عرض مشاركة واحدة
قديم 08-08-2017, 11:38 PM حكمت غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [6]
حكمت
الباحِثّين
 

حكمت is on a distinguished road
افتراضي مذكرات ملحد...نعمة العقل.....تابع

قبل كل شيء أود أن أعتذر عن غيابي ولكن بسبب العمل وطول فترة الدوام........
.
.
تدرج الذكريات إلى الوجه الملون:
بعدما تجاوزت السنة الرابعة من عمري ودخلت الخامسة، أصبحت أرى الأمور قليلا مختلفة عما سبق، وحتى الآن، تكون ذكرياتي ما بعد الرابعة، مشوبة بقليل من الألوان، على عكس ذكرياتي قبل سن الرابعة، فهي بيضاء فقط، ولا شيء غير الأبيض.
أكثر ما لفت انتباهي في تلك الفترة, مجموعة أشياء يقوم بها أبي، أمي أيضا، وكل الكبار والشباب والبنات في عائلتي، ممن بلغوا مرحلة الوعي والنضج، كانوا يتناوبون على الوقوف أمام التلفاز وجها لوجه، ويقومون بمجموعة من الحركات فيها صعود وهبوط، وقوف وجلوس...كنت أناديهم وهم يقومون بهذه الحركات، ولكنهم جميعا ما كانوا يجيبوني، لسبب كان مجهولا بالنسبة لي يومها. وحين كنت أقترب منهم أثناء ما يقومون به، كنت أقابل بضربات خفيفة منهم، تارة باليد، وتارة بالمرفق، وأنا على استيعابي وقتها، كنت أنزعج كثيرا، وأجهش بالبكاء، وأركض إلى الغرفة الأخرى لأرمي بنفسي على سريري وأتابع بكائي لأنني ضربت بلا سبب.
تكرر ضربي (بلا سبب كما كنت أعتقد) كثيرا، وتكرر بكائي أكثر، إلى أن جاءت اللحظة التي فسر لي فيها أبي عن سبب ضربي. اقترب مني وملامح وجهه مختلطة بين عطف الأب على ابنه الحزين، وبين العبوس والشدة التي عندما تراها تظن أن أحدا ما قد اقترف ذنبا عظيما...اقترب أبي مني وأمسك بي بكلتا يديه بقوة قائلا: يا بني عندما نصلي لا تقترب منا ولا تتحدث معنا.
كانت تلك المرة الأولى التي اسمع فيها مصطلح الصلاة، وكعادة الأطفال عندما يرون أو يسمعون بشيء غريب، تبدأ عندهم سيول جارفة من الأسئلة التي تحتاج إلى من يجيب عنها ويروي ظمأ المعرفة في عقل الطفل الصغير...ماذا تعني كلمة الصلاة؟ ولماذا تقومون بحركات محددة دون سواها؟ ولماذا لا تجيبوني عندما تصلون؟ و السؤال الذي يضحكني حتى هذه اللحظة: لماذا تصلون للتلفاز حصرا؟ ألا تصح الصلاة للنافذة أو المذياع أو آلة التسجيل...الخ، والكثير من الأسئلة التي جعلت والدي يغضب مني لكثرة أسئلتي.
من كل هذه الأسئلة لم يجبني والدي إلا عن سؤالين أو ثلاثة، أتذكر أنه أجابني بأن الصلاة لله تعالى كي يحمينا ولا يدخلنا النار, وأنه لا يجوز لهم الحديث أو الالتفات أثناء الصلاة, والأهم أنه أخبرني بأنهم لا يصلون للتلفاز؛ بل أن هذا هو اتجاه القبلة التي أوصى الله بالاتجاه نحوها أثناء الصلاة.
كانت كل كلمة من الكلمات التي أجابني بها أبي، تفتح الباب على مزيد من الأسئلة, ولكن الذي لفت انتباهي حينها ذكر الله والنار الخاصة به، حينها سألت أبي: وأنت يا أبي في حال تركت الصلاة هل سيدخلك الله النار؟ أجابني: نعم يا بني. حينها أردفت قائلا: ولكنني لا أصلي فهل سيدخلني الله النار؟ أجابني: أنت لا زلت صغيرا ولكن يجب عليك تعلم الصلاة في السنوات القادمة كي لا تدخل جهنم.
وبرغم سيل الأسئلة الذي كان في رأسي، إلا أني شعرت بخوف شديد في تلك اللحظة من العقاب الإلهي، مما دفعني للتوقف عن الأسئلة، والجلوس في زاوية الغرفة وأنا أرتجف من الخوف.
الله، الله، الله... "لماذا يحشرون الله في كل شيء أقوم به؟"." ما علاقة هذا الله بي؟"." لماذا يريد أن يعذبني ويعذب أهلي واخوتي؟". مجموعة أخرى من الأسئلة التي كانت تشغل تفكيري وبالي بجانب الخوف، لا أدري لما كانت أسئلتي في تلك الفترة لا تنتهي، وكأنها ينبوع تفجر في رأسي ولن ينضب. كنت وقتها كالظمآن في صحراء قاحلة، يهيم على وجهه بحثا عن شربة ماء يرتوي بها، ولكن جل ما كنت أجده بضع قطيرات من الماء، بالكاد تكفي لإنعاشي كي يزداد احساسي بالظمأ والعطش.
كنت أنزعج كثيرا لأني أجهل العديد من الأمور، كان فضولي قاتلا في تلك المرحلة لأعرف وأفهم كل ما يدور حولي، وفي مقدمتها هذا الله الذي سيحرقني إن لم أصلي. لم أكن أدري وقتها بأن عقلي لا يمكن أن يستوعب كل شيء، لكني كنت أحزن فقط لأني لا أفهم كل شيء. ومما كان يزعجني أيضا، عدم وجود أشخاص يملكون من الصبر الشيء الكافي للجلوس والحديث معي والإجابة عن أسئلتي، فأبي كان موظفا لا يعود للمنزل إلا بعد الظهيرة، وأمي كانت أمية لا تعرف القراءة ولا الكتابة، أما أخوتي (الذكور والإناث على حد سواء) فقد كانوا مشغولين بأعمالهم ودراستهم، وغير قادرين على تضييع وقتهم معي، الشيء الوحيد الذي كانوا قادرين على التفرغ له هو ضربي وتعنيفي إن قمت بشيء سيء في نظرهم، أو قمت باللعب أثناء وقت نومهم، وتقبيلي أيضا، كوني أصغر فرد في العائلة فلا بد لهم من ضربي لتربيتي وتقبيلي كنوع من المحبة للطفل الصغير الذي يكون تسلية لهم، وحقل تجارب للاعتياد على معاملة الاطفال الذين يحلمون بإنجابهم عندما يتزوجون في المستقبل.
.
.
يتبع



:: توقيعي ::: طربت آهاً....فكنتِ المجد في طربي...
شآم ما المجد؟...أنت المجد لم يغبِ...
.
بغداد...والشعراء والصور
ذهب الزمان وضوعه العطر
يا ألف ليلة يا مكملة الأعراس
يغسل وجهك القمر...
****
أنا ضد الدين وتسلطه فقط، ولكني أحب كل المؤمنين المتنورين المجددين الرافضين لكل الهمجية والعبث، أحب كل من لا يكرهني بسبب أفكاري
  رد مع اقتباس