تحياتي
1.
أتفق معك بأن المصطلحات هي مشكلة دائماً وفي جميع اللغات، لكنها في اللغة العربية تكتسب المشكلة أهمية أكبر.
واحد من أطروحاتي المتكرر في مقالاتي وردودي هي أن لا دين أساء إلى اللغة التي يستخدمها أصحابه مثلما أساء الإسلام إلى اللغة العربية.
وعندي موضوع في هذا المجال لم أنقحه لحد الآن وهو ينتظر النشر. وحتى لا نبتعد عن الموضوع فإن الطريقة التي استخدم بها المسلمون في وصف الآخرين لم تكن موضوعية بل قيمية.
ومن اطلع على كتب الفرق والملل والطوائف السنية (وكمثال نموذجي: "الملل والنحل" تأليف أبو الفتح الشهرستاني وهو أشعري) فإنه يعرف كيف يتم توصيف الطوائف والملل الإسلامية الأخرى بطريقة هي في أحسن الأحوال تكون على درجة أقل من السنة وأهل الحديث وفي أسوء الأحوال باطنية وكفرة وزنادقة لا تستحق لقب الإسلام.
2.
وهذا ما حدث فعلاً مع استخدام كلمة "ملحد وملاحدة" منذ البداية.
ولكي نفهم بصورة عملية (وليس قاموسية) مصطلح "الملحد" ليس كما ترد في "كتاب محمد" وكما تم تفسيرها بل عن طريق من هم الأشخاص الذين أُطلق عليهم لقب "ملحد".
3.
لقد أطلق في البدء هذه المصطلح مثلاً على عدد من الكتاب والمفكرين من بينهم ابن الراوندي والرازي (محمد بن زكريا). ولكن لم تصل إلينا أية معلومات سواء كانت من أعدائهما أو من كتاب محايدين (لأنه للأسف لم تصلنا كتاباتهم ذاتها في هذا المجال) يمكن تصنيفهم على أساسها باعتبارهما ملحدين.
3.
إن ابن الراوندي والرازي وباعتراف الكتب الإسلامية رفضوا النبوة ولم يتعدى رفضهم إلى أبعد من ذلك وقد كانا عملياً (ولا يوجد ما يناقض ذلك) ربوبين. وهذ حقيقة لا يمكن دحضها. ورفض النبوة ليس إلحاداً بأي معيار ديني كان. فهناك الكثير من الأديان التي لا تتوفر فيها أنبياء. وهكذا كانت مجادلات ابن الراوندي بصدد البراهمة وعن دور العقل في أنه "هو الذي يُعرف به الرب".
بل أن كاتباً معاصراً مثل عبد الرحمن بدوي متحدثاً عن "الإلحاد" قد سمى كتابه "من تاريخ الإلحاد في الإسلام"!
وهي مفارقة مضحكة.
فهل "الإلحاد" طائفة إسلامية أم رفضاً للإسلام طالما يصنفهم في القرن العشرين باعتبارهما ملحدين؟
4.
إذاً معنى "الميل" و"الانحراف" عن العرف السائد الذي تشير إليه أغلب المعاجم العربية ينطبق عليهما وإذا كان "الألحاد" هو الميل عن "الإيمان الصحيح" و"العرف الصحيح" فإنه يعني الشيء الكثير جداً ويضم كل من يخالف العقيدة الإسلامية الرسمية.
5.
وهذا يعني أن مصطلح "الإلحاد" ومن ثم "الملحد" لا علاقة لهما بمصطلح atheism ومن ثم مصطلح atheist.
وإذا ما أردنا أن نترجم مصطلح atheism فهو في الحقيقة: اللاربوبية وهذا ما يقوله المصطلح a + .theism.
غير أن علينا الاعتراف بأن " atheism " يمكن أن تشمل "اللادينية" أيضاً كما تم استخدامه في أثينا القديمة. وهذا ما يعني أن atheism وفي دلالتها كإلحاد صرف تعني اصطلاحياً "رفضاً للربوبية" وليس مجرد "لاربوبية".
وهذه هي مشكلة المصطلحات.
وإذا ما أردنا أن نقف على مصطلح أكثر دقة فأن "اللاربوبية" هو المصطلح الذي يلبي معنى رفض الربوبية أو الأرباب.
|