المعجزة الخفية
في ليلة الإسراء والمعراج جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالبراق، وانطلق به إلى بيت المقدس، ثم عرج به إلى السماء، في معجزة خالدة شاهدة على صدق الرسول الكريم، ولسوء الحظ فقد كان المشركون نيامًا، ولم يحب الرسول إيقاظهم، لفرط رحمته وشفقته بهم، وعندما عاد أخذ يدلل لهم على صدقه وأنه قام بتلك الرحلة العظيمة.
إذا كان الإسراء والمعراج معجزة حقًّا؛ ألم يكن من الأولى والأفضل أن تتم أمام أعين المشركين، وأن يروا الرسول منطلقًا على البراق أمامهم؟
في صحيح مسلم: عَنْ عَامِرٍ قَالَ : سَأَلْتُ عَلْقَمَةَ هَلْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ ؟ قَالَ : فَقَالَ عَلْقَمَةُ : أَنَا سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ ، فَقُلْتُ : هَلْ شَهِدَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ ؟ قَالَ : لَا، وَلَكِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَفَقَدْنَاهُ فَالْتَمَسْنَاهُ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ ، فَقُلْنَا : اسْتُطِيرَ أَوِ اغْتِيلَ !! قَالَ : فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ . فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا هُوَ جَاءٍ مِنْ قِبَلَ حِرَاءٍ قَالَ : فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَدْنَاكَ فَطَلَبْنَاكَ فَلَمْ نَجِدْكَ ، فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ . فَقَالَ : أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ . قَالَ : فَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ ، وَسَأَلُوهُ الزَّادَ فَقَالَ : لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ، يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا . وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ
بغض النظر عن أن هذا الحديث يبين لنا الحكمة العظيمة من النهي عن الاستنجاء بالعظم والبعر (البعر هو رجيع بعض أنواع الدواب) [أي لولا استفادة الجن منه لجاز الاستنجاء بالرجيع عادي]، المهم؛ لم يشهد أحد الصحابة الجن مع الرسول، الرسول أراهم فقط آثار الجن والنار، ألم يكن من الأفضل والأولى والأكثر تثبيتًا لقلوب المؤمنين أن يروا الجن؟
كان جبريل يأتي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في صورة دحية الكلبي، وكأن الله بقدرته اللامتناهية وجبريل بإمكاناته الخارقة لم يجدا لجبريل صورة يأتي فيها إلى النبي بحيث يراه الصحابة أيضًا سوى صورة رجل معروف لدى الصحابة هو دحية، بحيث إذا رأيت دحية في أي مكان يكون من الواجب عليك أن تسأل نفسك هل هذا هو دحية أم جبريل في صورة دحية (احتمال أن يكون هو دحية فقط في كل الحالات وليس هناك جبريل أصلا احتمال غير معقول طبعًا):
ففي البخاري ومسلم: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ : أُنْبِئْتُ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ ، فَجَعَلَ يَتَحَدَّثُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ سَلَمَةَ : مَنْ هَذَا ، أَوْ كَمَا قَالَ ، قَالَتْ : هَذَا دِحْيَةُ ، فَلَمَّا قَامَ ، قَالَتْ : وَاللهِ مَا حَسِبْتُهُ إِلَّا إِيَّاهُ ، حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُ خَبَرَ جِبْرِيلَ.
وفي مصنف عبد الرزاق: وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ بِمَجَالِسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَقَالَ : " هَلْ مَرَّ بِكُمْ مِنْ أَحَدٍ ؟ " فَقَالُوا : نَعَمْ ، مَرَّ عَلَيْنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ تَحْتَهُ قَطِيفَةُ دِيبَاجٍ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْسَ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ جِبْرِيلُ ، أُرْسِلَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ لِيُزَلْزِلَ حُصُونَهُمْ ، وَيَقْذِفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ"
أرسل ليزلزل حصونهم على بغلة؟! ما حكاية النبي مع البغال؟؟!
إلى هذا الحد كان الرسول مولعا بالبحث عن معجزة!
|