عرض مشاركة واحدة
قديم 10-10-2021, 11:24 PM Zyad غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [27]
Zyad
موقوف
 

Zyad is on a distinguished road
افتراضي

في مقالات سابقة لي حول نفس المعنى


اقتباس:
ثَلَاثٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إلَّا نَبِيٌّ

نص التلمود على عدم جواز تعليم أحكام التوراة لغير اليهود ويشمل ذلك التناخ أو ما يعرف بأسفار العهد القديم أو ما يسمى التوارة المكتوبة وكذلك المشناة و الجيمارا ونحوهما من الأدبيات اليهودية الربانية التي تعرف بالتوراة الشفهية وذلك استنادا لسفر التثنية الإصحاح 33 العدد 4 وكذلك المزمور 147 العدد 19 - 20.



فقد ورد في التلمود البابلي أن الحاخام يوحانان قال:فغير اليهودي الذي ينخرط في دراسة التوراة هو عرضة لعقوبة الإعدام كما هو منصوص عليه: بِنَامُوسٍ أَوْصَانَا مُوسَى مِيرَاثًا لِجَمَاعَةِ يَعْقُوبَ – فهي ميراث لنا لا لهم.



وبحسب الخلاف في قراءة الكلمة التي تشير للفظ ميراث في نص التثنية فإذا قرئت "ميراث" فالجيمارا تشبه تعلم التوراة من قبل غير اليهودي بالسرقة لأنه بمثابة من يسرق ميراث اليهود. وإذا قرئت " امرأة مخطوبة" فالجيمارا تشبه تعلم غير اليهودي للتوراة بالزنا لأنه بمثابة من يمارس الفاحشة مع امرأة مخطوبة ليهودي وهو ما يستحق عقوبة الرجم. لكن قد يستثني من ذلك شرائع نوح السبعة. وهي سبعة أوامر أخلاقية أعطاها الله إلى نوح كأوامر لكل البشر. Sanhedrin 59a

وفي المقابل فقد تم النص في المشناة على أنه لا يجوز نقل تعاليم التوراة لغير اليهوي فقال الحاخام آمي: لا يجوز نقل تعاليم التوارة لغير اليهودي كما هو منصوص ( أي في المزمور 174): لم يصنع هكذا بإحدى الأمم، وأحكامه لم يعرفوها. Chagiga 13a

ففي ظل هذا الحظر على تعليم أو تعلم التوراة في شأن غير اليهود لاسيما التوراة الشفهية لأنه لأجلها قطع الرب عهدا مع شعب إسرائيل بحسب الحاخام يوحانان (gittin 60a) يفهم لماذا قال عبد الله بن سلام أو أحد أحبار اليهود أن المسائل التي سأل عنها النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلمها إلا نبي.

فقد روى البخاري في صحيحه: أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بنَ سَلَامٍ، بَلَغَهُ مَقْدَمُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ فأتَاهُ يَسْأَلُهُ عن أشْيَاءَ، فَقَالَ: إنِّي سَائِلُكَ عن ثَلَاثٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إلَّا نَبِيٌّ، ما أوَّلُ أشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وما أوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أهْلُ الجَنَّةِ؟ وما بَالُ الوَلَدِ يَنْزِعُ إلى أبِيهِ أوْ إلى أُمِّهِ؟ قَالَ: أخْبَرَنِي به جِبْرِيلُ آنِفًا قَالَ ابنُ سَلَامٍ: ذَاكَ عَدُوُّ اليَهُودِ مِنَ المَلَائِكَةِ، قَالَ: أمَّا أوَّلُ أشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنَ المَشْرِقِ إلى المَغْرِبِ، وأَمَّا أوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أهْلُ الجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الحُوتِ، وأَمَّا الوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ المَرْأَةِ نَزَعَ الوَلَدَ، وإذَا سَبَقَ مَاءُ المَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتِ الوَلَدَ قَالَ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّكَ رَسولُ اللَّهِ. الحديث

وعند مسلم من حديث عائشة : إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أشبه أعمامه ، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه أخواله

و في صحيح مسلم: ما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: زيادة كبد الحوت. قال: فما غذاؤهم على إثرها؟ قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي يأكل من أطرافها. قال: فما شرابهم عليه؟ قال: من عين تسمى سلسبيلا)) قال: صدقت.

وفي مسلم أيضا: تَكُونُ الأرْضُ يَومَ القِيامَةِ خُبْزَةً واحِدَةً، يَكْفَؤُها الجَبَّارُ بيَدِهِ، كما يَكْفَأُ أحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ في السَّفَرِ، نُزُلًا لأَهْلِ الجَنَّةِ قالَ: فأتَى رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ، فقالَ: بارَكَ الرَّحْمَنُ عَلَيْكَ، أبا القاسِمِ ألا أُخْبِرُكَ بنُزُلِ أهْلِ الجَنَّةِ يَومَ القِيامَةِ؟ قالَ: بَلَى قالَ: تَكُونُ الأرْضُ خُبْزَةً واحِدَةً، كما قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: فَنَظَرَ إلَيْنا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ ضَحِكَ حتَّى بَدَتْ نَواجِذُهُ، قالَ: ألا أُخْبِرُكَ بإدامِهِمْ؟ قالَ: بَلَى قالَ: إدامُهُمْ بالامُ ونُونٌ، قالوا: وما هذا؟ قالَ: ثَوْرٌ ونُونٌ، يَأْكُلُ مِن زائِدَةِ كَبِدِهِما سَبْعُونَ ألْفًا.



أما قوله لا يعملهن إلا نبي فهذا النص يؤكد على أن علم ما في بطون أسفار أهل الكتاب لم يكن متيسرا إلا لمن دارسهم ولولا علم ابن سلام بذلك وأنه لم يدارسهم لما أقبل على سؤاله.

أما كيف لا يعلمهن إلا نبي بالرغم من أن ابن سلام يعلم الجواب فالمقصود أي لا يعلم ذلك إلا نبي أو من تعلم من الأنبياء ونقل عنهم.

يقول ابن تيمية رحمه الله: ففي هذه الأحاديث أن علماء اليهود كعبد الله بن سلام وغيره كانوا يسألونه عن مسائل يقولون فيها لا يعلمها إلا نبي أي ومن تعلمها من الأنبياء فإن السائلين كانوا يعلمونها كما جاء أيضا لا يعلمها إلا نبي أو رجل أو رجلان فكانوا يمتحنونه بهذه المسائل ليتبين هل يعلمها وإذا كان يعلم ما لا يعلمه إلا نبي كان نبيا ومعلوم أن مقصودهم بذلك إنما يتم إذا علموا أنه لم يعلم هذه المسائل من أهل الكتاب ومن تعلم منهم وإلا فمعلوم أن هذه المسائل كان تعلمها بعض الناس لكن تعلمها هؤلاء من الأنبياء. اهـ

وقد قلت في موضوع سابق أنه لا يمكن للنبي أن ينشىء دينا شاملا دون تعلم ودراسة على غير مثال يحتذى لو لم يكن ذلك المنهج الشامل قد أوحي إليه. ولا بمجرد الاستماع لقصص غلام أعجمي لبني فلان سواءا أكان اسمه جبر أو بلعام أو غير ذلك. فلو دارس أهل الكتاب على نحو يمكنه من ذلك الاصطلاع الواسع على علومهم لبدت عليه آمارات ذلك، ولما طرأت عليه تلك المعرفة فجأة دون إرهاصات، فضلا عن تعذر ذلك لأجل الحظر المفروض على غير اليهود من الأمميين - كما تقدم - قبل عصر الثورة المعلوماتية. بل إن بعضهم - وهو الحاخام يحيئيل واينبرغ yechiel weinberg في قراءته لرؤية موسى بن ميمون بهذا الخصوص - يرى أنه لأجل هذا السبب - وهو ألا تستغل الدراية بالتوراة وأحكامها من قبل غير اليهود في إنشاء دين جديد مستقل - ورد الحظر في التلمود على تعلم وتعليم التوراة لغير اليهود.

والقرآن و السنة يظهران إلماما واسعا بأسفار أهل الكتاب و عقائدهم و شرائعهم لا يتأتى لغير الأنبياء في ذلك الزمان إلا بمدراستهم.

يقول هاري فريمدان في كتابه the talmud: A biography: لقد كان لدى محمد دراية عميقة (أو اصطلاع واسع) باليهودية و الممارسات اليهودية وهذا واضح من القرآن نفسه. ثم أشار إلى التشابه من حيث البنية بين الشريعة و الهالاخاه (الشريعة التلمودية) – وكلتاهما بمعنى الطريقة - و اللتان ينظم كل منها بشكل شامل شئون الحياة الخاصة بأتباع الديانتين وبعض أوجه التشابه من حيث المضمون التشريعي و التأثر المتبادل – بحسب تعبيره – بينهما.

ثم يشير إلى شرح جيديون ليسبون - أستاذ القانون اليهودي و الإسلامي المقارن - لطبيعة العلاقة بينهما بأنها في سياق الفعل ورد الفعل بمعنى أن الهالاخاه أثرت في الشرع الإسلامي في البداية ليبادلها بدوره التأثير بترك بصمة على الهالاخاه. ثم يضيف فريدمان أن المفاهيم اليهودية وجدت – على حد تعبيره - طريقها في البداية للإسلام لكن الانعكاس اللاحق لعملية التأثير نجده ملحوظا في أحكام المعاملات المالية و التجارية وذلك لأن الشريعة التلمودية نضجت في بغداد في بيئة إسلامية إبان عهد الجاؤونيم وهو لقب خاص برؤساء المدارس الدينية اليهودية (اليشيفا) في صورا (بمنطقة بابل التاريخية) وبومبديتا (بالقرب من الفلوجة ) من نهاية القرن السابع وحتى منتصف القرن الحادي عشر – وهي الحقبة المعروفة في تاريخ الشعب اليهودي بحقبة الجاؤونيم.

أما سبق ماء الرجل أو ماء المرأة ودور ذلك في تحديد الشبه بمعنى هل يشبه الولد أباه أم أمه فهناك تصوران في التلمود بهذا الخصوص. التصور الأول و الذي يحمله التلمود البابلي هو أن الرجل والمرأة كلاهما له نطفة وأن الجنين يتكون من الإثنين وتسمى هذه النظرية البذرة المزدوجة dual-seed theory وكانت هذه أيضا رؤية أبقراط وجالينوس. و التصور الثاني والذي حمله التلمود الأورشاليمي وهو أن المرأة لا تنتج نطفة. وأن مني الرجل يعطي للدم المتجمع في رحم المرأة هيئة وشكلا مكونا الجنين. وهذه النظرية وتسمى نظرية المجال field-theory هي التي كان يعتنقها أرسطو وبتأثير منه تبناها الأحبار في التلمود الفلسطيني.

أما ما وقع عند مسلم من حديث ثوبان رفعه: ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله . يلزم منه اقتران الشبه للأعمام إذا علا ماء الرجل وأن يكون ذكرا والعكس وهذا خلاف المشاهد لأن المولود قد يكون ذكرا مثلا و يشبه أخواله.

وقد علق شيخ الإسلام ابن تيمية على الأحاديث التي تذكر لفظ أذكرا وأنثا بأن المحفوظ هو لفظ الشبه وأن أذكرا وأنثا في صحته نظر كما نقل عنه ابن القيم في كتاب "الطرق الحكمية" وأضاف: وبالجملة: فعامة الأحاديث إنما هي تأثير سبق الماء وعلوه في الشبه، وإنما جاء تأثير ذلك في الإذكار والإيناث في حديث ثوبان وحده، وهو فرد بإسناده، فيحتمل أنه اشتبه على الراوي فيه الشبه بالإذكار والإيناث.

وقد ورد في التلمود (niddah 31a) أن الرجل إذا أنزل ماءه قبل المرأة كان المولود أنثى و العكس أي على العكس مما ورد في حديث ثوبان.

وتفصيل هذه المسألة في الدراسة التالية:

Reuven kiperwasser “three partners in a person” the genesis and development of embryological theory in biblical and rabbinic judaism



أما الحوت الذي يتناول زيادة كبده - وهو القطعة المنفردة المتعلقة في الكبد – المؤمنون في الجنة و كذلك الثور الذي ينحر لهم فقد ورد ذكرهما في عديد من المصارد كوليمة للأبرار وقد أطلق لفظ "بهيموث" على ذلك الثور. وقيل أن بهيموث هي كلمة في صورة الجمع ومفردها behêmâh، والتي تعني "بهمية" بالعربية.بينما أطلق على الحوت "لفياثان" leviathan livyâthân، وهو نفس الإسم الذي يحمله الكتاب الشهير للفيلسوف توماس هوبس.

Enoch, lx. 7 et seq.; syriac apoc. Baruch, xxix. 4; ii esd. Vi. 52; targ. Yer. To num. Xi. 26, ps. Civ. 26; b. B. 74b; tan., beshallaḥ, at end.



وكذلك ورد ورد تناول الخبز السماوي أو المن في جملة من المصادر.

Sibyllines, proœmium, 87; Ḥag. 12b; tan., beshallaḥ, ed. Buber, p. 21; comp. "the mysterious food," ii esd. Ix. 19



أما النار التي تحشر الناس فقد ورد شيء من هذا القبيل في سفر رؤيا باروخ السريانية (سفر باروخ 2) (26- 30) وسفر رؤيا إبراهيم (30)



اقتباس:
الثانية: أنه لو أن ما جاء به علمه إياه بشر فإن الذي يتعلم لا يخفى حاله. فمكة لم يكن بها من يعلمه أو مكان يتعلم به كبيت المدارس في يثرب الذي كان يتدارس فيه اليهود علوم الكتاب. ولذلك لما أرادوا نسبة تعليمه لبشر نسبوه إلى غلام أعجمي من النصارى لا يدري من العربية إلا القليل. وليس هذا معناه أن هذا الغلام لديه من العلم ما يؤهله لأن يعلم النبي أسفار أهل الكتاب و أحاكمهم و شعائرهم وعقائدهم. بل اكتفي بالقول بأن الغلام أعجمي ولا يمكنه بسبب حاجز اللغة أن يعلم النبي شيئا فضلا عن أن يكون أعانه على تأليف القرآن العربي المعجز بلاغيا.

فهم لم يشيروا إلا إلى شخص بعينه وتضارب الروايات بشأن اسم الغلام هو لأنها روايات تالفة وإلا لما كانوا كلهم غلمان أعاجم لبني فلان وعلان!. وقولهم قوم آخرون هو اتهام على عواهنه دون تحديد من هم هؤلاء.


ومن يظن أن حجة القرآن بخصوص الجزئية الثانية أن المقصود من التعلم هو مجرد تعلم القصص فقد غلط غلطا فاحشا.

الإسلام ليس مجرد قصص بل الإسلام منهج شامل يعالج مسائل شتى تتعلق بالعقائد و الأخلاق و الشعائر و التشريع. بل هو منهج شامل للحياة، فرؤيته تتضمن الحياة البشرية بكليتها وتستوعب حتى أدق التفاصيل. فهو يتضمن جملة من التوجيهات و التعاليم والأحكام يتراوح تعلقها ما بين الأمور الشخصية اليومية مثل آداب الطعام والشراب وتنظيف الجسد إلى مسائل ذات طابع عام كالمعاملات التجارية و المالية وأحكام السلم والحرب في العلاقات الخارجية. ولا يمكن للنبي أن ينشىء دينا شاملا دون تعلم ودراسة على غير مثال يحتذى لو لم يكن ذلك المنهج الشامل قد أوحي إليه. ولا بمجرد الاستماع لقصص غلام أعجمي لبني فلان سواءا أكان اسمه جبر أو بلعام أو غير ذلك. فلو دارس أهل الكتاب على نحو يمكنه من ذلك الاصطلاع الواسع على علومهم لبدت عليه آمارات ذلك، ولما طرأت عليه تلك المعرفة فجأة دون إرهاصات.



ولذلك أمره الله أن يحتج عليهم بأنه قد لبث فيهم أربعين عاما من قبل أن يأتيه الوحي يعرفونه بالصدق و الأمانة لا يقرأ ولا يكتب ولا يقرض الشعر ولا يتعلم علوم أهل الكتاب ولا يدارسهم ولذا فهذا العلم وهذا القرآن المعجز بلاغيا لم يتعلمه من البشر ولا هو من قبل نفسه لكنه من قبل الله. وقد ذكرت سابقا أن هذه قرائن وأمارات تتضافر على كونه صادقا في دعوى النبوة وأنه لم يتلق تعليما من البشر وليس من قبيل الاستنتاج الرياضي. لأن هذه المسائل لا سبيل فيها إلى هذا النوع من البراهين.

ومن ذلك قوله تعالى آمرا إياه أن يقول: فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ. وقوله: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ. وقوله: وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ.

وكل من يطالع القرآن و السنة يعلم مدى عمق إلمامها بأسفار أهل الكتاب وعلوم كتبهم.

يقول هاري فريمدان في كتابه the talmud: A biography: لقد كان لدى محمد دراية عميقة (أو اصطلاع واسع) باليهودية و الممارسات اليهودية وهذا واضح من القرآن نفسه. ثم أشار إلى التشابه من حيث البنية بين الشريعة و الهالاخاه (الشريعة التلمودية) – وكلتاهما بمعنى الطريقة - و اللتان ينظم كل منها بشكل شامل شئون الحياة الخاصة بأتباع الديانتين وبعض أوجه التشابه من حيث المضمون التشريعي و التأثر المتبادل – بحسب تعبيره – بينهما.

ثم يشير إلى شرح جيديون ليسبون - أستاذ القانون اليهودي و الإسلامي المقارن - لطبيعة العلاقة بينهما بأنها في سياق الفعل ورد الفعل بمعنى أن الهالاخاه أثرت في الشرع الإسلامي في البداية ليبادلها بدوره التأثير بترك بصمة على الهالاخاه. ثم يضيف فريدمان أن المفاهيم اليهودية وجدت – على حد تعبيره - طريقها في البداية للإسلام لكن الانعكاس اللاحق لعملية التأثير نجده ملحوظا في أحكام المعاملات المالية و التجارية وذلك لأن الشريعة التلمودية نضجت في بغداد في بيئة إسلامية إبان عهد الجاؤونيم وهو لقب خاص برؤساء المدارس الدينية اليهودية (اليشيفا) في صورا (بمنطقة بابل التاريخية) وبومبديتا (بالقرب من الفلوجة ) من نهاية القرن السابع وحتى منتصف القرن الحادي عشر – وهي الحقبة المعروفة في تاريخ الشعب اليهودي بحقبة الجاؤونيم.

وانطلاقا من القاعدة التلمودية التي أرساها الحبر "شموئيل" dina de-malkhuta dina أو بالآرامية דִּינָא דְּמַלְכוּתָא דִּינָא ومعناها فيما يخص قوانين الأحوال المدنية فقانون البلد هو القانون، فقد منح ذلك الجاؤونيم مرونة في تعديل أحكام المعاملات التجارية بل و إبطالها تماما إذا لزم الأمر. ثم ضرب مثالا على ذلك بكتابة الديون وهو إشارة إلى قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ. وهذا يشمل جميع أنواع المداينات من سلم وغيره. وكانت الشريعة التلمودية لا تجيز من قبل دفع الأثمان دون تسلم السلع حتى ولو كتبت وشهد على ذلك الشهود. فأبطل الجاؤونيم هذه القاعدة وأجازوا ذلك.



والمقصود أن الإلمام الذي يظهره الكتاب و السنة بعلوم أهل الكتاب وأحوالهم وتاريخهم وقصصهم ومفاهيمهم لا يمكن أن يكون من قبيل المعرفة السطحية التي قد يتلقاها أحد من خلال مجرد الاستماع العرضي لهذا أو ذاك. وبالتالي لو كان لم يتلق القرآن و السنة من طريق الوحي فلابد أنه تعلم ودرس دراسة جادة معمقة لابد أن تظهر أماراتها و إرهاصاتها عليه قبل دعوى النبوة كما عرف ذلك عن ورقة بن نوفل وغيره في الجاهلية الذين خرجوا لطلب علوم أهل الكتاب إذ لم يكن بمكة مجال لذلك.



وأما سؤال أهل الكتاب كما في قوله تعالى: فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ۚ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ. ونحوها من الآيات

فليس في هذه الآية ولا غيرها أن هؤلاء الذين يقرأون الكتاب في مكة

والقرآن لم يقل أن تعلم شىء من الكتاب متعذر بل فحوى الحجة أن تعلم الكتاب وعلومه تظهر أماراته وإرهاصاته على المتعلم بخلاف ما كان من حال النبي.

والسؤال عن صحة شىء بعينه يختلف عن تعلم علوم الكتاب. مثلما أن طلب الفتيا يختلف جذريا عن تعلم الفقه أو العلوم الشرعية بوجه عام.



  رد مع اقتباس