عرض مشاركة واحدة
قديم 10-26-2019, 02:29 PM قوس قزح غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [5]
قوس قزح
عضو جديد
 

قوس قزح is on a distinguished road
افتراضي

خامسًا: القرآن منصف، وينهى عن اتباع الهوى والشهوات


(ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (الجاثية 18).

لكي يكون المرء محايدًا عليه أن يتخلص من أي مشاعر قوية كأهوائه وعواطفه التي تعميه عن الرؤية ببصيرة، لهذا السبب شبه القرآن الهوى بإله يعبد: ( أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا) (الفرقان 42). فبعض الناس يمشون وراء أهوائهم ورغباتهم يطيعونها وكأنها رب متحكم... ولذلك القرآن ينهانا عن أن لا نعدل إذا لم يوافق العدل هوانا أو كنا نبغض الخصم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة 8). أحيانًا كرهنا وحقدنا على شخص ما يجعلنا نظلمه أو نبخسه حق وربما دون أن نشعر حتى، وأحيانًا عكس ذلك، حبنا الشديد وتعلقنا بأحدهم يجعلنا نغض الطرف عن مساوئه وأخطاء، ولذلك يأمرنا القرآن أن نعدل ونؤدي شهادة الحق حتى لو كنا سنشهد على أنفسنا وأحبتنا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَنْ تَعْدِلُوا ۚ وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (سورة النساء 135). أي لا تجعلوا مشاعركم كالبغض والحب وغيرها من أهواء تؤثر على حكمكم على الأشياء والناس! وهذا هو الإنصاف المطلوب من المسلم أن يعترف بالحقيقة وأن يقف في صفها وإن كان القائل بها هو ألد الخصوم والأعداء! (فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (الشورى 15)، منهج يأتي من حقبة ساد فيها الظلم والعدوان ليأمر بالعدل مع الجميع ولو كانوا أعداء.

ونقرأ أيضا إنصاف القرآن لأهل الكتاب: (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران 110). إنه الإنصاف، لم ينسَ القليل المؤمن بمقابل الكثير الفاسق، وبعدها تحدث عن ضلال بعض أهل الكتاب ونعتهم بالكفر وقتل الأنبياء والذل والعصيان حين قال: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) (آل عمران 112). ومع كل هذا ينصفهم في الآية التي بعدها: (لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) (آل عمران 113). وبآيةٍ أخرى يقول عنهم: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران 75).

وعن اليهود بوجه الخصوص يقول القرآن: (وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا ۖ مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الأعراف 168). اليهود الذين كانوا بالمدينة وقت الرسول صلى الله عليه وسلم حاولوا قتله كذا مرّة، هذا غير مساندتهم للعدو ونقضهم للوعود والمواثيق التي كانت بين المسلمين وبينهم

في واقع الحياة نجد بأن أغلب الناس -للأسف- بعيدون كل البعد عن الإنصاف، فقد تجدهم يستنقصون أو يذمون من أناس أو شعوب بأكملها، ويطلقون عليهم أحكامًا فيها من التعميم وعدم الإنصاف... ولو نهجوا نهج القرآن في إنصافه وتفاديه للتعميم لكان خيرًا لهم:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات 11)

وحقيقة من الناحية العملية الواقعية القرآن لا يستفيد إطلاقا من عرض محاسن المعترضين على الرسالة الإسلامية، بل إن كل مصلحته تكمن في انتقاصهم واحتقارهم وتبيين مساوئهم ونقدهم، وهو حال أي إنسان طبيعي؛ التقليل من خصمه واحتقاره. لكن القرآن منصف؛ يتحرى الدقة في أوصافه، ولا يعمم على الكل مغفلا البعض وإن كانوا قلة... يذكر الحقيقة كما هي، فإن كانت هناك محاسن ذكرها دون بأس!

لاحظوا بهذه الآية كيف يصف لنا القرآن قصة سحرة فرعون: (قَالَ أَلْقُوا ۖ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) (اﻷعراف 116). تخيل أن أحد المنتصرين جاء ليروي قصة انتصاره فإن المتوقع أن يأتي معتزا بنفسه مستعظما عمله مستصغر خصمه، وهذه عادة المنتصرين، لكن القرآن منصف ويروي القصة بمصداقية عالية لدرجة أنه يصف بوضوح وصراحة أن الخصم جاء بسحر عظيم ومبهر فقد سحر أعين الناس...

حتى حين ذكر الخمر الذي حرمه ذكر حسناته وأن فيه من المنافع: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (البقرة 219).

وهكذا يُعلم القرآن الإنسان أن يكون صادقًا عادلًا متفاديا لأهوائه ونزواته، يضع الحقائق في محلها دون تحريف أو تزييف... فلا تجعل كرهك لشخص أو شيء ما سببًا في إنكار حسناته في غمرة بغضائك!



  رد مع اقتباس