تحياتي لك مجددا، أعلم بالطبع أنك تقصد المدارس الفلسفية و لكن المهم عندي أن القاعدة الذهبية موجودة في ضمائر جميع البشر و يمكن تسمية الأخلاق المؤسسة عليها بالأخلاق الطبيعية، و هذا لا ينفصل عن رؤيتي أن البشر يدركون الصحيح و الخاطئ بضمائرهم و لا يحتاجون إلى فلسفة أخلاقية، و أنا فقط أقدم تأصيلا فلسفيا للتصور الأخلاقي الذي يملكه البشر سلفا. و دافعي الحقيقي ليس الرد على الدين بل الرد على منكري الأخلاق.
و على جنب أرجو أن تذكر لي أي المدارس متقاربة مع فكرتي كي أطلع عليها فيما بعد.
قبل أن أباشر مناقشة نقاطك لابد من تأصيل منهجي لإنهاء الخلط الذي هو سبب كثير من خلافنا :
يجب التفريق بين "مفهوم الأخلاق" و بين "تطبيق الأخلاق" ، مفهوم الأخلاق هو إثبات الخير و الشر و معيار التفريق بينهما و هو متعلق بالإلزام. تطبيق الأخلاق هو البحث عما يدفعنا لفعل الخير و ترك الشر و هو متعلق بالدافع. و أنا واضح منذ البداية في أن الإلتزام بالأخلاق هو التزام ذاتي أبدا و دائما، فالعقل يلزمك بمعيار محدد للخير و الشر و لكن لا شيء يلزمك بالتطبيق إلا رغبتك في أن تكون شخصا جيدا. لكن المتدينين يتهموننا بأننا لا نملك معيارا للخير و الشر أساسا و هو ما رددنا عليه هنا، فالخلاف الأساسي في مفهوم الأخلاق و ليس في تطبيقها. و الآن أنا أطالبك بجواب واضح على هذا السؤال : هل تسلم لي بأني قدمت هنا مفهوما ملزما فكريا للأخلاق ؟ ثم ننتقل لمناقشة التطبيق.
و الآن أجيب اعتراضاتك :
- تقول "فانت جعلت الرغبه هي الالزام، و في علم الأخلاق هناك فرق بين الالزام و بين الدوافع بل يأتي بحث الالزام في البدايه و الدوافع بعد ذلك، ثم تقول أن الالزام فكري و واضح الفرق بين الفكر العقلي و بين الرغبات، فانت جعلت الالزام بالرغبه لا بالفكر ثم تقول الان إن الالزام فكري ؟!"
الجواب : أنا جعلت الإلزام الفكري في مفهوم الأخلاق، أما الرغبة ففي تطبيق الأخلاق و الذي لا ينفصل عن الدافع. التناقض غير موجود و هو ناتج عن الخلط. ثم ما هو الفرق حسب مفهومك بين الدافع و الإلزام العملي ؟ إن كان الإلزام العملي هو الخوف من العقاب و الطمع في الثواب فهذا داخل في الرغبة!
- مسألة الإلزام العملي : واضح أنك لم تفهم قصدي هنا، لا أنفي بالطبع وجود إلزام عملي في القانون و في العقاب الإلهي و لكن الفكرة هنا أن هذا ليس إلزاما أخلاقيا من الأساس بل إلزام سلطوي، و هو لا يندرج تحت مبحث الأخلاق أساسا بل تحت مبحث السياسة و إدارة المجتمع. إن لم يكن الإلتزام بتطبيق الأخلاق ذاتيا فهو ليس أخلاقيا بل مصلحيا بحتا!
و هنا تعترض و تقول : إن كانت الأخلاق مبنية على تجنب الأذى فلم تنكر أخلاقية السلوك القائم على الخوف و الطمع ؟
و هذا خلط آخر منك و اجتزاء لفكرتي، فأنا استخدمت تجنب الأذى كمحدد لمفهوم الخير و ليس كمعيار، المعيار هو الاكتراث للآخرين. لا شك أن المصلحة الناتجة عن الخوف و الطمع هي خير لصاحبها و لكنه لا يريد الخير إلا لنفسه ولا يهمه الآخرون إلا بصورة ثانوية. هذه أنانية و ليست أخلاقا.
من جهة أخرى كيف توفق بين ربطك للأخلاق بحرية الإرادة و بين الإلزام العملي السلطوي ؟ أين حرية الإرادة عندما تكون مقيدا بعقوبة ؟
و قد قلت أن الإلزام العملي لا ينحصر في الجزاء و أظنني افهم ما اقصده، فهناك مؤمنون يقولون أنهم يلتزمون بأوامر الله حبا له لا طمعا ولا خوفا، و لكن هنا يؤول الموضوع إلى العاطفة و الرغبة التي أنكرت دورها. فما الفرق بين حب الله أو حب الخير لذاته أو حب الإنسانية أو حب الوالدين و الالتزام بتربيتهما..الخ فكل هذه عوامل صالحة للإلزام العملي بهذا المفهوم.
|