عرض مشاركة واحدة
قديم 08-22-2021, 08:09 AM الشيخ وسام اسبر غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [8]
الشيخ وسام اسبر
موقوف
 

الشيخ وسام اسبر is on a distinguished road
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

٧. مسألة وجود شرور، من وجهة نظر إيمانية:

لقد خلق الله عالمين: عالم المجردات والعالم المادي. وكل من عالم المجردات وعالم المادة هو الأبدع والأحسن المناسب لخصائص ذلك العالم، فكان عالم المجردات خير لا شر فيه، وكان عالم المادة خير يلازمه بعض الشر المؤقت، بمعنى أنك بمجرد أن تقول بأنك ستخلق عالما ماديا فهذا يعني حكما بأن الخير الذي فيه سيكون إلى جانبه بعض الشر، وذلك لأن الخير والشر في عالم المادة متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر. والعقل يحكم بقبح ترك خلق عالم المادة مع ما فيه من خير وفير لمجرد الفرار من بعض الشر المؤقت الذي سيحصل. فإن جميع العقلاء يقدمون مثلا على قطع عضو من أعضاء الانسان إذا ترتب على قطع هذا العضو بقاء صاحبه على قيد الحياة، ولا يعدون قطع العضو شرا.

لقد خلق الله الانسان مختارا، وبالتالي جعل الله الانسان بهذه المنحة (أي الاختيار) جعله في مرتبة يفوق فيها سائر المخلوقات. ومعنى الاختيار أن يكون قادرا على اختيار خيار من خيارات عدة، وهذه القدرة على الاختيار كما تؤدي إلى وقوع الخير والوصول إلى مقام أرقى من الملائكة (المجبورين على الخير) فهذه القدرة هي أيضا قد تؤدي إلى وقوع بعض الشرور الأخلاقية والتسافل ليكون الانسان أضل من البهائم.

كما أن عالم الطبيعة أيضا هو عالم التزاحم والتضاد، فالذئب الجائع لا يمكنه أن يملأ بطنه إلا بأكل شاة أو غيرها من حيوانات، والأرض الجافة التي لا يصيبها المطر لا ينبت فيها الشجر مما يؤدي الى هلاك من يعيش عليها الا اذا انتقلوا الى ارض آخرى.

في الواقع إن العالم الذي لا يعرف التزاحم ليس عالما ماديا، بل هو عالم مجردات. وعالم المجردات لا يحقق الغرض من خلق الانسان المختار، الذي يحققه هو العالم المادي.

وبالتالي نحن بين فرضيتين: إما أن يخلق الله العالم المادي على ما هو عليه وبما يناسبه (من تزاحم وتضاد، وحرية اختيار للانسان، قد يؤدي الى وجود شر الى جانب الخير المطلوب)، وإما أن يترك خلقه كليا ويحجب عنه لطفه.

علما أنه لا يوجد شيء يكون شرا مطلقا ليس فيه جهة خير أبدا، فلدغة الأفعى التي تضر الانسان غير المحتاط، هذه اللدغة هي خير بالنسبة للأفعي لأنه بها تدافع عن نفسها. فتكون اللدغة شر للانسان بالعرض وليس بالذات.

على أي حال بين خلق الله لهذا العالم الذي فيه خير قد يرافقه شر مؤقت، وبين حجب لطفه عنه، الحكمة تمنع من حجب اللطف بل هي تقتضي خلق العالم مع ما يلازمه من شر ترجيحا للخير الوفير الذي هو فيه. وبالتالي إذا نظرنا إلى العالم بوصفه كلا ومجموعة لم نجد فيه الا الخير.

فحتى هذا الشر القليل المؤقت، فهو ليس شرا حقيقة، ولو نظرنا إلى الكون من وجهة نظر إلهية لم نر فيه إلا الخير. كما في حالة السيدة زينب عليها السلام لما سألها ابن زياد بعد مجزرة كربلاء وقتل أخيها الامام الحسين وأولادها وأخوتها، ومن ثم أسرها، قال لها: كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟ فقالت عليها السلام: "ما رأيت إلا جميلا".

فهذا الذي يبدو شرا هو في الحقيقة وسيلة لتكامل الانسان والحصول على المقامات.

نعم إن الشر يمكن أن يساعد على التكامل، بل هو فعلا وسيلة للتكامل، وهذه الفلسفة الدينية الرائعة لا يمكن أن يفهمها من يظن بأن الأرض هي دار الخلد وجنة السعادة، في الواقع إن الله لم يخلق جنة أرضية يصل ساكنوها إلى أقصى حد من الراحة بعيدا عن الألم، بل هذه الأرض هي مزرعة ابتلاء لتهذيب الروح وبناء الانسان من أجل الارتقاء والوصول الى مقام التكامل والقرب الإلهي الذي يحقق السعادة الحقيقية في الدار الآخرة، وكلما ازداد البلاء ارتقى الانسان أكثر وأكثر، ولذلك ورد في الروايات: "إن أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الأمثل فالأمثل" وأيضا: "من صح إيمانه وحسن عمله اشتد بلاؤه".

إن ادراك الجمال ولذته لا يتحقق الا مع المقارنة مع القبح. ولذلك قيل: "لو كانت جميع الوجوه جميلة لما حسن في أعيننا أي وجه".

هذا هو معتقدي في فلسفة وجود شرور على الأرض، فمن اقتنع بما أؤمن به فهذا يسعدني، ومن لم يقتنع فإنني آسف من نفسي لأني لم أقدر على إقناعه، ولكنني شخصيا مقتنع ومؤمن بكل حرف ذكرته.



  رد مع اقتباس