عرض مشاركة واحدة
قديم 03-31-2017, 11:28 PM   رقم الموضوع : [6]
ساحر القرن الأخير
زائر
 
افتراضي

الجزء الرابع :

ميدان الجنس ميدان برع فيه كثيرون ولا يزالون , خاصة رجال الدين والمحللون النفسيون.
أما الطائفة الأولى فترى الجنس رؤية ضبابية : تارة هو نعمة سخرها الله لنا للتناسل والتكاثر على هذه الأرض ,وتارة هو عيب ونقص في الانسان يبين عن ضعفه وعدم اكتماله أمام خالقه الذي لا يعرف في المقابل شيئا اسمه الجنس , وتارة أخرى هو مصدر خطر قد يقود صاحبه الى جهنم! خلاصة القول بالنسبة لهؤلاء : الجنس نعمة ,عيب, خطر, طريق مغري من لزم فيه العفة فاز بالجنس الأكبر مع الحور العين.
ان عيب هذه الطائفة يتمثل في كونها لم تنظر للجنس يوما إلا بموازاة مع رؤيتها لله .فتلك النعمة من الله, و ذلك العيب مقارنة مع الله, وذلك الخطر هو من الله , والحور العين عطية من الله . لم ينظروا يوما للجنس كظاهرة انسانية أو طبيعية . وكلما ذكرت لهم الجنس الا ويذهب تفكيرهم تلقائيا تجاه طرق كبحه وهزيمته ,الى العذاب الأليم الناتج عن الاستسلام لمغرياته, والى الثواب المعد لمن عرف مسك لجامه. كل تلك المسائل لا تتناول الظاهرة (ظاهرة الجنس في حد ذاته) . وان حاولوا التحدث عن الجنس في حد ذاته (وهذا أمر يشق عليهم ويثقل كحمل الجبال) فلن يزيد حديثهم عن كيفية اتيان المرأة,والأوقات المناسبة وغير المناسبة لذلك , وكيفية التعامل مع المرأة النشوز, وكلها مسائل تتطرق لهوامش موضوعنا ولا تمس جوهره. رغم ذلك ,يجد خطابهم تقبلا ورضى من طرف عامة الناس ,الذين لا يهمهم فهم ظاهرة الجنس وتأملها بقدر ما يهمهم اشباع غريزتهم بطريقة مطمئنة بعيدا عن الأضرار في هذه الدنيا وفي تلك الآخرة. وحتى أولئك الذين يتخبطون في "المحرمات" أشد التخبط ,يميل أكثرهم الى الانصات لذلك الخطاب,خاصة في الأوقات التي يكونون فيها في أشد لحظات المقت لأنفسهم وللحياة. ولأن الخطاب الديني يتفوق على باقي الخطابات في مهمة المواساة,ينقاد هؤلاء مهرولين نحو حبل النجاة الممدود بكل سماحة اليهم. الاكثار من الذكر وقراءة القرآن , الحفاظ على الصلوات في وقتها ,كلها وسائل لزيادة الورع والتقوى اللذين بهما ينتصر المرء على غريزته . ولست أبدا أنفي نجاعة هذه الوسائل في اخماد الهيجان الجنسي , فعندما تستحضر الله أمامك برحمته وعظمته وقدرته تحصل انتكاسة على مستوى الأجهزة التناسلية ويقع خمود.
لماذا ؟ هل خوفا من الله معلق الأجهزة التناسلية في جهنم ؟ أم أن عظمة الله تجعل الانسان ينكسر أمامه بشهوته ؟ أم أن استحضار هذه الذات المحايدة من الناحية الجنسية يخفف رويدا رويدا من ذلك الهيجان ؟ الاجابة هي خليط من هذا وذاك.
ما عاد بإمكاننا نحن المسلمين أن نمقت الجنس أكثر مما مقتناه طيلة الفترة الماضية. لقد كان ولا يزال بالنسبة لنا من أعظم الموبقات, وان العاهرة والشاذ ليتمثلون أمامنا كالشياطين المتسخة !الجنس ميدان لا نقوى في مجتمعاتنا العربية على الحديث عنه. ان له معجما وددنا لو لم يكن في لغتنا.
أما الطائفة الثانية-طائفة المحللين النفسيين- فإنها تضع الجنس في محور الحياة النفسية للإنسان. بالنسبة لها هو الوجه الحقيقي الذي يعكس صورتنا بلا تشوه.ومن خلاله فقط نستطيع تفسير سلوكاتنا وطبائعنا.استطاعت هذه الطائفة أن تحقق قفزة نوعية ,فبعد أن كان الجنس حبيس الفراش ,صار في كل الميادين ,في كل تحركاتنا ! لكن لم يكن الجنس غاية التحليل النفسي هو أيضا , بل ان دراسته لهذه الظاهرة كان وسيلة وطريقا لتفسير سلوكات الناس وأمراضهم خاصة العصابية منها, وبالتالي ايجاد طرق ناجعة لعلاجها. في جميع الأحوال ,قطعوا مع تلك النظرة الدونية للجنس . ما أمقت المحللين النفسيين في عيون رجال الدين !
سنحاول في دراستنا هذه النأي بالنفس عن الفريقين السابقين وتناول الجنس كظاهرة انسانية حيوية ,لا رغبة في الظفر بالحور العين , ولا بحثا عن طرق لعلاج بعض الحالات المرضية .
ماذا لو كان ذلك السكر الشهواني يخفي وراءه وعيا قويا بالذات ؟ تعرفا أكثر عليها ؟ رؤية واضحة أمام مرآة لا تعكس الصورة مقلوبة ؟
ماذا نريد من الطرف الآخر المشارك في الجنس ؟ هذا أول سؤال ينبغي التطرق اليه في دراستنا. ولعله يختزل كل الأسئلة التي قد تأتي بعده. ثم كيف تكون حال الذات وهي منغمسة في حديقة شهوتها ؟ ما سر تلك القوة المهولة التي تنفجر في ذروة الهيجان الجنسي ؟ وما الذي يميز ظاهرة الجنس عند الانسان مقارنة مع باقي الحيوانات ؟
ماذا نريد حقا من الطرف الآخر ؟ سؤال ثقيل يلمس كنه المسألة...ذلك أنه وعند كل مرة ,سواء تعلق الأمر بممارسة جنسية مشروعة أو غير مشروعة , شاذة أم سليمة , واقعية أم متخيلة , نخرج التجربة خاليي الوفاض ,ولا نعلم حتى لماذا أقبلنا على أمر غير مفهوم كهذا منذ البداية!

يتبع ...



  رد مع اقتباس