الدليل الثاني: الاعضاء الضامرة
الاعضاء الضامرة وتسمى احيانا الاعضاء الاثرية Vestigial Structures وهي كما يوحى اسمها بمثابة الاثار المتبقية في جسم الانسان والتي ورثها عن اسلافه ولكن لم يعد يحتاجها الان، كما اننا ننظر الان الى الاثار التي تركتها الامم السابقة ولكننا لانحتاجها الان، الا في السياحة.
الاعضاء الاثرية او الضامرة هي الاعضاء التي فقدت وظيفتها الرئيسية ولكن لاتزال موجودة في الجسم، لاحظ أن هذا التعريف لايلزم منه ان العضو المصنف بأنه ضامر او اثري قد فقد 100% من وظائفه بل قد يكون لايزال يؤدي وظائف ثانوية.
والحقيقة ان الاعضاء الضامرة بهذا التعريف ليست بالشيء الجديد فهي معروفة عند العلماء قبل ان يأتي تشارلز داروين بنظريته وجائت نظرية التطور لتفسر لنا وجود تلك الاعضاء الضامرة.
من الامثلة الشهيرة على الاعضاء الضامرة في الحيوانات هي اجنحة النعام فهي اجنحة لاتطير اذن فقدت وظيفتها الرئيسية وهي الطيران، لكن النعامة وجدت طريقة للاستفادة منها فاجنحتها تحافظ على توازنها اثناء الركض.
كيف تكون الاعضاء الضامرة دليلا على السلف المشترك؟
الاعضاء الضامرة هي في الاصل كانت اعضاء فاعلة عند اسلاف الكائن الحي ، مثلا في حالة النعامة التي ذكرناها لاشك ان النعامة تطورت من اسلاف قادرين على الطيران ورثت عنهم اجنحتها لكن بسبب تغييرات اخرى اكتسبتها لم تعد تستطيع الطيران.
تخيل لو عندك طائرة لها اجنحة واجنحتها مزودة بمحركات نفاثة قوية قادرة على حمل الطائرة والطيران بسرعة وجسم الطائرة انسيابي ليخفف من مقاومة الهواء اثناء الطيران فالطائرة كما هو واضح مصممة لتطير لكن وللاسف طائرتنا هذه اجنحتها اقصر من اللازم بقليل فلايمكنها الطيران بها وتكتفي الطائرة بالسير كالسيارة على الارض بواسطة عجلاتها، هذا هو مبدأ الاعضاء الضامرة عضو موجود بمواصفات جيدة لتحقيق غاية معينة لكنه لايستطيع تحقيقها ، جناح لايطير ، عين لاترى ...الخ، بالتأكيد هذا يطعن في مايسمى التصميم الذكي او الخلق المباشر فلماذا سيحتاج مهندس ان يصمم اجنحة للطائرة اذا كان يريدها السير على الارض، ولماذا سيخلق الله اجنحة النعامة اذا كان لايريد منها الطيران؟ بالتأكيد اذا كان الله يريد من النعامة ان تحافظ على توازنها فسيخلق لها اعضاء مخصصة لذلك الغرض وليس اجنحة مخصصة للطيران.
باختصار الاعضاء الضامرة دليل على ان الكائنات الحية ترث اعضاءها من اسلافها ولكن مع تعديلات تناسب البيئة الجديدة، ولم تأت باعضائها بالخلق المباشر.
بما أن الانسان تطور من كائنات سبقته فإننا سنجد فيه اعضاء ضامرة ورثها عن اسلافه الذين كانو يستخدمونها، طبعا لافرق بين ان يكون مصدر العضو الضامر سلف قريب للانسان مثل الرئيسيات او سلف بعيد مثل البرمائيات القديمة فالمبدأ واحد.
اذن ما هي الاعضاء الضامرة عند الانسان التي ستدلنا على انى تطور؟
أولا: عظام الذيل (العصعص)
عظام الذيل Tail bones هي ثلاث او اربع او خمس فقرات منضغطة موجودة في اسفل العمود الفقري
عظام الذيل وكما يوحي اسمها هي بالفعل عظام للذيل ورثناها عن اسلافنا الذين امتلكوا ذيولا، انظر الى شكلها فهي على عدة فقرات وليست فقرة واحدة فهي كما تلاحظ تشبه ذيلا صغيرا.
في وقت ما خلال مسيرتنا التطورية لم نعد نحتاج الذيل للتوازن على الارجح ان ذلك قد حدث بعد هبوطنا عن الاشجار ومشينا على الارض فلم نعد بحاجة حينها للذيل للتوازن فبالتالي اختزل الذيل الى هذه البقايا التي تقبغ اسفل عمودنا الفقري.
طبعا عظام الذيل كعضو ضامر فقد وظيفته الاساسية فلم يعد ذيلا يحافظ على التوازن ، لكن له وظائف جانبية مثل تثبيت العضلات المحيطة به.
من ناحية أخرى لو كان عظم الذيل صمم تصميما وجاء بدون تطور ووظيفته التي صمم لأجلها هي تثبيت العضلات المحيطة به فلماذا شكله كالذيل؟ ولماذا يتكون من فقرات تكفيه حينها فقرة واحدة مصممة خصيصا لغرض تثبيت العضلات.
هذا المثال يقربنا اكثر من فهم عمل التطور فالتطور يأخذ الكائنات الحية ويعدلها لكنه لايبني من البداية، ببساطة التطور استغنى عن الذيل فعدله لشيء اخر ولم يستطع التخلص منه والاتيان ببديل عنه، وهذا منطقي تماما من وجهة نظر تطورية ففي التطور ترث الكائنات الحية صفات اسلافها مع بعض التعديلات فبالتالي لانتوقع ظهور اعضاء جديدة بالكلية بشكل مفاجئ مثلا لانتوقع ولادة انسان له صدفه كالسلحفاة لان الهيكل العظمي لاي انسان قد ورثه عن والده مع قليل من التعديلات.
في الناحية الاخرى لا يمكن تفسير هذا بالخلق المباشر ، اذا اردت تصميم سيارة فليس عليك ان تستعير تصميم جرافة وتعدله بحيث تبقى بعض اجزاء الجرافة كاعضاء ضامرة في سيارتك ، بل ستبدأ التصميم من البداية، لو كان الانسان خلق على صورته الحالية ولم يتطور لكان يمتلك اعضاء خاصة به وليس تعديلا على اعضاء اسلافه.
ثانيا: العضلات الاذنية auricular muscle
تشمل العَضَلَةُ الأُذُنِيَّةُ العُلْوِيَّة والعضلة الاذنية الخلفية هذه العضلات موجودة في الثديات وهي تحرك الاذن، ربما قد شاهدت حصان أو قط يحرك اذنه باتجاه الصوت وهو يفعل ذلك باستخدام عضلاته الاذنية، السعادين لديها تلك العضلات وتحرك اذانها كذلك، الانسان لديه عضلات الاذن ورثها عن اسلافه ولكن بالنسبة للانسان فعضلات الاذن ضامرة لايستطيع تحريكها فهي اذن عضو ضامر فقد وظيفته الاساسية وهي كما قلنا تحريك الاذن لاجل التقاط الاصوات بشكل افضل.
يذكر ان الشمانزي كذلك فقد وظيفة عضلاته الاذنية مثل الانسان.
ثالثا : الثنية الهلالية Plica semilunaris
وهي جفن ثالث موجود في زاوية العين ، انظر الى الصورة فوق، لايمكنك تحريك هذا الجفن ولكن اذا أحببت يمكنك ان تحاول تحريكه امام المراة.
عند الطيور والزواحف والبرمائيات وبعض الثديات هذا الجفن الثالث لايزال فعالا ويسمى الغشاء الراف أو الغشاء الرماش ووظيفته ترطيب العين وحمايتها ويمكن للكائنات التي تمتلكه تحريكه لكن بالنسبة للانسان فهو عضو اثري ورثه عن اسلافه الذين احتاجوه وكان بامكانهم تحريكه.
صورة الجفن الثالث يغلق العين كلها عند طائر الكركي المتوج:
الاعضاء الضامرة سلاح ذو حدين ، يمكنه اثبات التطور ويمكنه كذلك نقضه، قد تحدثنا سابقا عن ان نظرية التطور تمنع اشياء معينة من الحدوث، واحدى تلك الاشياء هو وجود اعضاء ضامرة لم تكن عند الاسلاف، لاحظ ان كل الاعضاء الضامرة التي ذكرناها امتلكها اسلافنا من قبل ونحن ورثناهاعنهم وهذا منطقي تماما في ظل التطور لكن ما هو غير منطقي ان يكون عندنا اعضاء ضامرة لم تكن عند اسلافنا مثلا لو اكتشف احدهم وجود قرون في الجمجمة او بقايا ريش كاعضاء ضامرة عند البشر فإن هذا كفيل بنقض نظرية التطور والى الان لم يكتشف احد شيئا كهذا مما يعني صحة النظرية.
هذه ليست كل الاعضاء الاثرية في جسم الانسان فالقائمة تطول ولكني ذكرت اهمها منعا للتطويل لكن اهم شيء ان تكون فكرة الاعضاء الضامرة عموما واضحة ومفهومة، المشاركة القادمة ستكون عن السلوك الاثري عند الانسان.