|
عضو برونزي
|
حاجة أم رغبة أم إجبار؟!
السلام على الجميع
عزيزي القارئ..
ألا تتفق معي في أن كل فعل يصدر عن فاعل فلا بد وأن له سبب؟ وأن هذا السبب لا يمكن أن يخرج عن كونه حاجة أو رغبة أو إجبار؟
هل من سبب آخر؟
دعنا نأخذ مثالاً للتوضيح:
إذا هممت, عزيزي القارئ, بفعل, كالأكل مثلاً, فإن ذلك الفعل يكون ناتجاً عن واحد أو أكثر من الأسباب الثلاثة التالية:
-الاحتياج: عند شعورك بالجوع أو بالضعف, فيكون جسدك وقتها في حاجة للأكل.
-الرغبة: عند شعورك بالملل, أو رؤيتك لطعام تحبه, فأنت في هذه الحالة تكون راغباً في الأكل, بغض النظر عن كونك تحتاجه أم لا.
-الإجبار: عندما تأكل مجاملة لشخص ما, أو عندما تجبر الأم طفلها على الأكل حتى وإن لم يكن محتاجاً له أو راغباً فيه.
هل من الممكن أن يوجد لدى الفاعل (أنت) أي سبب آخر يجعله يقدم على الفعل (الأكل)؟
خذ وقتك وفكر, وطبق المثال السابق على ما شئت من أفعال ومن شئت من فاعلين..
أو دعني أطرح أنا عليك مثالاً آخر, وليكن هذا المثال على النحو التالي:
-الفعل: خلق الكون
-الفاعل: الله
والآن دعنا نطبق تلك القاعدة معاً ونسأل أنفسنا هذا السؤال: لماذا خلق الله الكون؟
سؤال صعب هو, ومطاط, ومحير, ولكن إن طبقنا عليه القاعدة السابقة, وهو أن لكل فعل سبب أو أكثر, من بين ما ذكرنا من أسباب, لدى الفاعل, لصار السؤال أسهل, أو أكثر تقنيناً على الأقل, ولصار من السهل وضعه في نقاط محددة يسهل الاختيار منها.
هل خلق الله الكون لأنه يحتاجه؟ والكون هذه تشمل كل شيء بالطبع, تشمل الحي وغير الحي, أي تشملني وتشملك, وتشمل كل البشر, فهل خلق الله البشر لأنه في حاجة إليهم؟ لكن هذا يجعل الله ناقصاً غير كامل كما هو مفترض, وكما يقول هو عن نفسه, فالحاجة إلى شيء دليل على النقص, هذا الاحتمال يهدم فكرة الإله الإسلامي, الذي يحتاجه كل شيء ولا يحتاج هو إلى أي شيء, من أساسها.
هل خلق الله الكون لأنه رغب في ذلك؟ رغب فحسب, رغبة دون احتياج, أتدرك معنى الرغبة دون احتياج؟ إن أكلت بغير جوع فأنت تتسلى, إن كان نومك لسبب عدا التعب فهو الملل, إن قرأت كتاباً لغرض بخلاف الدراسة فهو المتعة. لاحظ هنا أنني أتكلم عن السبب في حدوث الفعل وليس عن طبيعة هذا الفعل نفسه, ولا عن النتيجة المترتبة عليه, لا أتكلم عن الخير والشر. يعني لو أخذنا مثالاً على الفعل الخيّر كالصدقة مثلاً, فالسبب وراء الفعل (إعطاء المال) هو الرغبة فحسب, فأنت في عملية الشراء تكون "محتاجاً" لأن تعطي المال كي تأخذ شيئاً في المقابل, ولو أراد أحدهم أخذ مالك تحت تهديد السلاح فأنت "مجبر" على إعطائه له.
وعلى هذا, فلو كان السبب وراء خلق الكون هو رغبة الله, فهذا يعني بالتالي أن كل شيء حدث ويحدث فيه, حدث لأنه رغب ذلك, كل مأساة وكل مجاعة وكل زلزال, كل طفل ولد مشوهاً, أو ولد سليماً فشوهه أحدهم, كل هذا بسبب رغبة الله. لا تحدثني عن الأشياء الجميلة التي حدثت في الكون من فضلك, بل عن كل ما حدث فيه, بخيره وشره, أفيعقل أن يكون وجود أناس مبصرين, عزاء لي إن كنت أعمى؟ تريد أن تثبت لي كرم الله فتعطيني أمثلة لمن رزقهم بغير حساب وأنا بطني تئن من الجوع؟ أيضاً لا تحدثني من منطلق "نحن من فعلنا هذا بأنفسنا" "وذنوبنا هي سبب هلاكنا" فأي ذنب ارتكبه طفل ولد مشوهاً كي يولد على هذه الحال؟ وإن كانت الذنوب هي ذنوب من أنجبوه فما ذنب الطفل؟ كيف أحمّل طفلاً ذنب والديه وأعود لأدعي الرحمة أو الحكمة؟ وأخيراً لا تحدثني عن الاختبار, فسأعود وأطرح عليك نفس مثال الطفل الذي ولد مشوهاً, فليس من الحكمة أن أختبر من ولد تواً, ولا من الرحمة أن أختبر به آخرين.
الخلاصة أن الله يعلم كل ما حدث وكل ما يحدث وما سيحدث من مآسي سواء أكانت المأساة برغبة مباشرة منه, كأن ينزل غضبه على قوم معينين مثلاً, أو نتيجة وتسلسلاً لرغبته في خلق الكون أصلاً, ولا أظنك ستخبرني أنه لم يكن يعلم ما سيؤول إليه الأمر, الله عليم بكل شيء يا أخي. وهذا يجعل الله شريراً أو عابثاً في رأيي, وإن كنت مخطئاً فأعطني أنت تسمية لمن يخلق طفلاً مشوهاً أو أعمى أو بلا أطراف, لمجرد الرغبة, واشرح لي كيف هو أرحم الراحمين مع كل ذلك.
هل خلق الله الكون لأنه مجبر؟ هذا بالطبع يقودنا إلى التساؤل عمن أجبره وكيف. الإجبار يتطلب قوة أكبر أو سلطة أعلى, فمن هذا الذي هو أقوى وأعلى سلطة من الله نفسه؟ وكيف يكون الله وقتها هو القوي الجبار الأحد الفرد الصمد الـ..الـ..؟؟
عزيزي القارئ, اختر لي الإجابة الصحيحة عن سؤال (لماذا خلق الله الكون؟) من بين ما سبق من اختيارات, وإن كنت ترى أن جميعها خاطئة, ففضلاً أخبرنا ما هو الصحيح.
وأود التنويه إلى أن أي إجابة من نوعية (حكمة لا يعلمها إلا هو) أو (لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون) لن تعتبر إجابة حقاً إذ أنها تتطلب التسليم المطلق بدون أي إعمال للعقل, وأنا لا أعترض على مبدأ التسليم فقد كنت مسلماً ومسلّماً من قبل, لكن لا تقنعني من فضلك أن وجود الله أمر منطقي وبديهي و"كل شيء يدل على وجوده سبحانه.." وأن الملحد غبي أو عنيد لأنه لا يدرك أمراً كهذا, فإن سألك الملحد سؤال "بديهي" عن وجود الله "البديهي", قلت له أن الله "البديهي" أعلم, وليس من حقك أن تسأل أصلاً.
|