المسلمون يعتقدون ان الله منزه عن الجسميۃ
و هذا معتقد كل الفرق الاسلاميۃالا فرقۃ المجسمۃ الظاهريۃ من الحنابلۃ
اما الاستواء علي العرش فهو كنايۃ
و الاستواء ليس بمعنى الجلوس، ولو استعمل في مورده فإنّما هو لأجل تضمّنه معنى الاستواء، إذ معناه الحقيقي التمكّن التام والاستيلاء الكامل، يقول سبحانه (فإذا اسْتَوَيْتَ أنتَ وَمَنْ مَعَكَ فَقُلِ الحَمْدُللهِ الذِي نَجّانا مِنَ الْقَومِ الظالِمينَ) أي إذا تمكّنت في مكانك.
ويقول سبحانه (كَزَرْع أخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرّاع) أي تمكّن الزرع واستقام
وقال سبحانه في حقّ موسى(عليه السلام): (وَلمّا بَلَغَ أشُدَّهُ واستَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ). فالاستواء في هذه الآيات بمعنى التمكّن
يقول العلامۃ جعفر السبحاني ..
وقد اتّفقت كلمة اللغويّين على أنّ من معاني العرش سرير المَلك، وربّما كنّي به عن مقام السلطنة، قال الراغب في «المفردات»: العرش في الأصل شيء مسقّف، وجمعه عروش، قال: (وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا)... وسُمّي مجلس السلطان عرشاً اعتباراً لعلوّه
ولمّا كان سبحانه منزّهاً عن مشابهة مخلوقاته في الذات والصفات والأفعال، فلابدّ أن يكون المراد من (الاستواء على العرش) أمر آخر له صلة بتدبير أمر السماوات والأرض، فالجملة كناية عن أنّه بعدما خلق السماوات والأرض تمكّن تمكّناً تامّاً من تدبيره وإدارته. دون أن يكون مغلوباً في تدبير ما خلق، ويدلّ على ما ذكرنا من أنّه كناية عن استيلائه على عرش إدارة العالم أُمور:
1. أنّ الفقرة جاءت في غير واحدة من الآيات في ثنايا الكلام حول خلق العالم وتدبيره، يقول سبحانه:
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّام ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَات بِأَمْرِهِ
أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).
ويقول سبحانه: (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَل مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ)
ترى أنّه سبحانه في سورة الأعراف يخبر قبل هذه الفقرة وبعدها عن الأُمور الكونية نظير خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وأنّ الليل يغشي النهار، وأنّ الشمس والقمر والنجوم مسخّرات بأمره، ويخبر في سورة الرعد عن رفع السماوات بغير عمد ترونها، ففي ثنايا هذه الإخبارات يقول: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، فهو قرينة على أنّ الفقرة راجعة إلى أمر كوني كسائر الفقرات، ويكون معناه: أنّه سبحانه مع قيامه بهذه الأُمور مستول على العرش، أي عالَم الملكوت والأرواح وعالم الناسوت والأجرام، فالجميع في قبضة قدرته بتدبيره، ولا يخرج شيء عن محيط تدبيره وقدرته.
2. أنّه سبحانه في سورة الرعد بعد ما يخبر عن الأُمور الكونية، يضيف: (يُدَبِّرُ الأَمْرَ)، فإنّ ذلك قرينة على أنّ المراد استيلاؤه سبحانه على العرش الذي هو صفحة الوجود من عالم الأرواح إلى عالم الناسوت، فالجميع يدبَّر بتدبيره.
3. لو قمنا بتفسير الفقرة بجلوسه سبحانه على السرير لزم الإخبار عن أمر لا صلة له بما قبله ولا بما بعده، بل يكون معنىً مبتذلاً غير لائق بكونه وارداً في الذكر الحكيم.
4. أنّ قوله في سورة الأعراف (الاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) تفسير لقوله: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ): أي أنّه يملك الكون ويدبّر أمره.
كما أنّ قوله: (يُدَبِّرُ الأَمْرَ) في سورة الرعد يفسّر نفس الفقرة، وإنّما عبّر سبحانه عن ملكه وتدبيره بالاستواء على العرش; لأنّ المَلك يستولي على مملكته ويدبّرها إذا كان على عرشه، فجاءت الجملة كناية عن ذلك المعنى.
5. يرشدك إلى هذا المعنى قول الشاعر:
إذا ما بنو مروان ثُلّت عروشهم *** وأودت كما أودت إيادٌ وحِميَرُ
فالمراد من ثَلّ عروشهم هو زوال قدرتهم، وانتهاء سلطانهم، وانهدام ملكهم مع إمكان بقاء نفس العرش الذي كانوا يجلسون عليه عند تدبير البلد
فخرجنا بالنتيجة التالية: أنّ الفقرة: إمّا كناية عن استيلائه على عالم الكون مـن مجـرّده ومـادّيّه وملكـوته وملكـه، وأنّـه ليس للعرش مصداق خارجي; أو أنّ العرش عبارة عن صحيفة الوجود، أعنـي: ما سوى الله سبحانه، فهو مستول على ذلك العرش الكبير منذ خلقـه الله إلى أن يرث الأرض وما فيها. فعلى التفسير الثاني يكون لتفسير العـرش واقعيـة خارجية وهو نفس الكون.
وللسيّد الطباطبائي نظرية ثالثة في العرش أخصّ ممّا ذكرنا من الوجه الثاني، وأوضحها بقوله: إنّ العرش هو المقام الذي يرجع إليه جميع أزمّة
التدابير الإلهية والأحكام الربوبية الجارية في العالم... ولمّا كان كذلك، كانت فيه صور جميع الوقائع بنحو الإجمال حاضرة عند الله، معلومة له، وإلى ذلك يشير قوله تعالى: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا...)، فهذا القول يجري مجرى التفسير للاستواء، فالعرش مقام العلم كما أنّه مقام التدبير العام الذي يسع كلّ شيء... ولذلك هو محفوظ بعد رجوع الخلق إليه تعالى لفصل القضاء، كما في قوله: (وَتَرى الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ)، وموجود مع هذا العالم المشهود، كما يدلّ عليه آيات خلق السماوات والأرض، وموجود قبل هذه الخلقة، كما يدلّ عليه قوله: (وَهُوَ الّذي خَلَقَ السَّمواتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أيّام وَكانَ عَرْشُهُ عَلى الماء)
اما ايات وصف الملائكة فالتفسير الظاهري غير سليم ايضا و كما في تفسير الأمثل ج14: ص10: ( ليس من المستبعد ان يكون المقصود بالاجنحة هنا هو القدرة على الانتقال والتمكن من الفعل بحيث يكون بعضهم افضل من بعض وله القدرة اكبر وعليه فقد ذكرت لهم سلسلة من المراتب بالاجنحة )
|