" إنجيل مرقس"
إنزال اليهودي السماوي الخارق إلى الأرض
من المستقبل إلى الماضي , و من السماء إلى الأرض :
في الفترة ما بين عهد المكابيين و بين حرب باركوخبا ( 160ق.م ــ 135 تقريبا ) كانت مشاعر الفرق اليهودية , المتزايدة في جذريتها , تتغذى على مجئ مقاتل /كاهن منتظر( أو ربما مقاتل و كاهن ) يقود شعب إسرائيل إلى النصر المظفر . كان هذا الإنتظار لشخص في المستقبل الحتمي , متحدر من نسل داود أو حتى من نسب إلهي , لكنه بشري من جميع النواحي الأخرى.
لم يكن يضارع هذا الإنتظار/الأمل في ضخامته سوى الفظائع الشنيعة التي إرتكبت في الفترات
69ــ 73 و 114 ــ 117 و 132 ــ 135 , و التي كان من نتائجها , على الترتيب :
1 ـــ دمرت الهيكل , و دمرت كهنوته , و دمرت مدينة أورشليم , و دمرت "الإقتصاد المعبدي" اليهودي .
2 ـــ دمرت , و أفقرت , و استعبدت , و أثبطت همة يهود الشتات
3 ـــ دمرت عشرات المدن و مئات القرى في كل مقاطعة فلسطين , و قلصت عدد السكان اليهود وقادت عشرات الألآف منهم إلى العبودية .
إذا ما أخذنا كل هذا في الإعتبار , فلا ينبغي لنا أن نربط مرقس في أذهاننا بــ"اضطهادات نيرون للمسيحيين " الزائفة ( و هي الحجج المفضلة لدى الكتاب المسيحيين ) - بل بالمعاناة الحقيقية جدا لكل الشعب اليهودي . إن الدين اليهودي نفسه كان ملتصقا إلى الحائط , و ضعف موقفه كان مكشوفا .
كان إله العبرانيين يعاقب شعبه المختار دائما لأنهم كانوا يخذلونه : لم يكونوا يتبعون الناموس . لكن اليهود كانوا دائما يعودون إلى الإستقامة , ثم لا يلبثوا أن يعودا للضلال مرة أخرى . و لكن في سنة 135 مسحت اليهودية من الخارطة و تشتت الشعب .
إن قلب المشكلة بالنسبة إلى أي فرد يهودي هو أن " العهد " كان بين إله اليهود و بين كل شعب إسرائيل . الكل يجب عليه أن يحافظ على الإستقامة , فأخطاء تفاحة فاسدة واحدة تجلب الخطر على كل الشعب .
مع الكارثة الأخيرة لسنة 135 لم يعد لاهوت "الخلاص الوطني" ( أو لا خلاص على الإطلاق) تعطي أملا للكثير من اليهود المحبطين . و كما قال يوسفوس , كان الإله في جانب الرومان . ظل يوسفوس على يهوديته لكنه كان يتحجج بأن القياصرة هم آداة عقاب بيد الإله .
لكن لا شك في أن الكثير من اليهود القانطين إرتدوا عن ديانتهم , و اعتنقوا ديانات وثنية .
و عند هذه النقطة المنخفظة , خلقت الحاجة إلى فحص جذري للإيمان اليهودي , قد يهلك شعب إسرائيل , و لكن ألا يمكن إيجاد ممر للأتقياء لإنقاذ أنفسهم ؟ و الإجابة كانت عهدا جديدا بين الفرد و ربه , من أجل مسلك للخلاص الشخصي , شبيه بذلك الذي تعرضه أسرار الديانات الوثنية .