عرض مشاركة واحدة
قديم 08-07-2017, 12:57 AM حكمت غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [5]
حكمت
الباحِثّين
 

حكمت is on a distinguished road
افتراضي مذكرات ملحد...نعمة العقل............تتمة

لم أكن أدري في تلك المرحلة من العمر، إن كانت تلك الأفكار مصدر سعادة وافتخار، أم مصدر هم ومسؤولية. فالإنسان المتدين اعتاد منذ الصغر على حمل تلك المسؤولية اللاهوتية على عاتقه، و إثقال كاهله الغض الطري بأحمال وأوزار ما أنزلت بها آلهة السماء كلها من سلطان.
المشكلة في طفولتنا هذه، أن أشياء كثيرة جمة، تفرض عليك دون قبول أو موافقة أو أدنى تفكير منك. ربما بسبب تحول المعتقدات الدينية إلى عادة وموروث شعبي أكثر من كونها أشياء روحانية، نتيجة تراكم هذه الأشياء عبر آلاف السنين، ففقدت محتواها الروحاني، وأفرغت من معناها...هذا التراكم لو تعرض له أي شيء لفي حياتنا، ولهذه الفترة الزمنية الطويلة، لأنتج لنا منظومة فكرية أو مادية بالية، لا تصلح أن تبقى ضمننا، فالأجدر بها ان ترمى في اقرب مكب فكري، أو في متحف أثري في أفضل الأحوال.
ورغم تجربتي الالحادية التي يمكن أن أصفها بأنها طويلة نوعا ما – ما يقارب 6 أو 7 سنوات من الإلحاد – لازلت مندهشا ومستغربا من حال الحشود الغفيرة التي تسير وراء هذه الأشياء دون أدنى سؤال منها عن وجهة هذه الرحلة ونهايتها الحقيقية، كل ما عرفناه ونعرفه هو أننا سنعيش حياة أخرى أبدية مخلدين في حفرة تكتظ بألسنة اللهب والروائح الكبريتية و الآزوتية العفنة، أشبه بحفلة شواء كبيرة، كرمى لعيون ذاك الجالس على العرش، نتيجة لتمردنا على تلك الأوامر والنواهي، بعضها بمعنى والبعض الآخر في قمة السخافة. أما المؤمنون الصابرون المحتسبون فسيعيشون في فندق الشيراتون الالهي، فندق بمرتبة لا نهائية من النجمات، ولعل نجوم السماء كلها التي نراها، تمثل درجة الرقي في ذاك الفندق الإلهي الذي يسمى الجنة.
والأهم من ذلك كله، أنه لا دليل على أن الرحلة ستنتهي هنا في احدى المكانين – حفلة الشواء الضخمة أو فندق الشيراتون الالهي –. فجل ما بين أيدينا بضع أوراق تعود لأشخاص سماهم الدهر أنبياء، كانوا على اتصال بذاك الكيان المتربع على عرشه. ذاك الله الذي اختار ثلة قليلة من البشر للتواصل مع باقي أقرانهم، ولا تسألوني كيف ولماذا اختارهم، فأهل الأديان أنفسهم عاجزون عن إعطاء إجابة حقيقية مقنعة لمثل هذا السؤال.
بالعودة للقالب الإلهي الذي كنت ألبسه أثوابا عدة، فقد كنت في صغري أظن بأن الله يشبه أبي لدرجة كبيرة. بل أكثر من ذلك، فقد كان الله في مخيلتي عبارة عن أبي, يرتدي ثوبا أخضر وتاجا ذهبيا. وعلى الرغم من صغر سني عندما كنت أظن هذا الظن، إلا أني لم ولما أدري بعد منم اين جاءتني هذه التخيلات, ربما هي مزارع الطفولة العقلية الخصبة، التي تنتج ما لذ وطاب من هذه الأشياء, أو ربما لأن أبي كان يتصف بالتجبر والشدة والقسوة، وأنا قرنت عقاب الله – الذي كنا نسمع عنه كثيرا – بعقوبات وقسوة أبي، فظننت بأن الله يمتلك نفس المواصفات عينها، باستثناء الثوب الأخضر والتاج، فهذان الشيئان لم يكونا موجودين عند أبي, ولكن الشيء الوحيد الذي بقي عالقا في ذهني بأن الله قاسي ومرعب ومخيف ويجب أن نحتاط منه ونتوخى الحذر...هذه الأمور هي التي شكلت في حياتي أكبر عقدة نفسية ظلت تلازمني إلى زمن بعيد
بالنسبة لي شخصيا كان موضوع الله هو أكثر ما ينغص علي فرحة طفولتين فكانت الكثير من الأشياء ممنوعة بدعوى أن الله لا يريد ذلك، وسيحرقنا بالنار إن فعلنا كذا و كذا، وحتى أهلي كانوا إذا أرادوا مني أن أفعل أي شيء أو أن امتنع عن فعل أي شيء، كانت التهديد الإلهي أول شيء أسمعه دوما وأبدا.
وفي كل يوم، كنت أنزوي على فراشي ألتحف ذاك الغطاء وألف به نفسي، وأنا أتخيل منظر تلك النار التي سمعت عنها مرارا وتكرارا، وأتخيل كم سأعاني حين أدخل هذه الحفرة الحارة، بسبب بضع أشياء فعلتها سرا، بعيدا عن أعين الكبار. وكم من الليالي أرقني مضجعي وجافاني النوم بسبب ذاك المشهد السوريالي، والدموع تسيل رقراقة على وجنتي، خوفا من تلك اللحظة.
من يصدق أن طفلا لم يتجاوز عمره الثلاث سنوات ونصف، تخيل كل هذه التخيلات، وعصفت برأسه كل تلك الأفكار!! فلا زلت حتى الآن أتذكر هذه الأشياء القليلة مما كان يعصره مخي ويسقي ذاتي وكياني به، حتى هذا اليوم، لا يزال شريط الماضي يعرض في ذاكرتي...تلك الذكريات التي تكون دوما باللون الأبيض لسبب أجهله، وكأني كنت أعيش في عالم لا لون فيه إلا اللون الأبيض، السرير وجدران الغرفة ووجهي ووجه أمي وأبي وملابسي، كل هذه الأشياء لا أتذكرها إلا باللون الأبيض، لا أعرف لماذا وكيف، ولا زال عشقي للون الأبيض قائما حتى اللحظة ، وزاد عليه دخول اللون الأسود على جبهة الألوان المفضلة الخاصة بي، فكل ما أملكه تقريبا ملون بالأبيض أو الأسود، أو كلا اللونين معا.
هذا كل شيء بقي في ذهني من ذكريات الطفولة، طفولة ما قبل الأربع سنوات...واستنتجت لاحقا أنني يمكن أن أسميها أي شيء باستثناء الطفولة، فهذه الذكريات بالإضافة لأمور عديدة حدثت لاحقا، تشبه كل شيء في الحياة باستثناء الطفولة.



:: توقيعي ::: طربت آهاً....فكنتِ المجد في طربي...
شآم ما المجد؟...أنت المجد لم يغبِ...
.
بغداد...والشعراء والصور
ذهب الزمان وضوعه العطر
يا ألف ليلة يا مكملة الأعراس
يغسل وجهك القمر...
****
أنا ضد الدين وتسلطه فقط، ولكني أحب كل المؤمنين المتنورين المجددين الرافضين لكل الهمجية والعبث، أحب كل من لا يكرهني بسبب أفكاري
  رد مع اقتباس