المرحلة الأولى في الإنتقال من التدين الى الإلحاد غالبا ما تكون صعبة. فالإنسان يدرك فجأة أنه كان يعيش كذبة, و يبدأ في التساؤل حول كل ما كان يسلم به. قد يبدأ بالتساؤل إن كانت أديان أخرى هي الأديان الحقيقية (كالمسيحية مثلا, إن كان مسلما في البدء) و يبحث في إحتمال أنه كان يكذِّب الدين الحقيقي طوال هذه السنين. عموما, فإن الشعور الذي أتاني كان كان أشبه بالتحليق عاليا بعيدا عن كل هذه الأفكار, و كأنني معلق في الهواء, و أدركت أن لي الحرية المطلقة في البحث و الإختيار.
قد يصاب الإنسان أيضا بالإكتئاب و يشعر بانعدام الهدف في حياته, و انعدام المعنى, و قد تراوده أفكار إنتحارية, و هذه ليست إلا نتيجة لتعوده على الأفكار الدينية. فهو كمدمن المخدرات إن ترك المخدر, أحس بعوارض الإنقطاع و بأنه لا يستطيع أن يعيش بدون المخدر.
إن من أكثر الأخطاء شيوعا في التحليل المنطقي هو الخلط بين السبب و النتيجة. إن هذه العدمية التي تتملك الإنسان لم يسببها إلحاده, إنما الإلحاد نفسه أتى نتيجة العدمية المتأصلة في الأديان و الما ورائيات!
يقول نيتشه أن أهم ما علمتنا إياه الأديان هو حب الحقيقة, و لكنه هذا كان بمثابة حكم إعدام أصدرته الأديان على أنفسها, إذ إن حب المعرفة لا بد و أن يكشف زيف الأديان.
وظيفة الأديان هي أن تجعل الإنسان غير قابل للبقاء بمفرده. يقول فويرباخ: إن الإنسان يريد أن يصبح إلها, ذو قدرات إلهية, و لكن بما أنه غير قادر على ذلك, فهو يخترع الإله. و يقول أيضا:" كي يصبح الله غنيا, على الإنسان أن يصبح فقيرا, كي يصبح الله كل شيء, على الإنسان أن يصبح لا شيء. " إن الدين قد أجبر الإنسان على أن يضع كل ما يملك في الإله, كل قيمه و أخلاقه و أهدافه و حبه و شغفه و خياله و إبتكاره, فأصبح الإنسان بلا شيء. فكان إن وجد الإنسان في نفسه صفات حسنة, قال الحمدلله, و إن وجد إبتكارا, قال الحمدلله, و إن وجد قوة و إرادة, قال الحمدلله.. و لكن هذا الإله, هذا الدين, قد بني على ركائز ضعيفة, و كان أمرا محتما أن ينهار هذا الصنم يوما, أن يموت الإله, و أن يصبح الإنسان بلا قيم, بلا أمل, بلا هدف.
و لكن هل فعلا أصبح الإنسان لا شيء بموت الإله? لا, إن أدرك الإنسان أن الإله في بادئ الأمر نشأ من الذات الإنسانية, و أن كل ما كان الله يملك, هو في الأصل ملك الإنسان, إستعاد الإنسان ثقته بنفسه و بألوهيته, و بعد حاجته إلى إله سوى نفسه.
يتبع..
|