للتحميل: نقد الإسلام الشامل ج1/ حروب محمد وأصحابه الإجرامية
كبي دي إف أنيق مفهرس إلكترونيا
من هنا أو
من هنا أو
من هنا
وللتحميل كملف وورد
من هنا
ما يرد أدناه هو مسودات سبق إرسالها خاصة بالكتاب، والكتاب المقدَّم رابطه أعلاه أكثر دقة ونظامًا ووفرة في بعض المواضيع
مدونتي
الإهداء
إلى الحركات الإرهابية كداعش وحركة الشباب الصومالية والقاعدة
اخسؤوا لكم الخزي لأنكم تسيرون عكس عقارب ساعات الزمن
[/size]
تمهيد من أقوال مفكرين وشعراء
"....لكنني استنتجت في كل مكان كم ينسج الناس من روايات الخيال لكي يتجنبوا رؤية العالم وجهاً لوجه. إن خلق العوالم الخلقية لم تكن لتكون فظيعة لولا أن ثمنها عظيم: نسيان الواقع، وبالتالي إهمال مذنِب للعالَم الوحيد الموجود. عندما يتخاصم الإيمان مع قانون الأسباب الملازمة، أي مع الذات، تتصالح الفكرة الإلحادية مع الأرض، ذلك الاسم الآخر للحياة."
ميشيل أونفراي، نفي اللاهوت ص 13 من الترجمة العربية
إنني لا أحمل أي احتقار للمؤمنين ولا أجدهم مثار سخرية أو مبعث شفقة، ولكن يصيبني اليأس أن أراهم يفضلون تخييلات الأطفال المهدئة على يقينيات الراشدين القاسية: إنهم يفضلون الإيمان المسكّن على العقل الذي يشغل البال، حتى لو كان ثمن ذلك طفولية ذهنية. تلك إذن عملية مراوغة ميتافيزيقية ثمنها ضخم وهائل.
وبذلك فأنا أشعر بما يصعد دائماً من أعماق أعماقي كلما شهدتُ عملية استلاب فكريّ بيّن: أحس بتعاطف تجاه الشخص المخدوع يصاحبه غضب ضد أولئك الذين يخدعون الناس باستمرار. فلا أحمل ضغينة تجاه الإنسان الساجد هناك، ولكني أحمل بالمقابل إيماناً راسخاً بأن لا أسالم أبداً من يدعونهم إلى هذه الوضعية المهينة ومن يجعلونهم يستمرون فيها. فمن يستطيع احتقار الضحايا؟ وكيف العدول عن محاربة جلاديهم.
إن البؤس الروحيّ يولِّد التخلي عن الذات والتضحية بالنفس، إنه يساوي البؤس الجنسي والعقلي والسياسي والفكري وغيره من بؤس آخر، غريب كيف أن مشهد حمق واستلاب الجار يستثير ابتسام سخرية من يغفل عن رؤية حمقه واستلابه هو. إن المسيحي الذي يأكل السمك يوم الجمعة يبتسم من رؤية المسلم يرفض أكل لحم الخنزير، ويستهزئ من اليهودي وهو يرد القشريات...وينظر المتعبد اليهودي الذي يتهزهز أمام حائط المبكى باندهاش للمسيحي الجاثي قبالة مركع صلاته، في الوقت الذي يطرح المسلم سجادته صوب مكة. ومع ذلك فلا أحد بينهم يستنتج أن القشة في نظر الجار تساوي العارضة في نظره هو، وأن الروح النقدية الدقيقة المرحَّب بها دائماً كلما تعلق الأمر بالغير ستنتصر كثيراً لو امتدت لتُطبَّق على السنن الذاتية.
إن ميل الناس إلى السذاجة والتصديق يفوق كل تصور، وإن رغبتهم بعدم النظر لما هو بديهي وتطلعهم لرؤية عالم أكثر بهجة، حتى لو كان هذا العالم من جنس الخيال المطلق، وكذا استعدادهم لعدم التبصر، لا تعرف حدوداً. إنهم يفضلون الخرافات والخيالات والأساطير والحكايات الجديرة بالأطفال بدل رفع اللثام عن حقيقة العالم القاسية التي تجبر المرء على تحمل بديهية مأساوية العالم.
ميشيل أونفراي، نفي اللاهوت ص 15-16 من الترجمة العربية
يتلون أسفارَهم والحق يخبرني بأن آخرَها مَيْنٌ وأولها
صدقتَ يا عقلُ فليبعُد أخو سفهٍ صاغ الأحاديث إفكاً أو تأولها
وليس حَبرٌ ببٍدعٍ في صحابته إن سامَ نفعاً بأخبارٍ تقوَّلَها
وإنما رامَ نسواناً تزوَّجها بما افتراه وأموالاً تموّلها
طال العناءُ بكون الشخصِ في أممٍ تُعدُّ فِرية غاويها معوِّلَها
وصاحب الشرع كان القدس قبلته صلى إليها زماناً ثم حوّلها
لا يخدعنَّك داعٍ قام في ملإٍ بخُطبةٍ زانً معناها وطوَّلَها
فما العظات وإن راعَت سوى حِيَلٍ من ذي مقالٍ على ناس تحوِّلها
هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدت ويهودُ حارت والمجوس مضلَّلة
اثنان أهل الأرض: ذو عقلٍ بلا دينٍ وآخرُ دَيِّن لا عقلَ له
حديثٌ جاء عن هابيل في الدهر وقابيلا
وطيرٌ عكفت يوماً على الجيش أبابيلا
لبسنا من مدى الأيام للغي سرابيلا
تلوا باطلاً وجلَوْا صارماً وقالوا حق فقلنا نعم!
كل الذي تحكون عن مولاكم كذبٌ أتاكم عن يهود يُحبَّر
رامتْ به الأحبارُ نيلَ معيشةٍ في الدهر والعمل القبيح يُتبَّر
هل صح قولٌ من الحاكي فنقبله أم كل ذلك أباطيل وأسمار؟
أما العقول فآلت أنه كذبٌ والعقل غرس له بالصدق إثمار
من شعر أبي العلاء المعري
في القرآن نصان
واحد للذئاب
وواحد للخرفان
فالاعتدال في الإسلام كذبة كاذب كذّاب
فنص الذئاب
أكثر من ثلاثة أرباع الكتاب
آيات تدعو المسلمين والأعراب
إلى القتل والنسف والإلغاء والإرهاب
من قصيدة قصيرة للشاعر السوري غيورغي فاسيلييف بعنوان (القرآن المقروء)
عليكِ ما تنوين لا تُخدعي عن طيب عيشٍ بالأباطيل
فتاركُ اليومِ لما في غدِ أحق معقولٍ بتجهيل
ما أحمق من يسأل تعجيلاً بتأجيل
عمرو الأعور الخاركي
غصب المسكين زوجته ... فجرت عيناه من درره
ما قضى المسكين من وطرٍ ... لا ولا المعشار من وطره
عذت بالله اللطيف بنا ... أن يكون الجور من قدره
صالح بن عبد القدوس، متحدثاً عن إجبار محمد لزيد وزينب بالفرقة وزواجه بالإكراه من زينب بنت جحش، وقد استشهد شهيداً لكلمته على يد جلاد الخليفة الرشيد
يحكي المسلمون المعاصرون دوماً الجزء الأول من السيرة المحمدية، عن صاحب ديانة الإسلام المؤسس وأتباعه، وفقاً لمزاعمهم التي لا يمكن التيقن مما إذا كانت دقيقة أم مبالغاً فيها عن اضطهاد أهل مكة من قريش وكنانة لهم، لكنهم لا يحكون عما فعله المسلمون في الجزء الثاني من قصة الإسلام ونشأته لما صارت كفة القوة إلى صالحهم، وهاهنا نذكر مغازيهم واعتداآتهم العدوانية من كتب السيرة على قبائل وجماعات مسالمة لم تبادئهم العدوان، وهو ما يرتبط بتحليلنا لاحقاً لتحول آيات القرآن من نصوص التسامح المكي إلى الأمر بالدفاع ودفع الظلم والانتقام من قريش بقطع طريق تجارتها والسطو على قوافلها فقط، ثم النقلة الكبيرة إلى الأمر بالعدوان على المسالمين المختلفين في العقيدة والانتماء والمجموعة!
سرية حمزة بن عبد المطلب
جاء في المغازي للواقدي:
وَكَانَتْ سَرِيّةُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فِى رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ مُهَاجَرَةِ النّبِىّ ص.
قَالُوا: أَوّلُ لِوَاءٍ عَقَدَهُ رَسُولُ اللّهِ ص بَعْدَ أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ لِحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، بَعَثَهُ فِى ثَلاثِينَ رَاكِبًا شَطْرَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الأَنْصَارِ، فَكَانَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَعَمْرُو بْنُ سُرَاقَةَ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَكَنّازُ بْنُ الْحُصَيْنِ وَابْنُهُ مَرْثَدُ بْنُ كَنّازٍ وَأَنَسَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ ص فِى رِجَالٍ.
وَمِنْ الأَنْصَارِ: أُبَىّ بْنُ كَعْبٍ، وَعُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ، وَعُبَيْدُ بْنُ أَوْسٍ، وَأَوْسُ بْنُ خَوْلِىّ، وَأَبُو دُجَانَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، وَرَافِعُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ فِى رِجَالٍ لَمْ يُسَمّوْا لَنَا.
فَبَلَغُوا سَيْفَ الْبَحْرِ يَعْتَرِضُ لِعِيرِ قُرَيْشٍ قَدْ جَاءَتْ مِنْ الشّامِ تُرِيدُ مَكّةَ، فِيهَا أَبُو جَهْلٍ فِى ثَلاثِمِائَةِ رَاكِبٍ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ. فَالْتَقَوْا حَتّى اصْطَفّوا لِلْقِتَالِ فَمَشَى بَيْنَهُمْ مَجْدِى بْنُ عَمْرٍو، وَكَانَ حَلِيفًا لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، فَلَمْ يَزَلْ يَمْشِى إلَى هَؤُلاءِ وَإِلَى هَؤُلاءِ حَتّى انْصَرَفَ الْقَوْمُ، وَانْصَرَفَ حَمْزَةُ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ فِى أَصْحَابِهِ وَتَوَجّهَ أَبُو جَهْلٍ فِى عِيرِهِ وَأَصْحَابِهِ إلَى مَكّةَ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ.
فَلَمّا رَجَعَ حَمْزَةُ إلَى النّبِىّ ص خَبَرَهُ بِمَا حَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِى، وَأَنّهُمْ رَأَوْا مِنْهُ نَصَفَةً لَهُمْ فَقَدِمَ رَهْطُ مَجْدِى عَلَى النّبِىّ ص فَكَسَاهُمْ وَصَنَعَ إلَيْهِمْ خَيْرًا، وَذَكَرَ مَجْدِى بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ: إنّهُ مَا عَلِمْت مَيْمُونُ النّقِيبَةِ مُبَارَكُ، الأَمْرِ. أَوْ قَالَ: رَشِيدُ الأَمْرِ.
حَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَيّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ ابْنِ الْمُسَيّبِ، وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ، قَالا: لَمْ يَبْعَثْ رَسُولُ اللّهِ ص أَحَدًا مِنْ الأَنْصَارِ مَبْعَثًا حَتّى غَزَا بِنَفْسِهِ إلَى بَدْرٍ، وَذَلِك أَنّهُ ظَنّ أَنّهُمْ لا يَنْصُرُونَهُ إلاّ فِى الدّارِ وَهُوَ الْمُثْبَتُ.
نكتشف من قراءتنا لقصة هذه السرية سواء عند ابن هشام أو الواقدي أو غيرهما أن قريشاً كانت متسامحة مقارنة بأفعال المسلمين، وأن المسلمين بدؤوا قطع طريق التجارة وكانوا متهورين وطائشين، كان عدد القرشيين حوالي 300، وعدد المسلمين حوالي 30 (ابن هشام يذكر نفس الرقمين كالواقدي)، ولولا تدخل رجل حليف للطرفين للفصل بينهما بالكلمة الطيبة لكانت مجزرة للطرف المسلم! وهو ما يدل على سماحة نفس القرشيين على قوتهم العددية، ربما يجب أن نعيد النظر لذا في مدى مصداقية وعدم مبالغة قصص اضطهاد المكيين للمسلمين! أو نعيد التأمل على الأقل فنرى أن المسلمين كانوا على ذات التعصب والانغلاق والعنف.
إن تكرر أحداث قطع محمد وأتباعه لطريق تجارة قريش وغيرها، دفع قريشاً لأن تسميه (القاطع) كما ورد بالسيرة لابن هشام عن ابن إسحاق، قاطع للطريق وقاطع للرحم وصلات القربى.
ونلاحظ بعد ذلك استمرار لقطع المسلمين لطريق التجارة مرات متكررة، وتكرر استفزازهم للوثنيين القرشيين، وتذكر الكتب أن سرية عبيدة بن الحارث إلى رابغ للتحرش بقافلة أميرها أبو سفيان كان قوامها ستين فارساً قرشياً مسلماً، في حين كان عدد القرشيين الوثنيين مئتين، مع ذلك تجنب القرشيون للمرة الثانية استغلال قوتهم العددية، رغم تحرش سعد بن أبي وقاص بهم وتصويبه سهاماً عليهم، ، وهو ما يفسره المسلمون على أنه هروب وفرار من جانب القرشيين، ولا يستوعبونه كتسامح وطيبة منهم!، وواضح أن محمداً كان ما زال يستعين بالمهاجرين أكثر، ولم يزدد اعتماده على أهل يثرب المدينة فلم يكن في سرية رابغ إلا المهاجرون.
ثم تتكرر في السيرة محاولات محمد وأصحابه الفاشلة للحاق ببعض قوافل أو عير قريش كغزوات الخرار والأبواء وبواط وذي العشيرة، ونتساءل هل نفسية مشبعة بالحقد والشر والرغبة في الانتقام كتلك النفسيات أيمكننا اعتبارها لنبي ورجال مقدسين حتى لو قلنا بأنهم تعرضوا لاضطهادات؟!
في ذكر سرية حاولت الاعتداء على بني كنانة
يذكر لنا أحمد بن حنبل في مسنده وابن أبي شيبة في مصنفه والبيهقي في دلائل النبوة أن محمدًا أرسل سرية للعدوان على بني كنانة ممن جاوروه قرب منطقة قبيلة جهينة، ربما باعتبارهم أقارب لبني كنانة ممن سكن مكة، يقول أحمد بن حنبل:
1539 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمُتَعَالِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْمُجَالِدُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ جَاءَتْهُ جُهَيْنَةُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ قَدْ نَزَلْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَأَوْثِقْ لَنَا حَتَّى نَأْتِيَكَ وَتُؤْمِنَّا، فَأَوْثَقَ لَهُمْ فَأَسْلَمُوا، قَالَ: فَبَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَجَبٍ، وَلا نَكُونُ مِائَةً، وَأَمَرَنَا أَنْ نُغِيرَ عَلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ إِلَى جَنْبِ جُهَيْنَةَ، فَأَغَرْنَا عَلَيْهِمْ وَكَانُوا كَثِيرًا، فَلَجَأْنَا إِلَى جُهَيْنَةَ فَمَنَعُونَا، وَقَالُوا: لِمَ تُقَاتِلُونَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَقُلْنَا: إِنَّمَا نُقَاتِلُ مَنِ أخْرَجَنَا مِنَ الْبَلَدِ الْحَرَامِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: مَا تَرَوْنَ ؟ فَقَالَ بَعْضُنَا: نَأْتِي نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُخْبِرُهُ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا بَلْ نُقِيمُ هَاهُنَا، وَقُلْتُ أَنَا فِي أُنَاسٍ مَعِي: لَا بَلْ نَأْتِي عِيرَ قُرَيْشٍ فَنَقْتَطِعُهَا، فَانْطَلَقْنَا إِلَى الْعِيرِ وَكَانَ الْفَيْءُ إِذْ ذَاكَ: مَنِ أخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى الْعِيرِ وَانْطَلَقَ أَصْحَابُنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقَامَ غَضْبَانَ مُحْمَرَّ الْوَجْهِ فَقَالَ: " أَذَهَبْتُمْ مِنْ عِنْدِي جَمِيعًا وَجِئْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمِ الْفُرْقَةُ، لأبْعَثَنَّ عَلَيْكُمْ رَجُلًا لَيْسَ بِخَيْرِكُمْ، أَصْبَرُكُمْ عَلَى الْجُوعِ وَالْعَطَشِ " فَبَعَثَ عَلَيْنَا عَبْدَ اللهِ بْنَ جَحْشٍ الْأَسَدِيَّ فَكَانَ أَوَّلَ أَمِيرٍ أُمِّرَ فِي الْإِسْلامِ.
(2) إسناده ضعيف، المجالد- وهو ابن سعيد- ضعيف، وزياد بن عِلاقة ثم يسمع من سعد. وأخرجه ابن أبي شيبة 14/123 و351-352، والبيهقي في "دلائل النبوة" 3/15 من طريق حماد بن أسامة، والدورقي (131) ، والبيهقي 3/14 من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، والبزار (1757- كشف الأستار) من طريق أحمد بن بشير، ثلاثتهم عن مجالد بن سعيد، بهذا الإسناد والحديث عند ابن أبي شيبة في الموضع الأول والبزار مختصر بقصة: أن أول أمير عُقِد له في الإسلام عبد الله بن جحش.
فهذه من أوائل نواياه العدوانية والانتقامية التي لا تصلح في ضوء مبادئ الجيرة الدولية، التي لم تكن شيئًا مراعى عند عرب شبه الجزيرة القدماء لكنه تمادى أكثر مما يتصور كما سنرى.
يقول الواقدي، والقصة في السيرة لابن هشام عن ابن إسحاق، والطبقات الكبير لابن سعد:
ثُمّ سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ إلَى نَخْلَةَ، وَنَخْلَةُ وَادِي بُسْتَانِ ابْنِ عَامِرٍ فِي رَجَبٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا.
قَالُوا: قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ: دَعَانِي رَسُولُ اللّهِ ص حِينَ صَلّى الْعِشَاءَ، فَقَالَ وَافِ مَعَ الصّبْحِ مَعَك سِلاحُك; أَبْعَثُك وَجْهًا، قَالَ: فَوَافَيْت الصّبْحَ وَعَلَىّ سَيْفِى وَقَوْسِى وَجَعْبَتِى وَمَعِى دَرَقَتِى، فَصَلّى النّبِىّ ص بِالنّاسِ الصّبْحَ ثُمّ انْصَرَفَ فَيَجِدُنِى قَدْ سَبَقْته وَاقِفًا عِنْدَ بَابِهِ وَأَجِدُ نَفَرًا مَعِى مِنْ قُرَيْشٍ. فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص أُبَىّ بْنَ كَعْبٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَأَمّرَهُ رَسُولُ اللّهِ ص وَكَتَبَ كِتَابًا. ثُمّ دَعَانِى فَأَعْطَانِى صَحِيفَةً مِنْ أَدِيمٍ خَوْلانِىّ، فَقَالَ: قَدْ اسْتَعْمَلْتُك عَلَى هَؤُلاءِ النّفَرِ.
فَامْضِ حَتّى إذَا سِرْت لَيْلَتَيْنِ فَانْشُرْ كِتَابِى، ثُمّ امْضِ لِمَا فِيهِ. قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ أَىّ نَاحِيَةٍ؟ فَقَالَ: اُسْلُكْ النّجْدِيّةَ ، تَؤُمّ رَكِيّةَ. قَالَ: “فَانْطَلَقَ حَتّى إذَا كَانَ بِبِئْرِ ابْن ضُمَيْرَةَ نَشَرَ الْكِتَابَ، فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ: سِرْ حَتّى تَأْتِىَ بَطْنَ نَخْلَةَ عَلَى اسْمِ اللّهِ وَبَرَكَاتِهِ وَلا تُكْرِهَن أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِك عَلَى الْمَسِيرِ مَعَك، وَامْضِ لأَمْرِى فِيمَنْ تَبِعَك حَتّى تَأْتِىَ بَطْنَ نَخْلَةَ فَتَرَصّدْ بِهَا عِيرَ قُرَيْشٍ”. فَلَمّا قَرَأَ عَلَيْهِمْ الْكِتَابَ قَالَ لَسْت مُسْتَكْرِهًا مِنْكُمْ أَحَدًا، فَمَنْ كَانَ يُرِيدُ الشّهَادَةَ فَلْيَمْضِ لأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ ص وَمَنْ أَرَادَ الرّجْعَةَ فَمِنْ الآنِ فَقَالُوا أَجْمَعُونَ: نَحْنُ سَامِعُونَ وَمُطِيعُونَ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلَك، فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ حَيْثُ شِئْت. فَسَارَ حَتّى جَاءَ نَخْلَةَ فَوَجَدَ عِيرًا لِقُرَيْشٍ فِيهَا عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِىّ، وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ الْمَخْزُومِىّ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِىّ، وَنَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْمَخْزُومِىّ. فَلَمّا رَأَوْهُمْ أَصْحَابُ الْعِيرِ هَابُوهُمْ وَأَنْكَرُوا أَمْرَهُمْ فَحَلَقَ عُكّاشَةُ رَأْسَهُ مِنْ سَاعَتِهِ ثُمّ أَوْفَى لِيُطَمْئِنَ الْقَوْمَ.
قَالَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ: فَحَلَقْت رَأْسَ عُكّاشَةَ بِيَدِي - وَكَانَ رَأْيُ وَاقِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ وَعُكّاشَةَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهِمْ - فَيَقُولُ لَهُمْ عُمّارٌ: نَحْنُ فِى شَهْرٍ حَرَامٍ فَأَشْرَفَ عُكّاشَةُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لا بَأْسَ قَوْمٌ عُمّارٌ فَأَمِنُوا فِى أَنْفُسِهِمْ وَقَيّدُوا رِكَابَهُمْ وَسَرّحُوهَا، وَاصْطَنَعُوا طَعَامًا. تَشَاوَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ ص فِي أَمْرِهِمْ - وَكَانَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ وَيُقَالُ أَوّلَ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ - فَقَالُوا: إنْ أَخّرْتُمْ عَنْهُمْ هَذَا الْيَوْمَ دَخَلُوا الْحَرَمَ فَامْتَنَعُوا، وَإِنْ أَصَبْتُمُوهُمْ فَفِى الشّهْرِ الْحَرَامِ. وَقَالَ قَائِلٌ: لا نَدْرِى أَمِنْ الشّهْرِ الْحَرَامِ هَذَا الْيَوْمُ أَمْ لا. وَقَالَ قَائِلٌ: لا نَعْلَمُ هَذَا الْيَوْمَ إلاَّ مِنْ الشّهْرِ الْحَرَامِ وَلا نَرَى أَنْ تَسْتَحِلّوهُ لِطَمَعٍ أَشْفَيْتُمْ عَلَيْهِ. فَغَلَبَ عَلَى الأَمْرِ الّذِينَ يُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا، فَشَجّعَ الْقَوْمَ فَقَاتَلُوهُمْ. فَخَرَجَ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ يَقْدُمُ الْقَوْمَ قَدْ أَنْبَضَ قَوْسَهُ وَفَوّقَ بِسَهْمِهِ فَرَمَى عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِىّ - وَكَانَ لا يُخْطِئُ رَمْيَتَهُ - بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ. وَشَدّ الْقَوْمُ عَلَيْهِمْ فَاسْتَأْسَرَ عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ وَأَعْجَزَهُمْ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَاسْتَاقُوا الْعِيرَ.
حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنِى عَلِىّ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمَعَةَ الأَسَدِىّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمّتِهِ، عَنْ أُمّهَا كَرِيمَةَ ابْنَةِ الْمِقْدَادِ، عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: “أَنَا أَسَرْت الْحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ، فَأَرَادَ أَمِيرُنَا ضَرْبَ عُنُقِهِ فَقُلْت: دَعْهُ نَقْدُمُ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ص فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ص فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ص يَدْعُوهُ إلَى الإِسْلامِ فَأَطَالَ رَسُولُ اللّهِ ص كَلامَهُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: تُكَلّمُ هَذَا يَا رَسُولَ اللّهِ؟ وَاَللّهِ لا يُسْلِمُ هَذَا آخِرَ الأَبَدِ دَعْنِى أَضْرِبُ عُنُقَهُ وَيَقْدَمُ إلَى أُمّهِ الْهَاوِيَةِ فَجَعَلَ النّبِىّ ص لا يُقْبِلُ عَلَى عُمَرَ حَتّى أَسْلَمَ الْحَكَمُ فَقَالَ عُمَرُ: فَمَا هُوَ إلاّ أَنْ رَأَيْته قَدْ أَسْلَمَ، وَأَخَذَنِى مَا تَقَدّمَ وَتَأَخّرَ وَقُلْت: كَيْفَ أَرُدّ عَلَى النّبِىّ ص أَمْرًا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنّى، ثُمّ أَقُولُ: إنّمَا أَرَدْت بِذَلِكَ النّصِيحَةَ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ، قَالَ عُمَرُ: فَأَسْلَمَ وَاَللّهِ فَحَسُنَ إسْلامُهُ وَجَاهَدَ فِى اللّهِ حَتّى قُتِلَ شَهِيدًا يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، وَرَسُولُ اللّهِ ص رَاضٍ عَنْهُ وَدَخَلَ الْجِنَانَ”.
حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: وَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، قَالَ: قَالَ الْحَكَمُ: وَمَا الإِسْلامُ؟ قَالَ: تَعْبُدُ اللّهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَتَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ: قَدْ أَسْلَمْت. فَالْتَفَتَ النّبِىّ ص إلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: “لَوْ أَطَعْتُكُمْ فِيهِ آنِفًا فَقَتَلْته، دَخَلَ النّار” قَالُوا: وَاسْتَاقُوا الْعِيرَ وَكَانَتْ الْعِيرُ فِيهَا خَمْرٌ وَأَدَمٌ وَزَبِيبٌ جَاءُوا بِهِ مِنْ الطّائِفِ، فَقَدِمُوا بِهِ عَلَى النّبِىّ ص.
فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: قَدْ اسْتَحَلّ مُحَمّدٌ الشّهْرَ الْحَرَامَ، فَقَدْ أَصَابَ الدّمَ وَالْمَالَ وَقَدْ كَانَ يُحَرّمُ ذَلِكَ وَيُعَظّمُهُ. فَقَالَ: “مَنْ يَرُدّ عَلَيْهِمْ إنّمَا أَصَبْتُمْ فِى لَيْلَةٍ مِنْ شَعْبَانَ”، وَأَقْبَلَ الْقَوْمُ بِالْعِيرِ فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ ص وَقّفَ الْعِيرَ فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا، وَحَبَسَ الأَسِيرَيْنِ وَقَالَ لأَصْحَابِهِ: “مَا أَمَرْتُكُمْ بِالْقِتَالِ فِى الشّهْرِ الْحَرَامِ”.
فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ، قَالَ: مَا أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص بِالْقِتَالِ فِى الشّهْرِ الْحَرَامِ، وَلا غَيْرِ الشّهْرِ الْحَرَامِ، إنّمَا أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَحَسّسُوا أَخْبَارَ قُرَيْشٍ.
قَالُوا: وَسُقِطَ فِى أَيْدِى الْقَوْمِ وَظَنّوا أَنْ قَدْ هَلَكُوا، وَأَعْظَمَ ذَلِكَ مَنْ قَدِمُوا عَلَيْهِ فَعَنّفُوهُمْ وَلامُوهُمْ وَالْمَدِينَةُ تَفُورُ فَوْرَ الْمِرْجَلِ. وَقَالَتْ الْيَهُودُ: عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِىّ قَتَلَهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ التّمِيمِىّ، عَمْرٌو عَمُرَتْ الْحَرْبُ، وَالْحَضْرَمِىّ حَضَرَتْ الْحَرْبُ، وَوَاقِدٌ وَقَدَتْ الْحَرْبُ، قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: قَدْ تَفَاءَلُوا بِذَلِكَ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ اللّهِ عَلَى يَهُودَ. قَالُوا: وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إلَى النّبِىّ ص فِى فِدَاءِ أَصْحَابِهِمْ فَقَالَ النّبِىّ ص: “لَنْ نَفْدِيَهُمَا حَتّى يَقْدُمَ صَاحِبَانَا”، يَعْنِى سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقّاصٍ وَعُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ.
فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ حَتّى نَنْزِلَ بِبُحْرَانَ - وَبُحْرَانُ نَاحِيَةُ مَعْدِنِ بَنِى سُلَيْمٍ - فَأَرْسَلْنَا أَبَاعِرَنَا، وَكُنّا اثْنَىْ عَشَرَ رَجُلاً، كُلّ اثْنَيْنِ يَتَعَاقَبَانِ بَعِيرًا. فَكُنْت زَمِيلَ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ وَكَانَ الْبَعِيرُ لَهُ فَضَلّ بَعِيرُنَا، وَأَقَمْنَا عَلَيْهِ يَوْمَيْنِ نَبْغِيهِ. وَمَضَى أَصْحَابُنَا وَخَرَجْنَا فِى آثَارِهِمْ فَأَخْطَأْنَاهُمْ فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ قَبْلَنَا بِأَيّامٍ وَلَمْ نَشْهَدْ نَخْلَةَ، فَقَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ ص وَهُمْ يَظُنّونَ أَنّا قَدْ أَصَبْنَا، وَلَقَدْ أَصَابَنَا فِى سَفَرِنَا مَجَاعَةٌ لَقَدْ خَرَجْنَا مِنْ الْمَلِيحَةِ، وَبَيْنَ الْمَلِيحَةِ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سِتّةُ بُرُدٍ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَعْدِنِ لَيْلَةٌ - بَيْنَ مَعْدِنِ بَنِى سُلَيْمٍ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ.
قَالَ: لَقَدْ خَرَجْنَا مِنْ الْمَلِيحَةِ نَوْبَةً، وَمَا مَعَنَا ذَوّاقٌ حَتّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ. قَالَ قَائِلٌ: أَبَا إسْحَاقَ كَمْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ؟ قَالَ: ثَلاثٌ كُنّا إذَا بَلَغَ مِنّا أَكَلْنَا الْعِضَاهَ وَشَرِبْنَا عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَنَجِدُ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ قَدِمُوا فِى فِدَاءِ أَصْحَابِهِمْ، فَأَبَى رَسُولُ اللّهِ ص أَنْ يُفَادِيَهُمْ، وَقَالَ: “إنّى أَخَافُ عَلَى صَاحِبَىّ”، فَلَمّا قَدِمْنَا فَادَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص، قَالُوا: وَكَانَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللّهِ ص لَهُمْ: “إنْ قَتَلْتُمْ صَاحِبَىّ قَتَلْت صَاحِبَيْكُمْ”، وَكَانَ فِدَاؤُهُمَا أَرْبَعِينَ أُوقِيّةً فِضّةً لِكُلّ وَاحِدٍ وَالأُوقِيّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا.
فَحَدّثَنِى عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الْجَحْشِىّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ، قَالَ: كَانَ فِى الْجَاهِلِيّةِ الْمِرْبَاعُ، فَلَمّا رَجَعَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ مِنْ نَخْلَةَ خَمّسَ مَا غَنِمَ، وَقَسَمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ سَائِرَ الْغَنَائِمِ، فَكَانَ أَوّلَ خُمُسٍ خُمِسَ فِى الإِسْلامِ حَتّى نَزَلَ بَعْدُ{وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ }
فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ، أَنّ النّبِىّ ص وَقَفَ غَنَائِمَ أَهْلِ نَخْلَةَ، وَمَضَى إلَى بَدْرٍ حَتّى رَجَعَ مِنْ بَدْرٍ فَقَسَمَهَا مَعَ غَنَائِمِ أَهْلِ بَدْرٍ، وَأَعْطَى كُلّ قَوْمٍ حَقّهُمْ.
قَالُوا: وَنَزَلَ الْقُرْآنُ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الْحَرَامِ} فَحَدّثَهُمْ اللّهُ فِى كِتَابِهِ أَنّ الْقِتَالَ فِى الشّهْرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَ، وَأَنّ الّذِى يَسْتَحِلّونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ صَدّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ حَتّى يُعَذّبُوهُمْ وَيَحْبِسُوهُمْ أَنْ يُهَاجِرُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ ص وَكُفْرِهِمْ بِاَللّهِ وَصَدّهِمْ الْمُسْلِمِينَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِى الْحَجّ وَالْعُمْرَةِ وَفِتْنَتِهِمْ إيّاهُمْ عَنْ الدّينِ وَيَقُولُ: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدّ مِنَ الْقَتْلِ} قَالَ: عَنَى بِهِ إِسَافَ وَنَائِلَةَ.
فَحَدّثَنِى مَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: فَوَدَى رَسُولُ اللّهِ ص عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِىّ، وَحَرّمَ الشّهْرَ الْحَرَامَ كَمَا كَانَ يُحَرّمُهُ حَتّى أَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: “بَرَاءَةٌ”.
فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبّاسٍ هَلْ وَدَى رَسُولُ اللّهِ ص ابْنَ الْحَضْرَمِىّ؟ قَالَ: لا. قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَالْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنّهُ لَمْ يُودَ. وَفِى تِلْكَ السّرِيّةِ سُمّىَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَدّثَنِى بِذَلِكَ أَبُو مَعْشَرٍ.
ملاحظة: القصة في ابن هشام لا تختلف كثيراً، وتدعي وتشدِّد على أن محمداً أمر فقط برصد القافلة وليس مهاجمتها، وهذا زعم ساذج مضحك، فما ضرورة ذلك بمراقبة قافلة تجارية إن لم يكن لنهبها في الشهر المحظور فيه عندهم ذلك؟!
في هذه السرية خالف محمد القاعدة والعرف الدولي والديني المتعارف عليه وقتئذٍ عند سكان شبه الجزيرة العربية، فرغم كثرة السلب والنهب والاستعباد بين بدو العرب، لكنهم كانوا قد تعارفوا تأسيساً على خرافة وثنية_أخذ بها الإسلام_على اعتبار أربعة أشهر قمرية عربية محرمة لا يجوز القتال والإغارة والسلب فيها، لاسيما وهي شهور للحج والعمرة، وإذا بأحد المسلمين عُكَّاشة بْنُ مِحْصن بْنِ حُرْثان يدعي كذلك غدراً بخدعة منه أنهم ذاهبون لعمرة بأن حلق شعر رأسه على عادة تلك الشعائر المعروفة، ثم غدروا بالوثنيين المسالمين مرة أخرى، ونهبوا ما معهم من تجارة، وقتلوا من قتلوا، أما محمد فقد وجه إليه كثير من أهل يثرب وغيرهم نقداً عنيفاً لأنه بذلك ينطبق عليه وصف الفجور و(الفِجار) الذي وصفوا به أربعة حروب كبيرة قديمة قبل الإسلام، فارتج الأمر عليه وتخبط وتظاهر بالبراءة ورفض في البدء أخذ الغنيمة، ثم لاحقاً سيؤلف آية تبريرية بأن المسلمين تعرضوا أولاً للاضطهاد والظلم والإخراج من مكة وإن كان فيها اعتراف بالخطأ الذي ارتكبوه ضمنياً: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)} البقرة: 217 ، ونجد أن محمداً يجبر أحد الأسرى هو الحكم بن كيسان على الإسلام تحت تهديد القتل، وهي عملية إكراه ديني لا لبس فيها، وواضح أن الحكم هذا تعرض لغسيل مخ محكم بعد ذلك حتى انخرط في أعمال النهب والإرهاب وهلك خلال ذلك! وتزعم بعض الأخبار أن محمداً اضطر تحرجاً لدفع دية الوثني المقتول عمرو بن الحضرمي إن صح الخبر! ونلاحظ أن اثنين من أصحاب محمد هما سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان يضلان الطريق ولا يشاركان في تلك السرية بالصدفة، فلعلهما ارتأيا ألا يشاركا فيما يضعهما في الإحراج والمحظور اجتماعياً بسبب أمر محمد فادعيا ذلك!
إن نزول أو بالأحرى تأليف الآيات لحل المشاكل وإزالة الإحراج حيلة محمدية، كان محمد يفكر أي قول هو الأنسب والأسلم ثم يضع الآيات كرد، كما في قصة الإفك ضد عائشة، فقد ظل فترة يفكر أهي بريئة أم لا، حتى تيقن من براءتها، وهنا كذلك يقول ابن هشام:
فَلَمَّا أَكْثَرَ الناسُ فِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة: 217] ، أَيْ إنْ كُنْتُمْ قَتلتم فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَقَدْ صَدُّوكم عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ الْكُفْرِ بِهِ، وَعَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِخْرَاجُكُمْ مِنْهُ وَأَنْتُمْ أهلُهُ، أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مَنْ قَتَلْتُمْ مِنْهُمْ {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} أَيْ قَدْ كَانُوا يَفْتِنُونَ الْمُسْلِمَ فِي دِينِهِ، حَتَّى يَرُدُّوهُ إلَى الْكُفْرِ بَعْدَ إيمَانِهِ فَذَلِكَ أكبرُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْقَتْلِ {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217] : أَيْ ثُمَّ هُمْ مُقِيمُونَ عَلَى أَخْبَثِ ذَلِكَ وَأَعْظَمِهِ، غَيْرَ تَائِبِينَ وَلَا نَازِعِينَ. فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَذَا مِنْ الْأَمْرِ، وَفَرَّجَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الشَّفَقِ قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ، وَبَعَثَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ فِي فداءِ عُثمان بن عبد الله والحكم بن كَيْسان....إلخ
وجاء في السنن الكبرى للبيهقي:
17523 - أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن محمد العطار ببغداد ثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد الدقاق ثنا عبد الملك بن محمد الرقاشي ثنا أبي ثنا المعتمر بن سليمان قال سمعت أبي يحدث عن الحضرمي عن أبي السوار عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم رهطا واستعمل عليهم عبيدة بن الحارث قال فلما انطلق ليتوجه بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فبعث مكانه رجلا يقال له عبد الله بن جحش وكتب له كتابا وأمره أن لا يقرأه إلا لمكان كذا وكذا لا تكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك فلما صار إلى ذلك الموضع قرأ الكتاب واسترجع قال سمعا وطاعة لله ورسوله قال فرجع رجلا من أصحابه ومضى بقيتهم معه فلقوا بن الحضرمي فقتلوه فلم يدر ذلك من رجب أو من جمادى الآخرة فقال المشركون قتلهم في الشهر الحرام فنزلت {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير} إلى قوله {والفتنة أكبر من القتل} قال فقال بعض المسلمين لئن كانوا أصابوا خيرا ما لهم أجر فنزلت {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم}.
إسناده صحيح
وروى الطبراني في المعجم الكبير:
1670 - حدثنا إبراهيم بن نائلة ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن الحضرمي عن أبي السوار عن جندب بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة بن الجراح أو عبيدة فلما ذهب لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فجلس فبعث عليهم عبد الله بن جحش مكانه وكتب له كتابا وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا وقال: (لا تكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك) فلما قرأ الكتاب استرجع ثم قال سمع وطاعة لله ورسوله فخبرهم الخبر وقرأ عليهم الكتاب فرجع رجلان ومضى بقيتهم فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب أو جمادى فقال المشركون للمسلمين قتلتم في الشهر الحرام فأنزل الله عز و جل {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} الآية فقال بعضهم : إن لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر فأنزل الله عز و جل {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم}
قال الهيثمي في مجمع الزوائد 6/ 198 رواه الطبراني ورجاله ثقات.
ونقرأ في مغازي الواقدي فنعلم استمرار إصرار محمد على العدوان على قومه القرشيين وقطع طريق تجارتهم، واستعانته بوثني خائن يدعى كشد الجهني من قبيلة جهينة، ثم مكافأة محمد له على إيوائه جواسيسه بأن يعده بإقطاعه ابن أخيه ينبع، وهكذا كان محمد كما سنقرأ لاحقاً من أخبار عام الوفود في الطبقات لابن سعد ج1 يشتري ولاء الزعماء بتلك الطريقة، مؤيداً النظام الإقطاعي القديم، ونقرأ أن كثيراً من أصحاب محمد لم يشاركوه تلك المعركة، ولعل ذلك بسبب الحس الإنساني السليم بكره العدوان والأذى والحرب، فهم ألزموا أنفسهم بالدفاع عن حدود بلدهم فقط وليس الاعتداء على الناس، وجعله محمد صراعاً دينياً ومعركة بين طرفين متبعين لخرافات وخزعبلات كلاهما يزعم أنه الحق، وفي سورة الأنفال من القرآن: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)}، ويقول الواقدي: كره خروج رسول الله ص أقوامٌ من أصحابه إلى بدر، قالوا: نحن قليل وما الخروج برأي! حتى كان في ذلك اختلاف كبير. ومن جرائم محمد وهفواته في تلك الغزوة قبوله طفلاً مراهقاً مغسول الدماغ متحمساً متعجلاً لتقليد عالم رجال العرب الوحشي هو عمير بن أبي وقاص، أخو سعد بن أبي وقاص، فقُتِل ابن 16 سنة، ويقول أخوه أنه كان صغيراً لدرجة أنه كان يعقد له حمائل سيفه!
يقول الواقدي:
قَالَ: وَلَمّا تَحَيّنَ رَسُولُ اللّهِ ص انْصِرَافَ الْعِيرِ مِنْ الشّامِ، نَدَبَ أَصْحَابَهُ لِلْعِيرِ وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ص طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ وَسَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ، قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ بِعَشْرِ لَيَالٍ يَتَحَسّسَانِ خَبَرَ الْعِيرِ، حَتّى نَزَلا عَلَى كَشَدٍ الْجُهَنِىّ بِالنّخْبَارِ مِنْ الْحَوْرَاءِ - وَالنّخْبَارُ مِنْ وَرَاءِ ذِى الْمَرْوَةِ عَلَى السّاحِلِ - فَأَجَارَهُمَا، وَأَنْزَلَهُمَا، وَلَمْ يَزَالا مُقِيمَيْنِ عِنْدَهُ فِى خِبَاءٍ، حَتّى مَرّتْ الْعِيرُ فَرَفَعَ طَلْحَةُ وَسَعِيدٌ عَلَى نَشَزٍ مِنْ الأَرْضِ فَنَظَرَا إلَى الْقَوْمِ وَإِلَى مَا تَحْمِلُ الْعِيرُ وَجَعَلَ أَهْلُ الْعِيرِ يَقُولُونَ: يَا كَشَدُ هَلْ رَأَيْت أَحَدًا مِنْ عُيُونِ مُحَمّدٍ؟ فَيَقُولُ: أَعُوذُ بِاَللّهِ، وَأَنّى عُيُونُ مُحَمّدٍ بِالنّخْبَارِ؟ فَلَمّا رَاحَتْ الْعِيرُ بَاتَا حَتّى أَصْبَحَا ثُمّ خَرَجَا.
وَخَرَجَ مَعَهُمَا كَشَدٌ خَفِيرًا، حَتّى أَوْرَدَهُمَا ذَا الْمَرْوَةِ، وَسَاحَلَتْ الْعِيرُ فَأَسْرَعَتْ وَسَارُوا اللّيْلَ وَالنّهَارَ فَرَقًا مِنْ الطّلَبِ. فَقَدِمَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ وَسَعِيدٌ الْمَدِينَةَ الْيَوْمَ الّذِى لاقَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص بِبَدْرٍ، فَخَرَجَا يَعْتَرِضَانِ النّبِىّ ص فَلَقِيَاهُ بِتُرْبَانَ - وَتُرْبَانُ بَيْنَ مَلَلٍ وَالسّيَالَةِ عَلَى الْمَحَجّةِ، وَكَانَتْ مَنْزِلَ ابْنِ أُذَيْنَةَ الشّاعِرِ. وَقَدِمَ كَشَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ. فَأَخْبَرَ النّبِىّ ص سَعِيدٌ وَطَلْحَةُ إجَارَتَهُ إيّاهُمَا، فَحَيّاهُ رَسُولُ اللّهِ ص وَأَكْرَمَهُ وَقَالَ: “أَلا أَقْطَعُ لَك يَنْبُعَ”؟ فَقَالَ: إنّى كَبِيرٌ وَقَدْ نَفِدَ عُمْرِى، وَلَكِنْ أَقْطِعْهَا لابْنِ أَخِى، فَقَطَعَهَا لَهُ.
قَالُوا: وَنَدَبَ رَسُولُ اللّهِ ص الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ: “وَهَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فِيهَا أَمْوَالُهُمْ، لَعَلّ اللّهَ يُغْنِمكُمُوهَا”، فَأَسْرَعَ مَنْ أَسْرَعَ حَتّى إنْ كَانَ الرّجُلُ لَيُسَاهِمُ أَبَاهُ فِى الْخُرُوجِ فَكَانَ مِمّنْ سَاهَمَ سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ، وَأَبُوهُ فِى الْخُرُوجِ إلَى بَدْرٍ، فَقَالَ سَعْدٌ لأَبِيهِ: إنّهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ الْجَنّةِ آثَرْتُك بِهِ إنّى لأَرْجُو الشّهَادَةَ فِى وَجْهِى هَذَا فَقَالَ: خَيْثَمَةُ آثِرْنِى، وَقِرْ مَعَ نِسَائِك فَأَبَى سَعْدٌ، فَقَالَ خَيْثَمَةُ: إنّهُ لا بُدّ لأَحَدِنَا مِنْ أَنْ يُقِيمَ، فَاسْتَهَمَا، فَخَرَجَ سَهْمُ سَعْدٍ فَقُتِلَ بِبَدْرٍ.
وَأَبْطَأَ عَنْ النّبِىّ ص بَشَرٌ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ كَرِهُوا خُرُوجَهُ، وَكَانَ فِيهِ كَلامٌ كَثِيرٌ وَاخْتِلافٌ، وَكَانَ مَنْ تَخَلّفَ لَمْ يُلَمْ لأَنّهُمْ مَا خَرَجُوا عَلَى قِتَالٍ، وَإِنّمَا خَرَجُوا لِلْعِيرِ، وَتَخَلّفَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ نِيّاتِ وَبَصَائِرَ لَوْ ظَنّوا أَنّهُ يَكُونُ قِتَالٌ مَا تَخَلّفُوا، وَكَانَ مِمّنْ تَخَلّفَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ص قَالَ لَهُ أُسَيْدُ: الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِى سَرّك وَأَظْهَرَك عَلَى عَدُوّك وَاَلّذِى بَعَثَك بِالْحَقّ مَا تَخَلّفْت عَنْك رَغْبَةً بِنَفْسِى عَنْ نَفْسِك، وَلا ظَنَنْت أَنّك تُلاقِى عَدُوّا، وَلا ظَنَنْت إلاّ أَنّهَا الْعِيرُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ص: “صَدَقْت”، وَكَانَتْ أَوّلَ غَزْوَةٍ أَعَزّ اللّهُ فِيهَا الإِسْلامَ وَأَذَلّ فِيهَا أَهْلَ الشّرْكِ.
وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص بِمَنْ مَعَهُ، حَتّى انْتَهَى إلَى نَقْبِ بَنِى دِينَارٍ، ثُمّ نَزَلَ بِالْبُقْعِ وَهِىَ بُيُوتُ السّقْيَا - الْبُقْعُ نَقْبُ بَنِى دِينَارٍ بِالْمَدِينَةِ، وَالسّقْيَا مُتّصِلٌ بِبُيُوتِ الْمَدِينَةِ - يَوْمَ الأَحَدِ لاثْنَتَىْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ. فَضَرَبَ عَسْكَرَهُ هُنَاكَ وَعَرَضَ الْمُقَاتِلَةَ فَعَرَضَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ ظَهِيرٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فَرَدّهُمْ وَلَمْ يُجِزْهُمْ.
فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت أَخِى عُمَيْرَ بْنَ أَبِى وَقّاصٍ، قَبْلَ أَنْ يَعْرِضَنَا رَسُولُ اللّهِ ص يَتَوَارَى، فَقُلْت: مَا لَك يَا أَخِي؟ قَالَ: إنّى أَخَافُ أَنْ يَرَانِى رَسُولُ اللّهِ ص وَيَسْتَصْغِرَنِى فَيَرُدّنِى، وَأَنَا أُحِبّ الْخُرُوجَ لَعَلّ اللّهَ يَرْزُقُنِى الشّهَادَةَ، قَالَ: فَعُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ص فَاسْتَصْغَرَهُ، فَقَالَ: “ارْجِعْ”، فَبَكَى عُمَيْرٌ فَأَجَازَهُ رَسُولُ اللّهِ ص. قَالَ: فَكَانَ سَعْدٌ يَقُولُ: كُنْت أَعْقِدُ لَهُ حَمَائِلَ سَيْفِهِ مِنْ صِغَرِهِ فَقُتِلَ بِبَدْرٍ، وَهُوَ ابْنُ سِتّ عَشْرَةَ سَنَةً.
وفي موضع آخر:
قَالُوا: وَوَقَفَ رَسُولُ اللّهِ ص عَلَى مَصْرَعِ ابْنَىْ عَفْرَاءَ، فَقَالَ: “يَرْحَمُ اللّهُ ابْنَىْ عَفْرَاءَ، فَإِنّهُمَا قَدْ شَرِكَا فِى قَتْلِ فِرْعَوْنَ هَذِهِ الأُمّةِ، وَرَأْسِ أَئِمّةِ الْكُفْرِ”، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ وَمَنْ قَتَلَهُ مَعَهُمَا؟ قَالَ: “الْمَلائِكَةَ وَذَافّهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَكُلّ قَدْ شَرِكَ فِى قَتْلِهِ”.
ويقول ابن هشام في السيرة:
وَاسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُبيدة بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، قَتَلَهُ عُتبة بْنُ رَبِيعَةَ، قَطَعَ رِجْلَهُ، فَمَاتَ بِالصَّفْرَاءِ. رَجُلٌ.
وَمِنْ بَنِي زُهرة بْنِ كِلَابٍ: عُمير بْنُ أَبِي وَقَّاصِ بْنِ أهَيْب بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهرة، وَهُوَ أَخُو سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَذُو الشِّمالين بن عَبْدِ عَمْرِو بْنِ نَضْلة، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ خزاعة ثم من بني غُبْشان. رجلان.
وجاء في كتاب (أسد الغابة) لابن الأثير:
عمير بن أبي وقاص واسم أبي وقاص مالك بن أهيب أخو سعد بن أبي وقاص الزهري وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس قديم الإسلام مهاجري شهد بدرا مع النبي وقتل بها شهيدا واستصغره النبي لما أراد المسير إلى بدر فبكى فأجازه وكان سيفه طويلا فعقد عليه حمائل سيفه وكان عمره حين قتل ست عشرة سنة قتله عمرو بن عبد ود أنبأنا عبيد الله بن أحمد بإسناده عن يونس ابن بكير عن ابن إسحاق فيمن استشهد من المسلمين ببدر وعمير بن أبي وقاص ووافقه الزهري وموسى وعروة
إن المشكلة الأخلاقية الكبرى لأولئك المسلمين في تلك الأزمنة القديمة أنهم اعتبروا السرقة والنهب فضيلة ومنة من السماء، لا شك كان مثلهم في ذلك المسيحيون الغربيون والفرس الزردشتيون، ويقول الواقدي في سياق غزوة بدر:
فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقّاصٍ، قَالَ: خَرَجْنَا إلَى بَدْرٍ مَعَ رَسُولِ اللّهِ ص وَمَعَنَا سَبْعُونَ بَعِيرًا، فَكَانُوا يَتَعَاقَبُونَ الثّلاثَةُ وَالأَرْبَعَةُ وَالاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَكُنْت أَنَا مِنْ أَعْظَمِ أَصْحَابِ النّبِىّ عَلَيْهِ الصّلاةُ وَالسّلامُ عَنْهُ غِنَاءً أَرْجَلَهُمْ رُجْلَةً وَأَرْمَاهُمْ بِسَهْمٍ لَمْ أَرْكَبْ خُطْوَةً ذَاهِبًا وَلا رَاجِعًا.
وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص حِينَ فَصَلَ مِنْ بُيُوتِ السّقْيَا: “اللّهُمّ إنّهُمْ حُفَاةٌ فَاحْمِلْهُمْ وَعُرَاةٌ فَاكْسُهُمْ وَجِيَاعٌ فَأَشْبِعْهُمْ وَعَالَةٌ فَأَغْنِهِمْ مِنْ فَضْلِك” قَالَ: فَمَا رَجَعَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَ إلاّ وَجَدَ ظَهْرًا، لِلرّجُلِ الْبَعِيرُ وَالْبَعِيرَانِ وَاكْتَسَى مَنْ كَانَ عَارِيًا، وَأَصَابُوا طَعَامًا مِنْ أَزْوَادِهِمْ وَأَصَابُوا فِدَاءَ الأَسْرَى فَأَغْنَى بِهِ كُلّ عَائِلٍ.
إن هذا يذكرنا بقول سنقتبسه لاحقاً عن عائشة زوجة محمد: لم نشبع من التمر إلا بعد فتح خيبر (أرض سكنها اليهود).
ونلاحظ في هذه الغزوة أو المعركة تكرر خطيئة محمد بقبول مشاركة الأطفال المراهقين في الحرب، وهو ما يدل على نقص عدد الأتباع والمستعدين للمشاركة في حروبه، وأتصور أنه لم يزدد عدد المشاركين سوى بعدما حقق من انتصارات مما طمّع الكثيرين في الغنائم والسبايا والعبيد، لاحقاً سيتجنب محمد هذه الخطيئة والجريمة الكبرى، ويقول الواقدي:
حَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: عَبّأَنَا رَسُولُ اللّهِ ص بِلَيْلٍ فَصَفّنَا، فَأَصْبَحْنَا وَنَحْنُ عَلَى صُفُوفِنَا، فَإِذَا بِغُلامَيْنِ لَيْسَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ إلاّ وَقَدْ رُبِطَتْ حَمَائِلُ سَيْفِهِ فِى عُنُقِهِ فَالْتَفَتَ إلَىّ أَحَدُهُمَا فَقَالَ: يَا عَمّ أَيّهُمْ أَبُو جَهْلٍ؟ قَالَ: قُلْت: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ يَا ابْنَ أَخِى؟ قَالَ: بَلَغَنِى أَنّهُ يَسُبّ رَسُولَ اللّهِ فَحَلَفْت لَئِنْ رَأَيْته لأَقْتُلَنهُ، أَوْ لأَمُوتَن دُونَهُ، فَأَشَرْت لَهُ إلَيْهِ، وَالْتَفَتَ إلَىّ الآخَرُ، فَقَالَ لِى مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَشَرْت لَهُ إلَيْهِ، فَقُلْت: مَنْ أَنْتُمَا؟ قَالا: ابْنَا الْحَارِثِ، قَالَ: فَجَعَلا لا يَطْرِفَانِ عَنْ أَبِى جَهْلٍ حَتّى إذَا كَانَ الْقِتَالُ خَلَصَا إلَيْهِ فَقَتَلاهُ وَقَتَلَهُمَا.
حَدّثَنَا مُحَمّدٌ،قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَوْفٍ مِنْ وَلَدِ مُعَوّذِ بْنِ عَفْرَاءَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: لَمّا كَانَ يَوْمَئِذٍ قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ، وَنَظَرَ إلَيْهِمَا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ: لَيْتَهُ كَانَ إلَى جَنْبِى مَنْ هُوَ آيَدُ مِنْ هَذَيْنِ الْفَتَيَيْنِ. فَلَمْ أَنْشِبْ أَنْ الْتَفَتَ إلَىّ عَوْفٌ، فَقَالَ: أَيّهُمْ أَبُو جَهْلٍ؟ فَقُلْت: ذَاكَ حَيْثُ تَرَى، فَخَرَجَ يَعْدُو إلَيْهِ كَأَنّهُ سَبُعٌ وَلَحِقَهُ أَخُوهُ فَأَنَا أَنْظُرُ إلَيْهِمَا يَضْطَرِبَانِ بِالسّيُوفِ ثُمّ نَظَرْت إلَى رَسُولِ اللّهِ ص مَرّ بِهِمَا فِى الْقَتْلَى وَهُمَا إلَى جَنْبِهِ.
ويقول ابن هشام:
ثُمَّ مَرَّ بِأَبِي جَهْلٍ وَهُوَ عَقير: مُعَوّذ بْنُ عَفْرَاءَ، فَضَرَبه حَتَّى أَثْبَتَهُ، فَتَرَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ. وَقَاتَلَ مُعَوذ حَتَّى قُتل
وفي سرده لقتلى (أو شهداء بحسب تعبيره) بدر:
ومن بني غَنْم بن مالك بن النجار: عَوْف ومُعَوذ، ابْنَا الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادٍ، وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ. رَجُلَانِ. ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ.
وفي البخاري:
3988 - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ إِنِّي لَفِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ إِذْ الْتَفَتُّ فَإِذَا عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَتَيَانِ حَدِيثَا السِّنِّ فَكَأَنِّي لَمْ آمَنْ بِمَكَانِهِمَا إِذْ قَالَ لِي أَحَدُهُمَا سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ يَا عَمِّ أَرِنِي أَبَا جَهْلٍ فَقُلْتُ يَا ابْنَ أَخِي وَمَا تَصْنَعُ بِهِ قَالَ عَاهَدْتُ اللَّهَ إِنْ رَأَيْتُهُ أَنْ أَقْتُلَهُ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُ فَقَالَ لِي الْآخَرُ سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ مِثْلَهُ قَالَ فَمَا سَرَّنِي أَنِّي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مَكَانَهُمَا فَأَشَرْتُ لَهُمَا إِلَيْهِ فَشَدَّا عَلَيْهِ مِثْلَ الصَّقْرَيْنِ حَتَّى ضَرَبَاهُ وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ
3141 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَإِذَا أَنَا بِغُلَامَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ قُلْتُ نَعَمْ مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي قَالَ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ قُلْتُ أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ أَيُّكُمَا قَتَلَهُ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَا قَتَلْتُهُ فَقَالَ هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا قَالَا لَا فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ كِلَاكُمَا قَتَلَهُ سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَكَانَا مُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ قَالَ مُحَمَّدٌ سَمِعَ يُوسُفُ صَالِحًا وَإِبْرَاهِيمَ أَبَاهُ
وانظر صحيح مسلم 1752
وقد كان محمد تحالف مع جيرانه من الأعراب واسترضاهم، فتخلوا عن الأخلاق الإنسانية الحميدة بنجدة الغريب عن وطنه المتعرض للعدوان:
فَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِى عَوْنٍ مَوْلَى الْمِسْوَرِ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، قَالَ: لَمّا لَحِقْنَا بِالشّامِ أَدْرَكَنَا رَجُلٌ مِنْ جُذَامٍ، فَأَخْبَرَنَا أَنّ مُحَمّدًا كَانَ عَرَضَ لِعِيرِنَا فِى بَدْأَتِنَا، وَأَنّهُ تَرَكَهُ مُقِيمًا يَنْتَظِرُ رَجْعَتَنَا. قَدْ حَالَفَ عَلَيْنَا أَهْلَ الطّرِيقِ وَوَادَعَهُمْ. قَالَ مَخْرَمَةُ: فَخَرَجْنَا خَائِفِينَ نَخَافُ الرّصَدَ، فَبَعَثْنَا ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو حِينَ فَصَلْنَا مِنْ الشّامِ.
ولدينا خبر عن أن بعض أفراد المسلمين كان يمكنهم رغم كل تلك العداوة الإسلامية أن يزور الكعبة في مكة لأداء العمرة، رغم أن ذلك يعني تنازعاً على مكان مقدس وثنيّ بالأساس، يقول الواقدي:
قَالُوا: وَخَرَجَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا قَبْلَ بَدْرٍ فَنَزَلَ عَلَى أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، فَأَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: أَتَنْزِلُ هَذَا، وَقَدْ آوَى مُحَمّدًا وَآذَنّا بِالْحَرْبِ؟ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: قُلْ مَا شِئْت، أَمَا إنّ طَرِيقَ عِيرِكُمْ عَلَيْنَا.
قَالَ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ: مَهْ، لا تَقُلْ هَذَا لأَبِى الْحَكَمِ فَإِنّهُ سَيّدُ أَهْلِ الْوَادِى قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: وَأَنْتَ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أُمَيّةُ أَمَا وَاَللّهِ لَسَمِعْت مُحَمّدًا يَقُولُ: “لأَقْتُلَن أُمَيّةَ بْنَ خَلَف”، قَالَ أُمَيّةُ: أَنْتَ سَمِعْته؟ قَالَ: قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: فَوَقَعَ فِى نَفْسِهِ،
بل ويقول الواقدي، في باب (ذكر من أُسِر من المشركين) في بدر، ما يدل على استمرار هذا التسامح، واتساع الأفق، بأن كان يترك الوثنيون أتباع الدين الجديد يتمسحون بمعبدهم وثني الجذور والطبيعة الكعبة، ولم يوقف هذا التسامح سوى إصرار المسلمين على العنف وقطع الطريق، ووقوع معركة بدر:
وَعَمْرُو بْنُ أَبِى سُفْيَانَ صَارَ فِى سَهْمِ النّبِىّ ص بِالْقُرْعَةِ كَانَ أَسَرَهُ عَلِىّ، وَأَرْسَلَهُ النّبِىّ ص بِغَيْرِ فِدْيَةٍ لِسَعْدِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أَكّالٍ مِنْ بَنِى مُعَاوِيَةَ خَرَجَ مُعْتَمِرًا فَحُبِسَ بِمَكّةَ.
وهو ما يؤكد نظريتنا عن طيبة وتسامح أهل مكة الوثنيين نسبياً مقابل شر وعدوان المسلمين! ألم تكن الصورة التي تنقلها لنا كتب السيرة معكوسة تقريباً إذن؟! إنه كما قد قيل المنتصرون يكتبون التاريخ كيفما يشاؤون.
كان الوثنيون في ثقافتهم يستعملون المغنيات من الإماء المستعبدات ليغنين بالشعر في الفخر بقريش أو شتيمة وهجاء محمد والمسلمين أو التشجيع على الدفاع عن المال والأنفس:
وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ سِرَاعًا، وَخَرَجُوا بِالْقِيَانِ وَالدّفَافِ سَارّةِ مَوْلاةِ عَمْرِو بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَعَزّةَ مَوْلاةِ الأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَمَوْلاةِ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، يُغَنّينَ فِى كُلّ مَنْهَلٍ وَيَنْحَرُونَ الْجُزُرَ، وَخَرَجُوا بِالْجَيْشِ يَتَقَاذَفُونَ بِالْحِرَابِ وَخَرَجُوا بِتِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ مُقَاتِلاً، وَقَادُوا مِائَةَ فَرَسٍ
وقد وصى أبو سفيان برد القيان قبل نشوب معركة بدر:
فَلَمّا أَفْلَتَ أَبُو سُفْيَانَ بِالْعِيرِ وَرَأَى أَنْ قَدْ أَجْزَرَهَا، أَرْسَلَ إلَى قُرَيْشٍ قَيْسَ بْنَ امْرِئِ الْقَيْسِ - وَكَانَ مَعَ أَصْحَابِ الْعِيرِ خَرَجَ مَعَهُمْ مِنْ مَكَّة - فَأَرْسَلَهُ أَبُو سُفْيَانَ يَأْمُرُهُمْ بِالرّجُوعِ وَيَقُولُ: قَدْ نَجَتْ عِيرُكُمْ فَلا تُجْزِرُوا أَنْفُسَكُمْ أَهْلَ يَثْرِبَ، فَلا حَاجَةَ لَكُمْ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ إنّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَقَدْ نَجّاهَا اللّهُ، فَإِنْ أَبَوْا عَلَيْك، فَلا يَأْبَوْنَ خَصْلَةً وَاحِدَةً يَرُدّونَ الْقِيَانَ فَإِنّ الْحَرْبَ إذَا أَكَلَتْ نَكَلَتْ، فَعَالَجَ قُرَيْشًا وَأَبَتْ الرّجُوعَ، وَقَالُوا: أَمّا الْقِيَانُ فَسَنَرُدّهُنّ فَرَدّوهُنّ مِنْ الجحفة.
لاحقاً، سنقرأ في فتح محمد لمكة واجتياحها أنه أمر بقتل هذه النساء الإماء الثلاثة، لمجرد أنهن كن يقلن الشعر ويغنين، فهذه هي حدود تسامح محمد والإسلام، وحدود النخوة والمروءة عندهم بقتل النساء الضعيفات!
ويحدثنا الواقدي، وهو أفضل مرجع وأدقه وأغزره لأحداث حروب محمد، فنعلم كذلك أنه كعادته أرسل الجواسيس لتتبع أخبار العير (القافلة) وموعد وصولها:
وَكَانَ بَسْبَسُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَدِىّ بْنُ أَبِى الزّغْبَاءِ، وَرَدَا عَلَى مَجْدِى بَدْرًا يَتَحَسّسَانِ الْخَبَرَ، فَلَمّا نَزَلا مَاءَ بَدْرٍ أَنَاخَا رَاحِلَتَيْهِمَا إلَى قَرِيبٍ مِنْ الْمَاءِ، ثُمّ أَخَذَا أَسْقِيَتَهُمَا يَسْتَقِيَانِ مِنْ الْمَاءِ فَسَمِعَا جَارِيَتَيْنِ مِنْ جَوَارِى جُهَيْنَةَ يُقَالُ: لإِحْدَاهُمَا بَرْزَةُ، وَهِىَ تَلْزَمُ صَاحِبَتَهَا فِى دِرْهَمٍ كَانَ لَهَا عَلَيْهَا، وَصَاحِبَتُهَا تَقُولُ: إنّمَا الْعِيرُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ قَدْ نَزَلَتْ الروحاء، وَمَجْدِى بْنُ عَمْرٍو يَسْمَعُهَا، فَقَالَ: صَدَقَتْ فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ بَسْبَسُ وَعَدِىّ انْطَلَقَا رَاجِعِينَ إلَى النّبِىّ ص حَتّى لَقِيَاهُ بعرق الظّبْيَةِ فَأَخْبَرَاهُ الْخَبَرَ.
وهو نفس الأمر الذي يؤكده ابن هشام بروايته لابن إسحاق:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ بَسْبَس بْنُ عَمْرٍو، وَعَدِيُّ بْنُ أَبِي الزَّغْباء قَدْ مَضَيَا حَتَّى نَزَلَا بَدْرًا، فَأَنَاخَا إلَى تَلٍّ قَرِيبٍ مِنْ الماء، ثم أخذا شَنًّا لهما يسقيان فِيهِ، ومَجْدِيُّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيُّ عَلَى الْمَاءِ فَسَمِعَ عَدِيٌّ وَبَسْبَسُ جَارِيَتَيْنِ مِنْ جِوَارِي الْحَاضِرِ، وَهُمَا يَتلازمان عَلَى الْمَاءِ، وَالْمَلْزُومَةُ4 تَقُولُ لِصَاحِبَتِهَا: إنَّمَا تَأْتِي العيرُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غدٍ، فَأَعْمَلُ لَهُمْ، ثُمَّ أَقْضِيكَ الَّذِي لَكَ، قَالَ مَجْدِي: صدقتِ، ثُمَّ خلَّص بَيْنَهُمَا. وَسَمِعَ ذَلِكَ عَدي وبَسْبس، فَجَلَسَا عَلَى بَعِيرَيْهِمَا، ثُمَّ انْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فأخبراه بما سمعا.
نَزَلَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجْسج وَهِيَ بِئْرُ الرَّوْحاء ثُمَّ ارْتَحَلَ مِنْهَا، حَتَّى إذَا كَانَ بالمنْصَرَف، تَرَكَ طَرِيقَ مَكَّةَ بِيَسَارٍ، وَسَلَكَ ذَاتَ الْيَمِينِ عَلَى النَّازِيَةِ، يُرِيدُ بَدْرًا، فَسَلَكَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا، حَتَّى جَزَع وَادِيًا، يُقَالُ لَهُ رُحْقان، بَيْنَ النَّازِيَةِ وَبَيْنَ مَضِيق الصَّفْراء، ثُمَّ عَلَى الْمَضِيقِ، ثُمَّ انْصَبَّ مِنْهُ، حَتَّى إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الصَّفْرَاءِ، بعثَ بَسْبَس بْنَ الجُهَني حليفَ بَنِي سَاعِدَةَ، وعَدِي بْنَ أَبِي الزّغْباء الْجُهَنِيَّ، حَلِيفَ بَنِي النَّجَّارِ، إلَى بَدْرٍ يَتَحَسَّسَانِ لَهُ الْأَخْبَارَ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ
ويقول الواقدي:
وَأَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّة يَنْزِلُونَ كُلّ مَنْهَلٍ يُطْعِمُونَ الطّعَامَ مَنْ أَتَاهُمْ وَيَنْحَرُونَ الْجُزُرَ
فكم كانت أخلاقهم خيراً من أخلاق جفاة المسلمين، فالوثنيون يكرمون الناس ممن لا يعرفونهم ويطعمون المحتاج على أساس أخلاق قدامى العرب، حتى لو قيل أنه من باب التفاخر والتكبر والمن، أما المسلمون في ذلك الوقت فهم محض مجموعة تخرج للنهب والأذى.
ومن قراءة الواقدي نعلم أن تخاذل الوثنيين كان سبباً في هزيمتهم، فقد انسحب كل من بني زهرة وبني عدي، حتى أنه يذكر تحايل بني زهرة ليرجعوا بأن ادعوا أن سيدهم قد لُدِغ وأنهم لن يبرحوا مكانهم مع باقي المكيين حتى يعلموا أحي هو أم ميت ليدفنوه مكانه، وكانت حيلة لينسلوا من بينهم لا أكثر! أما بنو عدي فالتقوا بأبي سفيان بالطريق فلامهم كيف رجعتم لا في العير ولا في النفير، فاحتجوا بأنه من أوصى قريشاً بالرجوع!
إن من نقاط ضعف قريش كما نعلم من الواقدي أن نبيه بن حجاج الوثني أوصى بألا يقتلوا شبابهم المسلمين القرشيين اللاجئين ليثرب مسببي المشكلة وقاطعي الطريق بل يحاولون أسرهم فقط، وهو ما يؤكد مرة أخرى مدى طيبة هؤلاء الوثنيين، مقابل إخلاص رغبة المسلمين في قتل أقاربهم بلا قليل باعتبارهم (الكفار) وفق منهج التكفير الإسلامي المستمد من اليهودية والمسيحية:
يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اُنْظُرُوا غَدًا إنْ لَقِينَا مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ فَابْقَوْا فِى أَنْسَابِكُمْ هَؤُلاءِ وَعَلَيْكُمْ بِأَهْلِ يَثْرِبَ، فَإِنّا إنْ نَرْجِعُ بِهِمْ إلَى مَكَّة يُبْصِرُوا ضَلالَتَهُمْ وَمَا فَارَقُوا مِنْ دِينِ آبَائِهِمْ
حَدّثَنَا مُحَمّدٌ،قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى يُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ الظّفَرِىّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمّا قَالَ لَهُمْ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَرْسَلُوا أَبَا أُسَامَةَ الْجُشَمِىّ - وَكَانَ فَارِسًا - فَأَطَافَ بِالنّبِىّ ص وَأَصْحَابِهِ ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُ: مَا رَأَيْت؟ قَالَ: وَاَللّهِ مَا رَأَيْت جَلَدًا، وَلا عَدَدًا، وَلا حَلْقَةً وَلا كُرَاعًا، وَلَكِنّى وَاَللّهِ رَأَيْت قَوْمًا لا يُرِيدُونَ أَنْ يَئُوبُوا إلَى أَهْلِيهِمْ قَوْمًا مُسْتَمِيتِينَ لَيْسَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَلا مَلْجَأٌ إلاّ سُيُوفُهُمْ زُرْقُ الْعُيُونِ كَأَنّهُمْ الْحَصَى تَحْتَ الْحَجَفِ.
لقد كان السبب الرئيسي لهجوم وثنيي قريش على يثرب هو تكرر قطع طريق القوافل، وجاء في الواقدي:
حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِى الْحُوَيْرِثِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: لَمّا نَزَلَ الْقَوْمُ أَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ص عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ إلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَ: ارْجِعُوا، فَإِنّهُ يَلِى هَذَا الأَمْرَ مِنّى غَيْرُكُمْ أَحَبّ إلَىّ مِنْ أَنْ تَلُوهُ مِنّى، وَأَلِيَهُ مِنْ غَيْرِكُمْ أَحَبّ إلَىّ مِنْ أَنْ أَلِيَهُ مِنْكُمْ.
فَقَالَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ: قَدْ عَرَضَ نِصْفًا، فَاقْبَلُوهُ، وَاَللّهِ لا تُنْصَرُونَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا عَرَضَ مِنْ النّصْفِ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاَللّهِ لا نَرْجِعُ بَعْدَ أَنْ أَمْكَنَنَا اللّهُ مِنْهُمْ وَلا نَطْلُبُ أَثَرًا بَعْدَ عَيْنٍ وَلا يَعْتَرِضُ لِعِيرِنَا بَعْدَ هَذَا أَبَدًا.
لقد كان هناك خلاف على الزعامة وعلى الانسحاب من عدمه بين عتبة رئيس قريش وأبي الحكم (يسميه المسلمون أبا جهل)، وهذا شق صف قريش وقوتها، ونقرأ من الواقدي:
قَالَ حَكِيمٌ: فَجِئْت إلَى مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ، فَقُلْت لَهُ مِثْلَ مَا قُلْت لأَبِى جَهْلٍ، فَوَجَدْته خَيْرًا مِنْ أَبِى جَهْلٍ، قَالَ: نِعْمَ مَا مَشَيْت فِيهِ وَمَا دَعَا إلَيْهِ عُتْبَةُ فَرَجَعْت إلَى عُتْبَةَ فَوَجَدْته قَدْ غَضِبَ مِنْ كَلامِ قُرَيْشٍ، فَنَزَلَ عَنْ جَمَلِهِ وَقَدْ طَافَ عَلَيْهِمْ فِى عَسْكَرِهِمْ يَأْمُرُهُمْ بِالْكَفّ عَنْ الْقِتَالِ فَيَأْبَوْنَ، فَحَمِىَ فَنَزَلَ فَلَبِسَ دِرْعَهُ وَطَلَبُوا لَهُ بَيْضَةً تَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجِدْ فِى الْجَيْشِ بَيْضَةً تَسَعُ رَأْسَهُ مِنْ عِظَمِ هَامَتِهِ، فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ اعْتَجَرَ، ثُمّ بَرَزَ بَيْنَ أَخِيهِ شَيْبَةَ وَبَيْنَ ابْنِهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، فَبَيْنَا أَبُو جَهْلٍ فِى الصّفّ عَلَى فَرَسٍ أُنْثَى، حَاذَاهُ عُتْبَةُ وَسَلّ عُتْبَةُ سَيْفَهُ فَقِيلَ: هُوَ وَاَللّهِ يَقْتُلُهُ فَضَرَبَ بِالسّيْفِ عُرْقُوبَىْ فَرَسِ أَبِى جَهْلٍ فَاكْتَسَعَتْ الْفَرَسُ، فَقُلْت: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ، قَالُوا: قَالَ عُتْبَةُ: انْزِلْ فَإِنّ هَذَا الْيَوْمَ لَيْسَ بِيَوْمِ رُكُوبٍ لَيْسَ كُلّ قَوْمِك رَاكِبًا.
خاتمة القول إن قراءتنا للواقدي وابن هشام تدلنا على حسن تخطيط محمد وصحبه وقوة مرتكزهم، فقد أمنوا مياهاً للشرب وهم على أرضهم تقريباً، وقابلوا الوثنيين بالسهام ولم يلتحموا بهم وفق أمر محمد حتى اقترب الوثنيون منهم تماماً، فلا علاقة للأمر بملائكة كما يزعم قرآن محمد.
وكمثال على مخالفة هؤلاء المسلمين الأوائل لكل أخلاق الفروسية، أنه كان ثلاثة قد تحدوا ثلاثة للمبارزة قبل بدء الحرب، إلا أنه حدث التالي:
قَالُوا: وَكَانَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ حِينَ دَعَا إلَى الْبِرَازِ قَامَ إلَيْهِ ابْنُهُ أَبُو حُذَيْفَةَ يُبَارِزُهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ص: “اجْلِسْ”، فَلَمّا قَامَ إلَيْهِ النّفَرُ أَعَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ عَلَى أَبِيهِ بِضَرْبَةٍ.
وأبو حذيفة تدخل ولم يكن من الثلاثة، فهذه فكرة المسلمين الأصوليين عن الأخلاق والفروسية، غدر وخيانة. مثال بسيط وغيض من فيض.
وفي النهاية لا يملك محمد إزاء القتلى والضحايا سوى مواساة أهليهم بالأوهام:
يقول الواقدي:
وَقَالَ: بَيْنَا حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ كَارِعٌ فِى الْحَوْضِ إذْ أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَوَقَعَ فِى نَحْرِهِ فَلَقَدْ شَرِبَ الْقَوْمُ آخِرَ النّهَارِ مِنْ دَمِهِ، فَبَلَغَ أُمّهُ وَأُخْتَه وَهُمَا بِالْمَدِينَةِ مَقْتَلَهُ فَقَالَتْ أُمّهُ: وَاَللّهِ لا أَبْكِى عَلَيْهِ حَتّى يَقْدَمَ رَسُولُ اللّهِ ص فَأَسْأَلُهُ فَإِنْ كَانَ ابْنِى فِى الْجَنّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ابْنِى فِى النّارِ بَكَيْته لَعَمْرِ اللّهِ فَأَعْوَلْتُهُ، فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْ بَدْرٍ جَاءَتْ أُمّهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ عَرَفْت مَوْقِعَ حَارِثَةَ مِنْ قَلْبِى، فَأَرَدْت أَنْ أَبْكِىَ عَلَيْهِ، فَقُلْت: لا أَفْعَلُ حَتّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللّهِ؟ فَإِنْ كَانَ فِى الْجَنّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِى النّارِ بَكَيْته فَأَعْوَلْتُهُ، فَقَالَ النّبِىّ ص: “هَبِلْت، أَجَنّةٌ وَاحِدَةٌ؟ إنّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ، وَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إنّهُ لَفِى الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى”. قَالَتْ: فَلا أَبْكِى عَلَيْهِ أَبَدًا وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَغَمَسَ يَدَهُ فِيهِ وَمَضْمَضَ فَاهُ، ثُمّ نَاوَلَ أُمّ حَارِثَةَ فَشَرِبَتْ، ثُمّ نَاوَلَتْ ابْنَتَهَا فَشَرِبَتْ، ثُمّ أَمَرَهُمَا فَنَضَحَتَا فِى جُيُوبِهِمَا، فَفَعَلَتَا فَرَجَعَتَا مِنْ عِنْدِ النّبِىّ ص وَمَا بِالْمَدِينَةِ امْرَأَتَانِ أَقَرّ أَعْيُنًا مِنْهُمَا وَلا أَسَرّ.
وأخرجه البخاري (6567) عن قتيبة بن سعيد، والنسائي في "الكبرى" (2831) ، وابن حبان (7391) من طريق علي بن حُجْر، كلاهما عن إسماعيل ابن جعفر، بهذا الإسناد. وأخرجه ابن أبي شيبة 5/289، والبخاري (3982) و (6550) ، وأحمد بن حنبل برقمي 13787 و12252، وأبو يعلى (3730) ، والطبراني في "الكبير" (3236) ، والحاكم 3/208
ولم تكن لمحمد الكثير من الشجاعة رغم ما تزعمه الأحاديث عن شجاعته، بل لم يحارب وكان في المؤخرة تحت حماية جند كثيف:
يقول الواقدي:
قَالُوا: فَلَمّا تَصَافّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ كَذَا وَكَذَا، وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا”. فَلَمّا انْهَزَمُوا كَانَ النّاسُ ثَلاثَ فِرَقٍ فِرْقَةٌ قَامَتْ عِنْدَ خَيْمَةِ النّبِىّ ص - وَأَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ مَعَهُ فِى الْخَيْمَةِ - وَفِرْقَةٌ أَغَارَتْ عَلَى النّهْبِ وَفِرْقَةٌ طَلَبَتْ الْعَدُوّ فَأَسَرُوا وَغَنِمُوا.
فَتَكَلّمَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَكَانَ مِمّنْ أَقَامَ عَلَى خَيْمَةِ النّبِىّ ص، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا مَنَعَنَا أَنْ نَطْلُبَ الْعَدُوّ زَهَادَةٌ فِى الأَجْرِ وَلا جُبْنٌ عَنْ الْعَدُوّ. وَلَكِنّا خِفْنَا أَنْ يُعْرَى مَوْضِعُك فَتَمِيلُ عَلَيْك خَيْلٌ مِنْ خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَرِجَالٌ مِنْ رِجَالِهِمْ وَقَدْ أَقَامَ عِنْدَ خَيْمَتِك وُجُوهُ النّاسِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَلَمْ يَشِذّ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَالنّاسُ يَا رَسُولَ اللّهِ كَثِيرٌ، وَمَتَى تُعْطِ هَؤُلاءِ لا يَبْقَ لأَصْحَابِك شَيْءٌ وَالأَسْرَى وَالْقَتْلَى كَثِيرٌ وَالْغَنِيمَةُ قَلِيلَةٌ. فَاخْتَلَفُوا، فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ} فَرَجَعَ النّاسُ وَلَيْسَ لَهُمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ. ثُمّ أَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرّسُولِ} فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللّهِ ص بَيْنَهُمْ.
ويقول ابن هشام:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ حُدث: أَنَّ سَعْدَ بْنَ معاذ قال: يا نبي الله، ألا نبتني لَكَ عَرِيشًا تَكُونُ فِيهِ، ونُعد عِنْدَكَ رَكَائِبَكَ، ثُمَّ نَلْقَى عَدُوَّنَا فَإِنْ أَعَزَّنَا اللَّهُ وَأَظْهَرَنَا عَلَى عَدُوِّنَا، كَانَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَا، وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى، جَلَسْتَ عَلَى رَكَائِبِكَ، فَلَحِقْتَ بِمَنْ وَرَاءَنَا، فَقَدْ تَخَلَّفَ عَنْكَ أَقْوَامٌ، يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا نَحْنُ بِأَشَدَّ لَكَ حُبًّا مِنْهُمْ، وَلَوْ ظَنُّوا أَنَّكَ تَلْقَى حَرْبًا مَا تَخَلَّفُوا عَنْكَ، يَمْنَعُكَ اللَّهُ بِهِمْ، يُنَاصِحُونَكَ وَيُجَاهِدُونَ مَعَكَ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا وَدَعَا لَهُ بِخَيْرِ، ثُمَّ بُنِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عريشٌ، فكان فيه ارتحال قريش ودعاء الرسول عليهم
.... قالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ عدَّل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّفُوفَ وَرَجَعَ إلَى الْعَرِيشِ فَدَخَلَهُ، وَمَعَهُ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، لَيْسَ مَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاشِدُ ربَّه مَا وَعَدَهُ مِنْ النَّصْرِ، وَيَقُولُ فِيمَا يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إنْ تَهْلك هَذِهِ الْعِصَابَةُ الْيَوْمَ لَا تُعْبد"، وَأَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بعضَ مُناشدتك رَبَّكَ، فَإِنَّ اللَّهَ مُنْجِز لَكَ مَا وَعَدَكَ......
بل ويقول الواقدي بعد ذكره زعماً مروياً أن سعد بن عبادة وهب سيفاً يوم بدر لمحمد، خبراً معاكساً يشير لتجنب محمد المشاركة في الحرب التي تسبب فيها:
فَسَمِعْت ابْنَ أَبِى سَبْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْت صَالِحَ بْنَ كَيْسَانَ يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص يَوْمَ بَدْرٍ وَمَا مَعَهُ سَيْفٌ، وَكَانَ أَوّلُ سَيْفٍ تَقَلّدَهُ سَيْفَ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ، غَنِمَهُ يَوْمَ بَدْرٍ.
ونرى في بدر تأسيس وتكريس لأخلاق النهب والسلب، وكان لمحمد على عادة أمراء أهل ذلك الزمن من همج شبه جزيرة العرب جزء من الغنيمة غير نصيبه يصطفيه مما يشاء، ويسمونه الصفيّ، يقول الواقدي:
وَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ خُيُولِهِمْ عَشَرَةَ أَفْرَاسٍ وَأَصَابُوا لَهُمْ سِلاحًا وَظَهْرًا. وَكَانَ جَمَلُ أَبِى جَهْلٍ يَوْمَئِذٍ فِيهَا، فَغَنِمَهُ النّبِىّ ص فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ يَضْرِبُ عَلَيْهِ فِى إبِلِهِ وَيَغْزُو عَلَيْهِ حَتّى سَاقَهُ فِى هَدْىِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَسَأَلَهُ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَئِذٍ الْجَمَلَ بِمِائَةِ بَعِيرٍ، فَقَالَ: “لَوْلا أَنَا سَمّيْنَاهُ فِى الْهَدْىِ لَفَعَلْنَا”. وَكَانَ لِرَسُولِ اللّهِ ص صَفِىّ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ مِنْهَا شَيْءٌ.
ويقول ابن هشام في سياق صلح الحديبية وأداء محمد للعمرة الإسلامية بناء على الصلح في معبد الوثنيين الكعبة:
وقال عبد الله بن أبي نجيح: حدثني مجاهد، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدي عام الحديبية في هداياه جَملاً لأبى جهل، في رأسه بُرَةٌ من فضة، يَغِيظُ بذلك المشركين.
ومن يقرأ مغازي الواقدي يجد الاختلاف الكثير بين أفراد المسلمين وتنازعهم على الغنائم والأسرى، فمن ذلك مثلاً:
فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَمَيْت يَوْمَ بَدْرٍ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو فَقَطَعْت نَسَاهُ فَأَتْبَعْت أَثَرَ الدّمِ حَتّى وَجَدْته قَدْ أَخَذَهُ مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ، وَهُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ. فَقُلْت: أَسِيرِى، رَمَيْته فَقَالَ مَالِكٌ: أَسِيرِى، أَخَذْته فَأَتَيَا رَسُولَ اللّهِ ص فَأَخَذَهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا. فَأَفْلَتْ سُهَيْلٌ بِالرّوْحَاءِ مِنْ مَالِكِ بْن الدّخْشُمِ. فَصَاحَ فِى النّاسِ فَخَرَجَ فِى طَلَبِهِ فَقَالَ النّبِىّ ص: “مَنْ وَجَدَهُ فَلْيَقْتُلْهُ فَوَجَدَهُ النّبِىّ ص فَلَمْ يَقْتُلْهُ”.
أما تعامل المسلمين مع الأسرى، فلا داعي لمزاعمهم المضحكة أنهم التزموا بمواثيق حقوق الإنسان قبل وضعها، وكانوا يحرمون قتل الأسرى، فإن ابن هشام نفسه ذكر كثيرين ممن قتل محمد والمسلمون في غزوة بدر، انتقاماً من اضطهادهم للمسلمين بمكة قبل الهجرة:
....وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيط بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، قَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الأقْلح، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، صَبْرًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
......ومن بني عبد الدار بن قُصَي: النضرُ بن الحارث بن كَلَدة بن عَلْقمة بن عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ صَبْرًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّفْرَاءِ، فِيمَا يَذْكُرُونَ.
ويقول الواقدي:
وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ ص بِالأَسْرَى، حَتّى إذَا كَانَ بِعِرْقِ الظّبْيَةِ أَمَرَ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتِ ابْنِ أَبِى الأَقْلَحِ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِى مُعَيْطٍ، وَكَانَ أَسَرَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ الْعَجْلانِىّ، فَجَعَلَ عُقْبَةُ يَقُولُ: يَا وَيْلِى، عَلامَ أُقْتَلُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ مِنْ بَيْنِ مَنْ هَاهُنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لِعَدَاوَتِك لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ”، قَالَ: يَا مُحَمّدُ، مَنّك أَفْضَلُ فَاجْعَلْنِى كَرَجُلٍ مِنْ قَوْمِى، إنْ قَتَلْتهمْ قَتَلْتنِى، وَإِنْ مَنَنْت عَلَيْهِمْ مَنَنْت عَلَىّ، وَإِنْ أَخَذْت مِنْهُمْ الْفِدَاءَ كُنْت كَأَحَدِهِمْ يَا مُحَمّدُ، مَنْ لِلصّبْيَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “النّارُ”، قَدّمْهُ يَا عَاصِمُ، فَاضْرِبْ عُنُقَهُ فَقَدّمَهُ عَاصِمٌ فَضَرَبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “بِئْسَ الرّجُلُ كُنْت وَاَللّهِ مَا عَلِمْت، كَافِرًا بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِكِتَابِهِ مُؤْذِيًا لِنَبِيّهِ فَأَحْمَدُ اللّهَ الّذِى هُوَ قَتَلَك وَأَقَرّ عَيْنِى مِنْك”.
وإن قائمة القتلى عند ابن هشام لا تفرق بين من قُتل في المعركة من الوثنيين ومن قتل بعدما استسلم واستأسَر.
ويقول الواقدي:
فَحَدّثَنِى عِيسَى بْنُ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَصَابَ أَبُو بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ أَسِيرًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهُ: مَعْبَدُ بْنُ وَهْبٍ، مِنْ بَنِى سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ، فَلَقِيَهُ عُمَرُ ابْنُ الْخَطّابِ، وَكَانَ عُمَرُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ يَحُضّ عَلَى قَتْلِ الأَسْرَى، لا يَرَى أَحَدًا فِى يَدَيْهِ أَسِيرًا إلاّ أَمَرَ بِقَتْلِهِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرّقَ النّاسُ. فَلَقِيَهُ مَعْبَدٌ وَهُوَ أَسِيرٌ مَعَ أَبِى بُرْدَةَ فَقَالَ: أَتَرَوْنَ يَا عُمَرُ أَنّكُمْ قَدْ غَلَبْتُمْ؟ كَلاّ وَاللاّتِ وَالْعُزّى فَقَالَ عُمَرُ: عِبَادَ اللّهِ الْمُسْلِمِينَ أَتَكَلّمُ وَأَنْتَ أَسِيرٌ فِى أَيْدِينَا؟ ثُمّ أَخَذَهُ مِنْ أَبِى بُرْدَةَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ. وَيُقَالُ: إنّ أَبَا بُرْدَةَ قَتَلَهُ.
ويقول ابن هشام في قائمة الأسرى:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ومَعْبد بْنُ وَهْبٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي كَلْب بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْث، قَتَلَ مَعْبَدًا خَالِدٌ وَإِيَاسُ ابْنَا البُكَير، وَيُقَالُ: أَبُو دُجانة، فيما قال ابن هشام.
لقد كان محمد ينتوي قتل الأسرى كلهم بعد بدر وعمل مذبحة كبيرة، حتى أن القرآن لا تزال به تلك الآية القائلة:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)} من سورة الأنفال، ويقول الواقدي:
فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لا تُخْبِرُوا سَعْدًا بِقَتْلِ أَخِيهِ فَيَقْتُلَ كُلّ أَسِيرٍ فِى أَيْدِيكُمْ”.
فَحَدّثَنِى خَالِدُ بْنُ الْهَيْثَمِ مَوْلَى بَنِى هَاشِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لا يَتَعَاطَى أَحَدُكُمْ أَسِيرَ أَخِيهِ فَيَقْتُلَهُ”. وَلَمّا أُتِىَ بِالأَسْرَى كَرِهَ ذَلِكَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “يَا أَبَا عَمْرٍو، كَأَنّهُ شَقّ عَلَيْك الأَسْرَى أَنْ يُؤْسَرُوا”. قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ كَانَتْ أَوّلَ وَقْعَةٍ الْتَقَيْنَا فِيهَا وَالْمُشْرِكُونَ فَأَحْبَبْت أَنْ يُذِلّهُمْ اللّهُ وَأَنْ يُثْخَنَ فِيهِمْ الْقَتْلُ.
وَكَانَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ يُحَدّثُ يَقُولُ: أَتَى جِبْرِيلُ إلَى النّبِىّ ص يَوْمَ بَدْرٍ فَخَيّرَهُ فِى الأَسْرَى أَنْ يَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ، وَيُسْتَشْهَدَ مِنْكُمْ فِى قَابِلٍ عِدّتُهُمْ، فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: “هَذَا جِبْرِيلُ يُخَيّرُكُمْ فِى الأَسْرَى بَيْنَ أَنْ نَضْرِبَ رِقَابَهُمْ أَوْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ الْفِدْيَةَ وَيُسْتَشْهَدَ مِنْكُمْ فِى قَابِلٍ عِدّتُهُمْ”. قَالُوا: بَلْ نَأْخُذُ الْفِدْيَةَ وَنَسْتَعِينُ بِهَا، وَيُسْتَشْهَدُ مِنّا فَنَدْخُلُ الْجَنّةَ، فَقَبِلَ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ فِى قَابِلٍ عِدّتُهُمْ بِأُحُدٍ.
قَالُوا: وَلَمّا حُبِسَ الأَسْرَى بِبَدْرٍ - اُسْتُعْمِلَ عَلَيْهِمْ شُقْرَانُ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ اقْتَرَعُوا عَلَيْهِمْ - طَمِعُوا فِى الْحَيَا فَقَالُوا: لَوْ بَعَثْنَا إلَى أَبِى بَكْرٍ فَإِنّهُ أَوْصَلُ قُرَيْشٍ لأَرْحَامِنَا، وَلا نَعْلَمُ أَحَدًا آثَرُ عِنْدَ مُحَمّدٍ مِنْهُ فَبَعَثُوا إلَى أَبِى بَكْرٍ فَأَتَاهُمْ فَقَالُوا: يَا أَبَا بَكْرٍ، إنّ فِينَا الآبَاءَ وَالأَبْنَاءَ وَالإِخْوَانَ وَالْعُمُومَةَ وَبَنِى الْعَمّ وَأَبْعَدُنَا قَرِيبٌ. كَلّمْ صَاحِبَك فَلْيَمُنّ عَلَيْنَا أَنْ يُفَادِنَا. فَقَالَ: نَعَمْ إنْ شَاءَ اللّهُ لا آلُوكُمْ خَيْرًا، ثُمّ انْصَرَفَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص.
قَالُوا: وَابْعَثُوا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، فَإِنّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ فَلا نَأْمَنُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْكُمْ لَعَلّهُ يَكُفّ عَنْكُمْ، فَأَرْسَلُوا إلَيْهِ فَجَاءَهُمْ فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالُوا لأَبِى بَكْرٍ، فَقَالَ: لَنْ آلُوكُمْ شَرّا، ثُمّ انْصَرَفَ إلَى النّبِىّ ص فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ وَالنّاسَ حَوْلَهُ وَأَبُو بَكْرٍ يُلَيّنُهُ وَيَفْثَؤُهُ وَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمّى قَوْمُك فِيهِمْ الآبَاءُ وَالأَبْنَاءُ وَالْعُمُومَةُ وَالإِخْوَانُ وَبَنُو الْعَمّ وَأَبْعَدُهُمْ مِنْك قَرِيبٌ فَامْنُنْ عَلَيْهِمْ مَنّ اللّهُ عَلَيْك، أَوْ فَادِهِمْ يَسْتَنْقِذْهُمْ اللّهُ بِك مِنْ النّارِ فَتَأْخُذَ مِنْهُمْ مَا أَخَذْت قُوّةً لِلْمُسْلِمِينَ فَلَعَلّ اللّهَ يُقْبِلُ بِقُلُوبِهِمْ إلَيْك، ثُمّ قَامَ فَتَنَحّى نَاحِيَةً وَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ ص فَلَمْ يُجِبْهُ.
ثُمّ جَاءَ عُمَرُ فَجَلَسَ مَجْلِسَ أَبِى بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ هُمْ أَعْدَاءُ اللّهِ كَذّبُوك وَقَاتَلُوك وَأَخْرَجُوك اضْرِبْ رِقَابَهُمْ هُمْ رُءُوسُ الْكُفْرِ وَأَئِمّةُ الضّلالَةِ يُوَطّئُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ بِهِمْ الإِسْلامَ، وَيُذِلّ بِهِمْ أَهْلَ الشّرْكِ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ ص فَلَمْ يُجِبْهُ، وَعَادَ أَبُو بَكْرٍ إلَى مَقْعَدِهِ الأَوّلِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمّى قَوْمُك فِيهِمْ الآبَاءُ وَالأَبْنَاءُ وَالْعُمُومَةُ وَالإِخْوَانُ وَبَنُو الْعَمّ وَأَبْعَدُهُمْ مِنْك قَرِيبٌ فَامْنُنْ عَلَيْهِمْ أَوْ فَادِهِمْ هُمْ عِتْرَتُك وَقَوْمُك، لا تَكُنْ أَوّلَ مَنْ يَسْتَأْصِلُهُمْ يَهْدِيهِمْ اللّهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُهْلِكَهُمْ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ ص فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ شَيْئًا.
وَتَنَحّى نَاحِيَةً فَقَامَ عُمَرُ فَجَلَسَ مَجْلِسَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا تَنْتَظِرُ بِهِمْ؟ اضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ يُوَطّئُ اللّهُ بِهِمْ الإِسْلامَ وَيُذِلّ أَهْلَ الشّرْكِ هُمْ أَعْدَاءُ اللّهِ كَذّبُوك وَقَاتَلُوك وَأَخْرَجُوك يَا رَسُولَ اللّهِ اشْفِ صُدُورَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ قَدَرُوا عَلَى مِثْلِ هَذَا مِنّا مَا أَقَالُونَاهَا أَبَدًا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ ص فَلَمْ يُجِبْهُ، فَقَامَ نَاحِيَةً فَجَلَسَ وَعَادَ أَبُو بَكْرٍ فَكَلّمَهُ مِثْلَ كَلامِهِ الّذِى كَلّمَهُ بِهِ، فَلَمْ يُجِبْهُ فَتَنَحّى نَاحِيَةً، ثُمّ قَامَ عُمَرُ فَكَلّمَهُ كَلامَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ.
ثُمّ قَامَ رَسُولُ اللّهِ ص فَدَخَلَ قُبّتَهُ فَمَكَثَ فِيهَا سَاعَةً، ثُمّ خَرَجَ وَالنّاسُ يَخُوضُونَ فِى شَأْنِهِمْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ: الْقَوْلُ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَآخَرُونَ يَقُولُونَ: الْقَوْلُ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص قَالَ: “مَا تَقُولُونَ فِى صَاحِبَيْكُمْ هَذَيْنِ؟ دَعُوهُمَا فَإِنّ لَهُمَا مَثَلاً؛ مَثَلُ أَبِى بَكْرٍ كَمَثَلِ مِيكَائِيلَ يَنْزِلُ بِرِضَاءِ اللّهِ وَعَفْوِهِ، عَنْ عِبَادِهِ، وَمَثَلُهُ فِى الأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ إبْرَاهِيمَ كَانَ أَلْيَنَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْعَسَلِ أَوْقَدَ لَهُ قَوْمُهُ النّارَ وَطَرَحُوهُ فِيهَا، فَمَا زَادَ عَلَى أَنْ قَالَ: {أُفّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ}، وَقَالَ: فَمَنْ تَبِعَنِى فَإِنّهُ مِنّى وَمَنْ عَصَانِى فَإِنّك غَفُورٌ رَحِيمٌ وَمَثَلُهُ مَثَلُ عِيسَى، إذْ يَقُولُ: {إِنْ تُعَذّبْهُمْ فَإِنّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، وَمَثَلُ عُمَرَ فِى الْمَلائِكَةِ كَمَثَلِ جِبْرِيلَ يَنْزِلُ بِالسّخْطَةِ مِنْ اللّهِ وَالنّقْمَةِ عَلَى أَعْدَاءِ اللّهِ، وَمَثَلُهُ فِى الأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ نُوحٍ كَانَ أَشَدّ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ إذْ يَقُولُ: رَبّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيّارًا فَدَعَا عَلَيْهِمْ دَعْوَةً أَغْرَقَ اللّهُ الأَرْضَ جَمِيعَهَا، وَمَثَلِ مُوسَى إذْ يَقُولُ: رَبّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ وَإِنّ بِكُمْ عَيْلَةً فَلا يَفُوتَنّكُمْ رَجُلٌ مِنْ هَؤُلاءِ إلاّ بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْبَةِ عُنُقٍ”.
فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ إلاّ سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ - قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: هَذَا وَهْمٌ سُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ، مَا شَهِدَ بَدْرًا، إنّمَا هُوَ أَخٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ: سَهْلٌ - فَإِنّى رَأَيْته يُظْهِرُ الإِسْلامَ بِمَكّةَ، فَسَكَتَ النّبِىّ ص فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ، قَالَ عَبْدُ اللّهِ: فَمَا مَرّتْ عَلَىّ سَاعَةٌ قَطّ كَانَتْ أَشَدّ عَلَىّ مِنْ تِلْكَ السّاعَةِ فَجَعَلْت أَنْظُرُ إلَى السّمَاءِ أَتَخَوّفُ أَنْ تَسْقُطَ عَلَىّ الْحِجَارَةُ لِتَقَدّمِى بَيْنَ يَدَىْ اللّهِ وَرَسُولِهِ بِالْكَلامِ. فَرَفَعَ رَسُولُ اللّهِ ص رَأْسَهُ، فَقَالَ: “إلاّ سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ”، قَالَ: فَمَا مَرّتْ عَلَىّ سَاعَةٌ أَقَرّ لَعَيْنَىّ مِنْهَا، إذْ قَالَهَا رَسُولُ اللّهِ ص. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ لَيُشَدّدُ الْقَلْبَ فِيهِ حَتّى يَكُونَ أَشَدّ مِنْ الْحِجَارَةِ، وَإِنّهُ لَيُلَيّنُ الْقَلْبَ فِيهِ حَتّى يَكُونَ أَلْيَنَ مِنْ الزّبْدِ”.
وَقَبِلَ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْهُمْ الْفِدَاءَ، وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لَوْ نَزَلَ عَذَابٌ يَوْمَ بَدْرٍ مَا نَجَا مِنْهُ إلاّ عُمَرُ”، كَانَ يَقُولُ: “اُقْتُلْ وَلا تَأْخُذْ الْفِدَاءَ”. وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَقُولُ: اُقْتُلْ وَلا تَأْخُذْ الْفِدَاءَ.
ويقول ابن هشام عن ابن إسحاق في السيرة:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ عَاتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُسَارَى، وَأَخْذِ الْمَغَانِمِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ قَبْلَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَأْكُلُ مَغْنَمًا مِنْ عَدُوٍّ لَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نصرت بِالرُّعْبِ، وجُعلت لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُعْطِيتُ جوامعَ الكلم، وأحلت لي الغنائمُ وَلَمْ تُحْلَل لِنَبِيٍّ كَانَ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، خَمْسٌ لَمْ يُؤْتَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي".
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ} : أَيْ قَبْلَكَ {أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} مِنْ عَدُوِّهِ {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} ، أَيْ يُثْخِنَ عَدُوَّهُ، حَتَّى يَنْفِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} : أَيْ الْمَتَاعَ، الْفِدَاءَ بِأَخْذِ الرِّجَالِ {وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} : أَيْ قَتْلَهُمْ لِظُهُورِ الدِّينِ الَّذِي يُرِيدُ إظْهَارَهُ، وَاَلَّذِي تُدْرَكُ بِهِ الْآخِرَةُ {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} : أي من الأسارَى والمغانم، {عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 67، 68] : أَيْ لَوْلَا أَنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنِّي لَا أعذِّب إلَّا بَعْدَ النَّهْيِ، وَلَمْ يَكُ نَهَاهُمْ، لَعَذَّبْتُكُمْ فِيمَا صَنَعْتُمْ، ثُمَّ أحلَّها لَهُ وَلَهُمْ رحمة منه، وعائدة من الرحمن الرحيم، {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال: 69] ثُمَّ قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال: 70]
ويورد الواقدي من تفسير الآيات في كتابه:
{مَا كَانَ لِنَبِىّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتّى يُثْخِنَ فِى الأَرْضِ} يَعْنِى أَخْذَ الْمُسْلِمِينَ الأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا} يَقُولُ: الْفِدَاءَ {وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ} يُرِيدُ أَنْ يُقْتَلُوا.
{لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} قَالَ: سَبَقَ إحْلالُ الْغَنِيمَةِ {فَكُلُوامِمّاغَنِمْتُمْ حَلالاً طَيّبًا} قَالَ: إحْلالُ الْغَنَائِمِ
ومن نماذج تعامل محمد وصحبه مع الأسرى، نقرأ في الواقدي:
وَكَانَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو لَمّا كَانَ بِشَنُوكَةَ - شَنُوكَةُ فِيمَا بَيْنَ السّقْيَا وَمَلَل - كَانَ مَعَ مَالِكِ بْنِ الدّخْشُمِ الّذِى أَسَرَهُ، فَقَالَ: خَلّ سَبِيلِى لِلْغَائِطِ. فَقَامَ بِهِ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: إنّى أَحْتَشِمُ فَاسْتَأْخِرْ عَنّى فَاسْتَأْخَرَ عَنْهُ، وَمَضَى سُهَيْلٌ عَلَى وَجْهِهِ انْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ الْقِرَانِ وَمَضَى، فَلَمّا أَبْطَأَ سُهَيْلٌ عَلَى مَالِكٍ أَقْبَلَ فَصَاحَ فِى النّاسِ فَخَرَجُوا فِى طَلَبِهِ، وَخَرَجَ النّبِىّ ص فِى طَلَبِهِ، فَقَالَ: “مَنْ وَجَدَهُ فَلْيَقْتُلْهُ”، فَوَجَدَهُ رَسُولُ اللّهِ ص قَدْ دَفَنَ نَفْسَهُ بَيْن سَمُرَاتٍ فَأَمَرَ بِهِ فَرُبِطَتْ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ، ثُمّ قَرَنَهُ إلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمْ يَرْكَبْ خُطْوَةً حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَلَقِىَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ.
فَحَدّثَنِى إسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: لَقِىَ رَسُولُ اللّهِ ص أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَرَسُولُ اللّهِ عَلَى رَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللّهِ ص بَيْنَ يَدَيْهِ وَسُهَيْلٌ مَجْنُوبٌ، وَيَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ فَلَمّا نَظَرَ أُسَامَةُ إلَى سُهَيْلٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَبُو يَزِيدَ، قَالَ: “نَعَمْ هَذَا الّذِى كَانَ يُطْعِمُ بِمَكّةَ الْخُبْزَ”.
وَحَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ص الْمَدِينَةَ، وَقَدِمَ بِالأَسْرَى حِينَ قَدِمَ بِهِمْ وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ عِنْدَ آلِ عَفْرَاءَ فِى مَنَاحِتِهِمْ عَلَى عَوْفٍ وَمُعَوّذٍ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ، قَالَتْ سَوْدَةُ: فَأَتَيْنَا، فَقِيلَ لَنَا: هَؤُلاءِ الأَسْرَى قَدْ أُتِىَ بِهِمْ.
فَخَرَجْت إلَى بَيْتِى وَرَسُولُ اللّهِ ص فِيهِ وَإِذَا أَبُو يَزِيدَ مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ فِى نَاحِيَةِ الْبَيْتِ فَوَاَللّهِ إنْ مَلَكْت حِينَ رَأَيْته مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ أَنْ قُلْت: أَبَا يَزِيدَ أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ أَلا مُتّمْ كِرَامًا؟ فَوَاَللّهِ مَا رَاغَنِى إلاّ قَوْلُ رَسُولِ اللّهِ ص مِنْ الْبَيْتِ: “يَا سَوْدَةُ أَعَلَى اللّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ”؟ فَقُلْت: يَا نَبِىّ اللّهِ وَاَلّذِى بَعَثَك بِالْحَقّ نَبِيّا مَا مَلَكْت نَفْسِى حِينَ رَأَيْت أَبَا يَزِيدَ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ، أَنْ قُلْت مَا قُلْت.
وبعض القصة عند ابن هشام:
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدُ الله بن أبي بكر أن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، قال: قدم بالأسارى حين قُدم بهم، وسَوْدة بنت زَمْعة زوج النبى صلى الله عليه وسلم عند آل عفراء، فى مناحتهم على عَوْف ومعوذ ابنى عفراء، وذلك قبل أن يُضرب عليهن الحجاب .
قَالَ: تَقُولُ سَوْدة: وَاَللَّهِ إنِّي لَعِنْدَهُمْ إذْ أُتِينَا، فَقِيلَ: هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى، قَدْ أُتِيَ بِهِمْ. قَالَتْ: فرجعتُ إلَى بَيْتِي، ورسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ، وَإِذَا أَبُو يَزِيدَ سُهيل بْنُ عَمْرٍو فِي نَاحِيَةِ الْحُجْرَةِ، مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنقه بِحَبْلٍ قَالَتْ: فَلَا وَاَللَّهِ مَا مَلَكْتُ نَفْسِي حِينَ رَأَيْتُ أَبَا يَزِيدَ كَذَلِكَ أَنْ قُلْتُ: أَيْ أَبَا يَزِيدَ: أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ، أَلَا مُتم كِرَامًا، فَوَاَللَّهِ مَا أَنْبَهَنِي إلَّا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْبَيْتِ: "يَا سَوْدة، أَعَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ تُحرّضين؟! " قَالَتْ: قلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا مَلَكْتُ نَفْسِي حِينَ رَأَيْتُ أَبَا يَزِيدَ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ أن قلتُ ما قلتُ.
ونعلم أنه بعد بدر أسلم واحد من الوثنيين بعد زيارته لمحمد، يقول عنه ابن هشام:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا قَدِمَ عُمير مَكَّةَ، أَقَامَ بِهَا يَدْعُو إلَى الْإِسْلَامِ، ويؤذِي مَنْ خَالَفَهُ أَذًى شَدِيدًا، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ نَاسٌ كثير.
إذا كانوا أقلية في مكة ويفعل أحدهم ذلك من مضايقة الأغلبية، فلماذا نستعجب أن الوثنيين قبل هجرتهم حاربوهم واضطهدوهم، أما إنه لا دخان بلا نار ولا ظل بلا جسم، لا شك أنهم ضايقوا الوثنيين وأذوهم فعلياً كثيراً حتى كانت لهم تلك الردة من الفعل.
وإذا تلبس الأمر هنا بتبرير المسلمين لقطع الطريق والسرقة والنهب والقتل والقتال أنه انتقام لما تعرضوا له من اضطهاد في مكة قبل الهجرة إلى يثرب، فإننا سنسرد بعد بدر سياق حروب وغارات على أقوام وقبائل ودول مسالمة تماماً كذلك لم تبادئ المسلمين بأي عدوان، والمسلمون هم المعتدون عليهم باسم الدين ولأجل النهب والاستعباد والشهوات وسفك الدم