[إنتروپية غاز]
ما تفعله الثقالة (الجاذبية) للإنتروپية(*****)
يتوقف وصف الإنتروپية بأنها منخفضة أو عالية على الحالة. ويحدّد الفيزيائيون حالة الإنتروپية العالية لنظام ما بناء على الكيفيّة التي يتطور بها النظام مع الزمن. فمثلا، إذا تعرض غاز منتشر وبارد بقدر كاف لسحب الثقالة، فإنه يتكتل. ويستلزم قانون زيادة الإنتروپية عندئذٍ أن يكون للتكتل إنتروپية عالية، مَعَ أنه قد يبدو لأول وهلة أنه منظّم (إنتروپية متدنّية).

قد يبدو من الغريب أن يكون للفضاء الفارغ مثلُ هذه الإنتروپية الضخمة. وهذا يشبه قولنا إن المكتب الذي تسود سطحه ودروجه فوضى لا مثيل لها هو مكتب فارغ تماما. إن الإنتروپية تتطلب حالات ميكروية؛ ولأول وهلة، يبدو أن الفضاء الفارغ لا يتضمن أيا من هذه الحالات. ومَعَ ذلك، فإن الفضاء الفارغ يمتلك في الواقع قدرا كبيرا من الحالات الميكروية؛ وهي الحالات الميكروية الكمومية للثقالة المبنية في نسيج الفضاء. فنحن لا نعلم بعد شيئا عن هذه الحالات، أكثر مما نعرف عن تلك الحالات الميكروية التي تسبب إنتروپية ثقب أسود؛ لكننا نعلم أنه، في كون متسارع، تقترب الإنتروپية داخل الحيّز المرصود من قيمة ثابتة تتناسب مع مِساحة حدوده. إنها حقّا كمية هائلة من الإنتروپية؛ وهي أكبر بكثير من إنتروپية المادة داخل ذلك الحيِّز.
الماضي مقابل المستقبل(******)
السمة المذهلة لهذه القصة هي الاختلاف البيّن بين الماضي والمستقبل. فالكون يبتدئ بحالةٍ من الإنتروپية المتدنّية جدّا؛ تكون الجُسيْمات فيها مرصوصة معا بسلاسة. وهو يتطوّر عبر حالةٍ من الإنتروپية المتوسّطة؛ أي التوزيع غير المنتظم للنجوم والمجرّات التي نراها حولنا اليوم. وفي النهاية، فإنه يبلغ حالة من الإنتروپية العالية؛ وهي فضاءٌ فارغٌ تقريبا، يمثّل فقط الشّرودَ العَرَضِيَّ للجُسيْمات المنخفضة الطاقة.
تُرى، إلامَ يعود هذا الاختلافُ الكبير بين الماضي والمستقبل؟ لا يكفي مجرّد وضع نظريةٍ للشروط الابتدائية تحدّد السبب في أن الكون ابتدأ بإنتروپية متدنية. وكما أشار الفيلسوف <H. پرايس> [من جامعة سيدني]، فإن أي محاججة عقلية تصح في الشروط الابتدائية يجب أن تصلح في الشروط النهائية أيضا؛ وإلاّ، فسنكون قد اقترفتا ذنبَ افتراض الشيء نفسه الذي كنا نحاول إثباته؛ أي إن الماضي كان شيئا خاصّا متميّزا. فإما أن نقبل اللاتماثل العميق للزمن على أنه سمةٌ غير دقيقة للكون تستعصي على التفسير؛ وإما أن نسبرَ بعمقٍ أكبر أدوار الزمان والمكان.
[من «ولادة حرارية» إلى «موت»]
استعادة التماثل للزمن(*******)
وَفْقا للنموذج المعياري لعلم الكوْن، استهل الكونُ وجوده بغازٍ منتظم تقريبا، وسينتهي إلى فضاء فارغ تقريبا؛ باختصار، فإنه ينتقل من إنتروپية متدنية إلى إنتروپية عالية، ويسمّي الفيزيائيون هذه الحالة الأخيرة «موْتا حراريّا». لكن هذا النموذج يُخفق في تفسير نشوء حالة الإنتروپية المتدنّية البدائية. ويضيف نموذجُ مؤلف المقالة حقبة متعلقة بما قبل التاريخ. فقد بدأ الكون فارغا وسينتهي فارغا؛ وظهور النجوم والمجرات هو انحرافٌ مؤقت عن حالته الاتزانية العادية. (هذا الشكل تخطيطي؛ وهو لا يُظْهِرُ أنّ الكون آخذ في التمدّد).

قد حاول كثير من علماء الكسمولوجيا عَزْوَ لاتماثل الزمنِ إلى سيْرورة (عملية) الانتفاخ الكسمولوجي (الكونيّ)(5). فالانتفاخ تفسيرٌ جذّابٌ لكثيرٍ من السماتِ الأساسيّة للكون. وطِبقا لهذه الفكرة، فإن الكون في مراحله المبكّرة جدّا (أو على الأقل جُزءا منه) كان مملوءا ليس بالجُسيْمات، وإنما بنوْع مؤقّت من الطاقة المعتمة كثافته أعلى كثيرا جدّا من كثافة الطاقة المعتمة التي نرصدها اليوم. وهذه الطاقة جعلت توسُّعَ الكون يتسارع بمعدّلٍ خياليٍّ، ومن ثم انقسمت إلى مادةٍ وإشعاعٍ؛ تاركة وراءها كمية قليلة من الطاقة المعتمة التي أصبحت سائدة مرة أُخرى هذه الأيام. وما تبقّى من حكاية الانفجار الأعظم، من الغاز البدائي المنتظم إلى المجرات وما بعدها، يتبع بكلّ بساطة.
كان الدافعُ الأصليّ للانتفاخ توفيرَ تفسيرٍ مُقنع للظروف المواتية في الكون المبكّر؛ خاصة الكثافة المنتظمة إلى حدّ استثنائيّ للمادة في مناطقَ متباعدةٍ كثيرا عن بعضها. فالتسارع الذي تولّده الطاقة المعتمة المؤقّتة يجعل الكون منتظما تماما تقريبا. أما التوزيع السابق للمادة والطاقة فلا عَلاقَة له بالموضوع؛ إذ حالما يبدأ الانتفاخ، فإنه يمحو جميع آثار الظروف التي كانت موجودة سابقا، مخلِّفا كونا مبكّرا حارّا، كثيفا، منتظما.