عرض مشاركة واحدة
قديم 03-23-2017, 12:50 AM   رقم الموضوع : [25]
ساحر القرن الأخير
زائر
 
افتراضي

الجزء 15 :


واحدة من الصفات التي يتميز بها الله هي صفة الصمت . نزل قرآن من السماوات العليا في شخص لأنه قال لمحمد : "تبت يداك يا محمد" , ونزل قرآن من السماوات العليا في شخص عير محمد بالأبتر . لن لم ينزل قرآن فيمن قال" مات الاله" , لم ينزل فيمن قال "الانسان أصله قرد" , لم ينزل في خضم النقاش العلمي حول نشأة الكون , و حول وجود حياة على كواكب أخرى , و حول وجود كائنات فضائية ...ربما يرى الله أن أبا لهب والنضر بن الحارث كانوا أحق بأن يرد عليهم من نيتشه و ستيفن هوجينغ وداروين وكبار الفلاسفة الملحدين ... لم ينزل قرآن في هتلر وعقب الحربين العالميتين ... كنا نحب أن يرسل لنا الله تعليقا ولو صغيرا يعني ليس بالضرورة كتابا مقدسا جديدا ...فقط كلمتين أو ثلاثة حول ما وقع في عالمه هذا ...لم ينطق ببنت شفة ! نريد رأي الله في المسائل الفلسفية والعلمية المستجدة التي وقعت طيلة 1400 سنة ! كان القرآن في عهد النبي مسايرا للصغيرة والكبيرة . كان الناس يتكلمون والقرآن يرد ... ثم فجأة انقطع الخط .
تكلموا بقدر ما تشاؤون , سبوه , العنوه ,اسخروا منه ,احتجوا عليه , تمردوا عليه , لن يواجهكم الا بالصمت (حاليا على الأقل , في السابق كان يرد بالخسف و طير الأبابيل لكنه غير من منهجيته بعد موت محمد , بل قبل ذلك بكثير) . واذا نطق ردا على تلك الأصوات ففي أغلب الأحوال ليعلمهم أن موعدهم قريب , وبأن لهم أجلا لن يخلفوه . ليس هو ممن يطيل المحاجة والنقاش والجدال . انه اله مقتصد في أقواله , اله أفعال وليس اله أقوال . التلهف الذي يلتهم المسلم وهو مقبل على قراءة رد لله على شبهة للمشركين في القرآن , ما هو في الأخير سوى تعطش للردود الالهية القليلة والنادرة, والتي لا تتسم بالوضوح الا ناذرا. وهنا بالضبط يأتي دور رجال الدين , خدام الله الأوفياء الذين وكلهم عنه ,و الذين سيأخذون على عاتقهم مهمة تضخيم ذلك القليل الغامض من الردود الالهية لتصطبغ بصبغة "الردود الشافية الوافية ,القاطعة والمانعة ,الظاهرة والساطعة " .بالله عليكم , أي سطوع ذاك ؟ أرد مثل " قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ,ان تتبعون الا الظن وان أنتم الا تخرصون " أو مثل " كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم " أو مثل "قل فلو شاء لهداكم أجمعين " من الردود الساطعة الشافية ؟؟ ان من يقرأ مثل هذه الفقرات في القرآن , أقصد تلك التي تتضمن حوارات بين المشركين والله , سيكتشف رويدا رويدا أن أسئلة المشركين كانت أسئلة عظيمة , ترفع التحدي في وجه الاله , أسئلة مشوقة وحماسية للقارئ , لكن الردود الالهية قلما كانت تصل الى المستوى المطلوب: انها ردود "مخيبة للآمال" بحق.
تسلسل الأحداث الراهنة وما يقع الآن لا يهم الله أبدا , ما يهمه هو النتيجة النهائية , العاقبة التي سيؤول اليها كل هذا ... الخاتمة . ولذلك فانه يواجه ب"معطيات " من المستقبل كل من يستدل بمعطيات من الحاضر أو من الماضي . على سبيل المثال , عندما يقدم المشركون الواقع الحاضر والماضي الذي لا يوحي بأية ساعة أو فناء كوني , يقدم الاله مقابل هذا المعطى وعدا مستقبليا بالساعة . ومن الطبيعي أن يقدم دليلا على الساعة من المستقبل في غياب أي دليل عليها من الحاضر أو الماضي . لله مستقبله وللناس حاضرهم وماضيهم , و مستقبل الله ذاك غالبا ما يقدم كزمن سبق وأن أخبر الناس به وأنكروه فوقع .
وانكارهم ذاك مبني و معلل , وهو بعيد كل البعد عن أن يكون مكابرة و تعنتا . انه مبني على الحاضر وعلى الماضي (وهل من شيء آخر يبنون عليه حكمهم على المستقبل) . فالمشركون ينكرون وحدانية الله في ظل ماض كله شرك وحاضر لا يختلف عن ذلك . وينكرون البعث من القبور لأنه ما من أحد تأتى له ذلك يوما في التاريخ . وينكرون اليوم الآخر , يوم الحساب , وانكارهم ذاك تحصيل حاصل ونتيجة للإنكار السابق.

حقا انها الكوميديا الالهية تلك التي ترسم ملامحها على شفاه رجال الدين الأوفياء . و شأنها شأن كل كوميديا , فانها تضحك . لكنها في نفس الوقت تبكي . تغلغل الله في صدور فئة عريضة من الناس الى درجة صار شغلهم الشاغل الدفاع عن رايته ومعسكره . الغريب في الأمر أن المتأمل في هذه الكوميديا لن يجد فيها سوى رجال الدين على الخشبة , يعارك بعضهم بعضا تارة , ويرفعون التحدي تارة أخرى ضد خصوم خارجيين . ليس لله حضور فيها : ان الهنا غائب عن الساحة منذ مدة طويلة , ولم يشرفنا يوما بحضوره . هذا أمر طبيعي , ذلك أن الله ليس من الشخصيات التي تلعب طور الاستهلال أو تسلسل الأحداث أو العقدة . وكما هو الشأن بالنسبة للمسرح القديم الذي" يصعد فيه الاله من الآلة " في نهاية المسرحية ليحل العقدة , فان الهنا "سينزل من الآلة" في نهاية المسرحية يوم القيامة ليحل العقدة و"يحكم بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون".

يتبع ...



  رد مع اقتباس