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ