هرة يحبها أحمد مؤبدا - بقلم صديقى احمد بن تحتمس
هرة يحبها احمد مؤبدا 1
استيقظ احمد من نومه متلهفا على الحديث معها. انه المصرى العذراوى السبتمبرى العاشق الثلاثينى لهذه الناضجة السورية المتزوجة وذات العيال الحوتية المارسية الاربعينية التى التقاها بالفيسبوك. هرة يحبها احمد مؤبدا.. او هدوء الياسمين الاسطورى المبارك.. قطة سوريا وسائر المشرق.
لقد تطابقت ميولهما التنويرية والعلمانية واللادينية جدا. فى حواراتهما التى دامت لسنوات. واعجب بروحها الحلوة وانوثتها الطاغية فى لسانها وكلامها وملامحها وابتسامتها وبدنها. لكن كان يمنعه من تحقيق حلمه بالاقتران بها. انها متزوجة وتحب زوجها. وبعد المسافة بين مصر وسوريا او بين كسله وارادته. راها اما له واختا كبرى وحبيبة فى ان واحد. يحبها رومانسيا جدا وانسانيا ويشتهيها جسديا جدا ايضا.
ذات يوم وهو يمر فى سور الازبكية بحثا عن بعض الكتب. عثر على كتاب عن السفر عبر الزمن ووسائله. كان كتابا غريبا ونادرا. لم يسمع يوما ان السفر عبر الزمن قد تحقق بالفعل. فاصل فى الثمن مع البائع صديقه. واخذه بثمن كبير رغم المفاصلة. قال له انه كتاب عجيب ونادر ومجرب وعليه الا يعطيه لايدى غير امينة. وطالبه ان يقرا او يتلو القسم فى اول الكتاب ويعاهد الاب الكونى واسرته على الوفاء بالعهد والا عوقب بشدة.
انتاب احمد مزيج من الفضول والخوف مما قاله البائع والتعليمات التى لقنها له. عاد بالكتاب المجلد القديم الى منزله. والقى التحية على امه التى يحيا معها بمفردهما. جلس فى غرفته امام مكتبه وحوله تدور مكتبته الواسعة الشاسعة. وامسك بالكتاب يتفحصه. كان مقفلا الان. ما الذى اقفله. كأن الجلد ملتحم بالورق فى مستطيل او متوازى مستطيلات واحد. لمسه بحنان وفكر فيها. فبدا الجلد ينحسر وينفك الالتحام ويظهر جانب الورق .. عجيب .. فتح الكتاب العجائبى وقرا. قضى يومه كله يقراه بتركيز. مر على طرق كثيرة للسفر عبر الزمن لكنها تحتاج لتصنيع ادوات هندسية او فلكية خاصة. ليس لديه قطع غيارها ولا يعرف اصلا كيفية تركيبها. تحتاج الى مهندس او ما شابه. لكنه توقف اخيرا عند طريقة بالتركيز والايحاء والتنويم المغناطيسى الذاتى. تشبه جدا ما فعله كريستوفر ريف فى فيلم صمهوير إن تايم. قرا الطريقة بكل تفاصيلها ولم يصدق انها بهذه السهولة ودون حاجة لالات ولا ادوات. فقط تحتاج لصفاء ذهنى وتركيز عقلى بحت. فاذا ركز جيدا فى العصر الذى يريد العودة اليه بالمكان واليوم والساعة. واغمض عينيه. سرعان ما ينتقل بجسده وروحه وكل كيانه الى هذا العصر بالمكان والوقت واليوم والساعة بالضبط كما اراد. قرر ان يعود الى عام 1974 عام ميلاد حبيبته الحسناء وقبل ولادته هو بسبع سنوات فقط ليرى قصتها من بدايتها. او لعله يعود الى بعدها بعشر سنوات حين كانت طفلة ليشترى لها بعض البونبون والحلوى ويبقى معها يوما او يومين. او حين تزوجت فى التسعينات. يريد ان يرى صندوق مجوهراتها واقراطها الذهبية والمجوهرة واساور يدها وذراعها وخلاخيلها. يريد ان يعيش كل مراحل حياتها ويراها ويلتقيها فيها.
لعلهما عشاق ومتزوجين فى كوكب او كون موازيين. او زمن مضى او زمن لاحق. ما يعلمه ان روحه ملتصقة بروحها منذ القديم لعل ذلك من الاف السنين. لعلهما عشاق ومتزوجين فى حياة سابقة تناسخية. كم يتمنى لو روحها وبدنها ينقسمان ويلدان نسخة له كما نسختها التى مع زوجها واولادها.
ولكنه الان قرر ان يركز ليذهب اليها وهى شابة فى ضيعتها المليئة بالينابيع قبل ان تتزوج. ركز بعينيه مغمضتين وبعقله وبدا يتكلم كلمات الايحاء. ليعود اليها وهى شابة فى 1994 قبل زواجها. فتح عينيه ولفحه الهواء العليل ووجد نفسه وسط حقل قمح وشعير. والساعة متاخرة بالثانية صباحا. راها مقبلة مع اسرتها لتقوم بالحصاد. ترتدى كنزة وبنطال جينز. جميلة جدا جمالها براق ووجهها البسام الذى عرفه وهى اربعينية كان رائعا وهى عشرينية تماما مثل روعته بالعصر الحالى. كم يود لو يذهب فيقبل خدها وهى وسط اهلها. بل ويخطفها ممسكا بيدها ويركضان معا مبتعدين عن اهلها وليكن ما يكون. يود لو ينتحى بها جانبا ويجلسان تحت تلك الشجرة الضخمة الجذع جدا والكثيفة الاوراق. تجلس "هرة يحبها احمد مؤبدا" او "هدوء الياسمين الاسطورى المبارك" حافية القدمين ببساطة وكسل جواره. يتناجيان بمشاعر الحب.
كل هذا دار بخلد احمد. وهو يراها قادمة مع اهلها من منزلها البعيد بكيلومترين عن ارضها وحقلها. والقمر البدر ليلة تمامه قد اضاء وجهها بشدة وتوحد معها. فاصبحت بدر الارض كما انه بدر السماء. ذلك البياض العجيب فيها كم يعشقه ويهيم به. نطق دون ان يشعر: كم احبك يا ماما. يا اختى. يا حبيبتى. يا زوجتى... حين احببتك كتب حبى لك قسيمة زواج بينى وبينك. لا يهم ان نلتقى بالحاضر او الواقع. لا يهم ان تتركى زوجك او اولادك او اسرتك من اجلى. ولا افرض عليك ايا من ذلك. لكننا متزوجين بالفعل بتوقيع حبى لك.
تنهد احمد واختبا خلف شجرة يراقب هرته الحمصية الطرطوسية الهرة التى يحبها احمد مؤبدا. ويستمتع بهدوئها وطيبتها .. هدوء الياسمين الاسطورى المبارك. جلس على الارض المعشوشبة يراقبها وهى تغنى اغانى الريف السورى.. وتحصد بالمنجل سيقان القمح والشعير.. انهم يعملون منذ ما بعد منتصف الليل وحتى التاسعة صباحا. ظل واقفا يراقبها وهى تحصد المحصولين مع اهلها. لا يمل. والهواء الصيفى يلفح وجهه. كم يود لو يقترب منها ويمرر يده على شعرها وظهرها بحنان وهى تفعل ما تفعله. او يمسك يدها اليسرى حين لا تعمل بها شيئا احيانا. او يضع خده على خدها ويشم عبق شعرها ويتامل عن قرب الملتحم جمال وجهها الهادئ الياسمينى الاسطورى المبارك. ولكن يستحيل ان يستطيع فعل ذلك وهى لا تفارق اهلها ابدا وهم من حولها. ليتها تشرد عنهم بعيدا قليلا لعله يتسنى له حينها ان يكلمها ويتقرب منها ويعبر لها عن حبه وشوقه.
نعس قليلا ثم استيقظ عند الفجر. فوجد الاخرين قد ناموا قليلا. وهى جالسة وسطهم تتامل السماء بفضول شديد. تحب الفلك مثله. نظر حيث تنظر فوجد زحل والمشترى والزهرة كنجوم صغيرة فى السماء. ثم نظر فراى كوكبة العذراء وكوكبة الميزان وكوكبة العقرب. وراى عيون غرام "هرته التى يحبها احمد مؤبدا". او "هدوء الياسمين الاسطورى المبارك". معلقة بالبدر. يا لشبابها وبراءتها وبساطتها. كم هى جميلة وحلوة بيضاء كالقشدة.
وجدها قد نهضت من بيت اهلها. وقررت الوقوف عند تبة قريبة معشوشبة. وجلست تحت شجرة ضخمة الجذع هناك. شعر بانها فرصته. اقترب منها والقى عليها التحية وجلس. فزعت وقالت بلهجتها السورية الحلوة. من انت ؟. قال: اسمى احمد. قالت: وماذا تفعل هنا. ثم لهجتك. هل انت مصرى. قال: نعم. انا اعرفك ولكنك لا تعرفينى. لعلك عرفتنى فى كون موازى او كنا زوجين عاشقين. لعل.. لا بالتاكيد نحن زوجان عاشقان فى ارض موازية او كون موازى يا عزيزى. لعلك ستعرفيننى فى المستقبل. لعلنا رفعنا او سنرفع على يد الهة الاوليمب او عين شمس او الاقصر او اثينا او اسكندنافيا الى السماء لنصبح نجمتين اضخم من الشمس مئات المرات ونبعد عن الارض مئات السنين الضوئية. ما يدريك يا غرام.
نظرت اليه بوجهها البسام الطيب الودود وقالت بدهشة. ومن اين تعرف اسمى ؟ مد يده وسلمها مظروفا يحوى رسالة وملفوف باناقة بشريط ساتان. قال: لا تقرايه الا فى بيتك ووحدك. ثم قبل خدها وشفتها. وانحنى ليقبل يدها وقدمها. استغربت مما يفعل. ولكن شئ ما منعها من شتمه او ابعاده. تلقت القبلات فى صمت. ووجدته يعانقها ويضمها ويشمها ويبكى متهدجا لمدة طويلة لا تدرى كم بقيت فى حضنه لعله عشر دقائق او نصف ساعة حتى ثم نهض وانصرف. نادت عليه. انتظر لم اعرف اسمك. من انت.
قال بابتسامة حزينة وهو يبتعد. انا هو.
ابتعد كأن لم يكن.
اختبأ احمد على مبعدة من غرام التى عادت الى اسرتها بعدما بقيت تهضم ما فعله وقاله فى حيرة لمدة طويلة. استيقظ اهلها واكملوا الحصاد ووضعوا المحصود فى المخزن الغلالى. وفى التاسعة صباحا ككل يوم انصرفوا الى منزلهم. تتبعهم احمد دون ان يلاحظه او تلاحظه غرام التى كانت تسير بطريقة مختلفة الان. كانت تسير فى الثانية بعد منتصف الليل. بطريقة عادية ملولة وربما حزينة. الان تسير فى سعادة ودلال انثوى غريب. وجذل. كانت تتحسس من ان لاخر جيب بنطالها الجينز فى حنان. اذن هنا خبات رسالته.
وصلوا الضيعة اخيرا وعرف احمد منزلها. انتظر بعض الوقت ثم نظر من نافذة المنزل فوجدهم جالسين يتناولون الفطور معا. كانت غرام تضحك وتثرثر وتتناول الطعام بنهم. لقد بعث فيها روحا جديدة. كشف جانب المراة الجذلة المرغوبة من تحت الطبقة الباردة الخامدة الاولى فيها او عليها.
انتهوا من تناول الفطور. ودخلوا ليناموا. اسرع احمد يتتبع حبيبة قلبه غرام من النوافذ. حتى وجدها دخلت غرفة بالدور الارضى قريبة من الفسحة السماوية ذات الفسقية التى تناول فيها اهلها الفطور. التف حول المنزل الى جانبه الاخر ووجد نافذة غرفة غرام اخيرا. نظر بحذر. سمع مواء هررة صغيرة وامهن. اولادها اولاد غرام. هرة تربى هرة واولاد هرة. قالت غرام. كيف حالكن اليوم. اشتقتن لى. كم احبكن يا جميلات. ساحكى لك اليوم يا امهن عن هذا الشاب المصرى الوسيم الابيض الممتلئ الذى التقانى اليوم فى ارضنا خلال نوم اهلى مستريحين قليلا من عمل الحصاد. كم هو وسيم ولطيف ووضئ. قال احمد فى نفسه. بل انت الفاتنة الوضيئة البسامة لقد كنت تجلسين وسط اهلك وانتم تتناولون فطوركم. وكنت تلمعين ببريق غير عادى عجيب كأنك الشمس او نجم قلب العقرب. او احدى شموس كوكبة الجبار. او القمر او الزهرة يا غروم يا حلوة. وهم من حولك فضاء اسود خاو.
شاهد احمد غرام وهى تطعم قططها. وانصرفت القطط خارج الغرفة بعد احساسهم بالشبع. واخذت غرام تبدل ثيابها. حتى صارت عارية وحافية تماما. كانت فاتنة البدن مثل تماثيل برنينى او كانوفا. او مثل لوحات روبنز. تاملت بدنها فى المرآة مطولا. تتلمسه فى حنان وحب. وتسترجع قبلات هذا الشاب المجهول لها. تناولت بعض اقراطها واساورها وخلاخيلها وارتدتها. ثم ارتدت ثوب نوم بحمالات كومبليزون قصير اسود اللون ساتان له كرانيش دانتيل. كانت تدويرة عجيزتها النصف عارية شديدة الاغراء والنصوع. وساقاها مكشوفتان وكذلك ذراعاها وبداية صدرها. استلقت الهرة التى يحبها احمد مؤبدا. على الفراش. وتناولت من مكتبتها المجاورة للفراش احدى رواياتها وكتبها المفضلة وفتحته وبدات تقرا. كم كان احمد يود لو يدخل الغرفة ويستلقى جوارها يضمها ويقبلها ويقبل مجوهراتها وحليها التى ترتديها. اخفت غرام الخطاب الذى اعطاه لها فى طيات الكومودينو جوارها تحت بعض جواربها الطويلة وسوتياناتها. بعدما تشممته وتحسسته. قررت الا تقراه بل ستدخره للمستقبل لعله يزورها ويعطيها غيره. ما جدوى ان تقراه وتتعلق به وهو وهم وخيال. وهى واقعية بطبعها. لو ارادها فليتقدم لها ماذا يمنعه. او لعله يتسلى. لولا الخطاب لقالت انه وهم بالفعل تخيلته خلال الفجر. روح الحقل ربما او روح حفيد تحتمس الثالث.
|