وبحسب نظرية "الانفجار الكبير" Big Bang يُعَدُّ كوكب الأرض، مثلا، هو أبعد جسم كوني عن كوكب الأرض، فلو أنَّكَ أطْلَقْتَ شعاعا من الضوء من كوكب الأرض، فإنَّ هذا الشعاع (على افتراض أنَّه ظل يسير بـ "خط مستقيم" بحسب معنى "المستقيم" في نظرية "النسبية" لآينشتاين) لا بد له، نظريا، من أن يعود، في آخر المطاف، إلى النقطة التي انطلق منها، أي إلى كوكب الأرض، قاطعاً، بالتالي، مسافةً هي الأطول في الكون. إنَّ الأبْعَد عنكَ (في الكون) هو أنتَ ذاتكَ.
مهما تمدَّد "بحر" الفضاء واتَّسع، ومهما تباعدت، بالتالي، "الجُزُر الكونية"، أي الأجزاء الكونية الأساسية، فإنَّ كوكب الأرض، في مثالنا ذاك، لن يسير أبدا بسرعة تفوق سرعة شعاع الضوء ذاك.
كل جزء من أجزاء الكون، أكان في منتهى الصِغَر أم في منتهى الكِبَر، يمكنه وينبغي له أن يؤثِّر، وأن يتأثَّر، بغيره، عَبَر إطلاقه، أو امتصاصه، لـ "الجسيمات حاملة القوة".
لِنَتَخيَّل أنَّ جسما كونيا (نجم مثلا) هو الجسم A قد نشأ "الآن"، وأنَّ الجسم الكوني B والذي يسير مبتعدا عن الجسم A بسرعة أقل قليلا من سرعة الضوء (لاستحالة أن يسير بسرعة تعدل أو تفوق سرعة الضوء) كان يبعد عن الجسم A عند نشوئه ملايين أو مليارات السنين الضوئية.
الجسم A ومُذْ نشأ لا بد له من أن يُطْلِق "قذائف" نحو الجسم B. هذه "القذائف"، والتي هي كناية عن "جسيمات حاملة للقوة"، لا بد لها، في نهاية المطاف، من أن تصل إلى الجسم B وتصيبه، فالجسم B مهما كان بعيدا عن الجسم A ومهما ابتعد ومهما كانت سرعة ابتعاده (التي يجب أن تظل دائما أقل ولو قليلا جدا من سرعة الضوء) يجب أن تصل إليه، وأن تصيبه، تلك "القذائف" مهما طال زمن رحلتها إليه، على أن تكون تلك "القذائف" جسيمات ليس لها "كتلة" Massless وتسير، بالتالي، بسرعة الضوء.
تخيَّل أنَّكَ من موضعكَ الساكن، أو المتحرِّك، تُطْلِقُ رصاصة نحو جسم (أكان قريبا منكَ أم بعيدا عنكَ) يبتعد عنكَ بسرعة تفوق سرعة الرصاصة التي أطلقتها نحوه. رصاصتكَ هذه لن تصل إليه، ولن تصيبه، أبدا. تأثُّر هذا الجسم برصاصتكَ إنَّما يستلزم أن تكون سرعة ابتعاده عنكَ أقل، دائما، من سرعة رصاصتكَ. وهذه الرصاصة إنَّما هي كناية عن "الجسيمات حاملة القوة"، التي ليس لها "كتلة".
إنَّ كل ما له "كتلة" في هذا الكون يجب أن تكون سرعته أقل، دائما، من سرعة الضوء حتى تتمكَّن "الجسيمات حاملة القوة"، التي ليس لها "كتلة"، من الوصول إليه، وإصابته، أي التأثير فيه، مهما كان مَصْدرها بعيدا (ويُبْعِدُ) عنه.
بفضل "الجسيمات حاملة القوة" التي ليس لها "كتلة"، والتي هي أسرع من أي شيء في الكون له "كتلة"، تتبادل التأثير كل أجزاء الكون، مهما كانت صغيرة، ومهما كانت كبيرة. مهما كانت قريبة، ومهما كانت بعيدة. مهما تقاربت، ومهما تباعدت. مهما كانت بطيئة، ومهما كانت سريعة.
في الكون، لا يفصل بين "المؤثِّر" و"المتأثِّر" إلا هذا الذي به، وعبره، يتَّحدان. وهذا الذي يفصل ويوحِّد بينهما إنَّما هو "الفضاء (أو الفراغ)". وهذا الفضاء إنَّما يشبه مجرى نهر، يجري فيه "الماء"، أي "الجسيمات الحاملة القوة"، من منبعه في الجسم "المؤثِّر" إلى مصبِّه في الجسم "المتأثِّر".
وليس من شيء في الكون، مهما صَغُر، أو مهما كَبُر، في مقدوره أن يمنع منعا مطلقا إرسال "جسيمات حاملة للقوة"، أو أن يمتنع امتناعا مطلقا عن استقبال "جسيمات حاملة للقوة".
حتى "الثقب الأسود"، أو "النيوترين"، وبخلاف ما يظن ويعتقد بعض العلماء، لا يشذ عن هذا القانون الفيزيائي الكوني. ليس من شيء في الكون يملك قوة تسمح له بأن يمنع منعا مطلقا "جسيمات حاملة للقوة" من الخروج منه، أو من الدخول إليه.
كل مادة لها "كتلة"، أي كل جسم، أو جسيم له "كتلة"، لا يمكنه أبدا أن يسير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية. الجسيمات التي ليس له "كتلة"، كالفوتون هي وحدها التي تسير بمثل هذه السرعة.
وتفاعل المادة، في جزء مهم منه، ليس سوى تبادلها للجسيمات التي ليس لها كتلة، والتي تسير بسرعة الضوء، وتَحْمِل، أو تَنْقُل، "القوة". إنَّ "الجسيمات الحاملة للقوة"، بعضها له "كتلة"، وكتلة كبيرة، وبعضها ليس له "كتلة".
عبر الفضاء، أو الفراغ، يؤثِّر جسم في جسم، أو جسيم في جسيم. عبره تتبادل الأجسام والجسيمات التأثير.
إننا نرى، مثلا، أنَّ الجسم، أو الجسيم، B قد اختلف وتغيَّر. ونرى أنَّ الجسم، أو الجسيم، A والذي بينه وبين الجسم، أو الجسيم، B فضاء أو فراغ هو الذي أثَّر في الجسم، أو الجسيم، B فجعله يختلف ويتغيَّر.
ونقول، في لغة الفيزياء، إنَّ الجسم، أو الجسيم، B قد اختلف وتغيَّر إذ تأثَّر بـ "قوة" Force مَصْدَرها الجسم، أو الجسيم، A. وهذا "التأثير" إنَّما انتقل عبر الفضاء، أو الفراغ، من "المؤثِّر" A إلى "المتأثِّر" B.
ولكن "التأثير" لا يمكنه أن ينتقل عبر الفضاء، أو الفراغ، إلا بـ "ناقل". وهذا "الناقل" هو "الجسيمات حاملة (أو ناقلة) القوة" Force Carrier Particles.
إننا نرى "التفاعل"، أو "التأثير المتبادل"، بين جسمين، أو جسيمين، من غير أن يتلامسا أو يتماسا. إننا، وعلى سبيل المثال، نرى مغناطيسان يتجاذبان أو يتنافران من غير أن يتلامسا أو يتماسا.
"الجسيم الحامل للقوة" يمكن تشبيهه بـ "كرة (لا نقدر أن نراها)" يتقاذف بها لاعبان. أحد اللاعبين (أي الجسم أو الجسيم) يقذف بـ "الكرة غير المرئية"، فتسير في الفضاء، أو الفراغ، بين اللاعبين، ثمَّ يتلقَّفها الآخر.
اللاعب الذي قذف بالكرة لا يمكنه أن يقذف بها من غير أن يتأثَّر، أي من غير أن يختلف ويتغيَّر. واللاعب الذي تلقَّفها لا يمكنه أن يتلقَّفها من غير أن يتأثَّر، أي من غير أن يختلف ويتغيَّر.
"عَيْن" الفيزياء لا ترى تلك الكرة، أي "الجسيم الحامل للقوة"؛ ولكنها ترى "التأثير" في الذي قذف بها، وفي الذي تلقَّفها.
إنَّ الأجسام، أو الجسيمات، "تتفاعل"، أو "تتبادل التأثير"، من خلال تبادلها "الجسيمات حاملة القوة"، عبر الفضاء أو الفراغ، أي من غير أن تتلامس أو تتماس.
كل جسم، أو جسيم، يُنْتِج أو يستهلك، يُطْلِق أو يمتص، يُرْسِل أو يَسْتقبل، "جسيمات حاملة للقوة". وتختلف "الجسيمات حاملة القوة" في نطاق، أو مجال، عملها، فبعضها يعمل فقط ضمن "دائرة" نصف قطرها متناهٍ في الصِغَر والضآلة.. لا يزيد، مثلا، عن نصف قطر نواة الذرَّة. وبعضها يعمل ضمن "دائرة" نصف قطرها يُقاس بملايين السنين الضوئية.
الإلكترون والبروتون، مثلا، يمكنهما إنتاج أو امتصاص جسيم الفوتون وهو الجسيم الحامل لـ "القوة الكهرومغناطيسية". أمَّا جسيم النيوترين Neutrino فلا يمكنه إنتاج أو امتصاص الفوتون. وهذا ما حَمَل الفيزيائيين على وصفه بأنه جسيم لا يتفاعل.
ولا شك في أنَّ الفيزيائيين سيكتشفون مستقبلا أنَّ النيوترين يتفاعل ويتبادل التأثير مع غيره من مكوِّنات المادة، فليس من جسم، أو جسيم، لا يؤثِّر ولا يتأثَّر في غيره. وإذا كان من سؤال يتحدى الفيزياء أن تجيبه فهذا السؤال إنما هو "كيف يتفاعل النيوترين؟".
يتبع ....
|