عرض مشاركة واحدة
قديم 08-22-2021, 07:35 AM الشيخ وسام اسبر غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [4]
الشيخ وسام اسبر
موقوف
 

الشيخ وسام اسبر is on a distinguished road
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

٤. هل يتعارض القول بحرية الاختيار مع ما ذكرته الايات من كون الهداية والضلالة بيد الله:

الجواب:
ذكرنا بأن الله تفضل على الإنسان بهداية تكوينية وتشريعية وأنها هداية عامة لا تختص بجماعة دون آخرى أو بفرد دون آخر، حتى يتوهم منها الجبر.

أضيف من كتاب الإلهيات للشيخ السبحاني:

[ وهناك هداية خاصة تختص بجملة من الأفراد الذين استضاؤوا بنور
الهداية العامة تكوينها و تشريعها ، فيقعون مورداً للعناية الخاصة منه سبحانه. ومعنى هذه الهداية هو تسديدهم في مزالق الحياة إلى سبل النجاة ، وتوفيقهم للتزود بصالح الأعمال ، و يكون معنى الإِضلال في هذه المرحلة هو منعهم من هذه المواهب ، وخذلانهم في الحياة ،


و يدلّ على أنَّ هذه الهداية خاصة لمَن استفاد من الهداية الأولى:

قوله سبحانه : { إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ}. فعلّق الهداية على مَن اتصف بالإِنابة و التوجّه إلى اللّه سبحانه .
و قال سبحانه : { اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ}.
و قال سبحانه : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} . فمَن أراد وجه اللّه سبحانه يمده بالهداية إلى سبله.
و قال سبحانه : { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى }.
و قال سبحانه: { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا}.

و كما أنَّه علق الهداية هنا على من جعل نفسه في مهب العِناية الخاصّة ، علّق الضلالة في كثير من الآيات على صفات تشعر باستحقاقه الضلال و الحرمان من الهداية الخاصة:

قال سبحانه : { وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
و قال سبحانه: { وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}.
و قال سبحانه : { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ }.
و قال سبحانه: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ
لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ }.
و قال سبحانه: { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ
الْفَاسِقِينَ}.

فالمراد من الإِضلال هو عدم الهداية لأجل عدم استحقاق العِناية
و التوفيق الخاص ؛ لأنّهم كانوا ظالمين و فاسقين ، كافرين ومنحرفين عن الحق.
و بالمراجعة الى الآيات الواردة حول الهداية و الضلالة يظهر أنَّه سبحانه لم ينسب في كلامه إلى نفسه إضلالاً إلاَّ ما كان مسبوقاً بظلم من العبد أو فسق أو كفر أو تكذيب و نظائرها التي استوجبت قطع العِناية الخاصة و حِرمانه منها. (لاحظ أننا نتكلم عن قطع الهداية الخاصة لا العامة).

إذا عرفتَ ما ذكرناه ، تقف على أنَّ الهداية العامة التي بها تناط مسألة الجبر و الإِختيار ، عامة شاملة لجميع الأفراد ، ففي وسع كل إنسان أن يهتدي بهداها . و أمَّا الهداية الخاصة والعِناية الزائدة فتختص بطائفة المنيبين و المستفيدين من الهداية الأولى . فما جاء في الآيات من تعليق الهداية و الضلالة على مشيئته سبحانه ناظرٌ إلى القسم الثاني لا الأوّل. أما القسم الأوّل ؛ فلأنّ المشيئة الإِلهية تعلقت على عمومها بكل مكلف بل بكل إنسان ، و أمّا الهداية فقد تعلقت مشيئته بشمولها لصنف دون صنف ، و لم تكن مشيئته ، مشيئة جزافية ، بل المِلاك في شمولها لصنف خاص هو قابليته لأن تنزل عليه تلك الهداية ؛ لأنَّه قد استفاد من كل من الهداية التكوينية و التشريعية العامتين ، فاستحق بذلك العِناية الزائدة.

كما أنَّ عدم شمولها لصنف خاص ما هو إلاَّ لأجل اتصافهم بصفات
رديئة لا يستحقون معها تلك العِناية الزائدة. ولأجل ذلك نرى أنَّه سبحانه بعدما يقول : { فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُُ} ، يذيله بقوله : { وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } ، مشعراً بأنَّ الإِضلال و الهداية كانا على وفاق الحكمة ، فهذا استحق الإِضلال ، و ذاك استحق الهداية.

بقي هنا سؤال ، و هو أنَّ هناك جملة من الآيات تعرب عن عدم تعلق
مشيئته سبحانه بهداية الكل:

قال سبحانه: { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنْ الْجَاهِلِينَ}.
و قال سبحانه: { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ
حَفِيظًا }.
و قال سبحانه: { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ
جَمِيعًا }.
و قال سبحانه : { وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ
لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}.
و قال سبحانه: { وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا }.

والجواب : إنَّ هذه الآيات ناظرة إلى الهداية الجبرية بحيث تسلب
عن الإِنسان الإِختيار و الحرية فلا يقدر على الطرف المقابل . و لمّا كان مثل هذه الهداية الخارجة عن الإِختيار ، منافياً لحكمته سبحانه ، و لا يوجب رفع منزلة الإِنسان ، نفى تَعَلُّق مشيئته بها ، و إنَّما يُقَدَّرُ الإِيمان الذي يستند إلى اختيار المرء ، لا إلى الجبر و الإِلحاد ].



  رد مع اقتباس