خيانة الذاكرة ..
 

الانسان قادر على ان يخبئ الاحداث الماساوية التي تصادفه في حياته في اعماق نفسه بهدف ان ينساها، وقد يتمكن من نسيانها بالفعل، اذ انه من الصعب احياناً ان يعود الانسان ليتذكرها، وقد يجد مختصون صعوبة كبيرة في العمل على ان يسترجع هذا الشخص او ذاك احداثاً سببت له الماً نفسياً عميقاً. وحول هذا الامر هناك الكثير الاشخاص المنضبطين الذين قد يرتكب احدهم جريمة قتل في حالات الغضب الشديد ثم ينسى تماماً انه هو من اقترف الجريمة، ويعتقد لوهلة وبكل صدق، انه لا علاقة له بالحادث، وانه عثر على الجثة بمحض الصدفة، فيقوم بالاتصال بالشرطة.


%20 من الناس يحتفظون بذكريات لم تحدث
ويبدأ بعض الاشخاص الاكثر توتراً نفسياً باختلاق احداث ماساوية مرت بهم اثناء طفولتهم، تعرضوا لها على ايدي اهاليهم او معلميهم او رفاقهم. لكن بعض من هذه "الذكريات" تولد اثناء الحديث مع علماء النفس او من يمارسون التنويم المغناطيسي، او ربما عرافين ومشعوذين، يقدمون فرضيات يلتقطها الشخص لتصبح حقائق وذكريات مبنية على احداث واقعية، تترسخ فيما بعد في الذاكرة الواعية.

وفي حالات اخرى قد تتعرض فتاة لإغتصاب، ثم تتفاجأ بكدمات تغطي اجزاءاً من جسدها لا تعرف سببها او مصدرها، ويعود ذلك الى فقدان الذاكرة النفسي، الذي لا تعود اسبابه الى التوتر النفسي بقدر ما هو الى الايحاء الخارجي او الايحاء الذاتي.

شكرا عزيزي على الالتفاتة لهذا الموضوع المهم :15409:
لكن حبذا لو فصلت أكثر مجموعة من المفاهيم الواردة في موضوعك والتي تنتمي لعلم السيكولوجيا , والتعامل مع القارئ على أساس أنه ليس متخصصا , لتحقيق فائدة أكبر
ذلك أنه يبدو أن لك زادا طويلا في هذا الميدان فأفدنا بمواضيع مستقبلا أكثر تفصيلا

أود أن أضيف مسألة مهمة لها علاقة بموضوعك وهي مسألة نسياننا لأحلامنا بمجرد ما نستيقظ :
كثيرا ما نستيقظ من النوم , ونعلم أننا حلمنا حلما معينا الليلة الماضية , ونحاول أن نتذكره جاهدين دون أن نستطيع استرداد كل التفاصيل , بل يبدو أن الجزء الكبير من الحلم تم محوه من الذاكرة بشكل سحري ! وقد اهتم علم النفس بهذه الظاهرة وفسرها فرويد بما يلي :

هناك رقابة ذاتية يمارسها الأنا (الجزء الادراكي الواعي من الحياة النفسية) على الهو (الغرائز) , و الأحلام هي بمثابة اشباع للغرائز من طرف الهو عبر اللغة الرمزية لا مباشرة علانية في الحلم بسبب وجود رقابة تمنع الاشباع المباشر (قد تشاهد نفسك تتجول في الأسواق وتشتهري فاكهة معينة فيكتشف المحلل أن ذلك له ايحاء جنسي مقنع) , والاشباع يتحقق فعلا للهو , الا أن الأنا يكتشف ما حصل بشكل متأخر فيسعى الى محو آثار الاشباع .
بمعنى أن ما تتذكره أنت بعد الحلم هو الجزء الذي صادقت عليه الرقابة وسمحت له بالبقاء في دائرة الوعي أو الذاكرة القبشعورية (المنطقة من الذاكرة التي تحتاج فقط الى جهد قليل لتصعد نحو الأفقق) , وما لا تستطيع تذكره من حلمك فهو الجزء الذي لم تصادق عليه الرقابة فقامت بنفيه الى أعماق اللاشعور , لأنه فاحش اذا صح القول .

ومن هنا نجد أن فقدان الذاكرة في الحلم هو آلية رقابية محضة , يقوم بها الجزء الواعي (الأنا) ضد كل الأفكار التي تخدم الهو (الغرائز) , فينفيها الى الأعماق اللاشعورية. لكن بفضل التحليل النفسي يستطيع المحلل أن يعيدها الى الأفق عبر ما يسمى بالانهيار أو تتابع الأفكار , أو التنويم المغناطيسي الذي يسمح بتغييب الرقابة مؤقتا . فالرقابة هي العنصر الذي يمنعك من تذكر الحلم أو أجزاء منه .

ونستطيع أن نعمم هذه الملاحظة في كل حالات النسيان الأخرى , كأن تكون الكلمة في طرف لسانك كما نقول ولا تتذكرها (عندما تسأل عن اسم شخص معين ) , وكذلك الحالات التي ذكرتها من فقدان الذاكرة في حالة ارتكاب جريمة أو التعرض للاغتصاب , فالأنا أو الوعي يقوم كمراقب بمنع ولوج تلك الأفكار الى الأفق الشعوري من باب الحماية الذاتية , فهو بطمس الذاكرة يحمي نفسه من تأنيب الضمير الذي يمارسه الأنا الأعلى ومن الندم القاتل . فهو اذن اجراء وقائي ناجح جدا .

تحياتي
:17:

المدهش في هذا الموضوع هو ذاك الاجراء الدفاعي


المشكله في هذا الصدد ان هذه الوقائع تذهب الي الاشعور وهناك تختلط الاوهام، والاحلام، والوقائع المنسيه،
وبالتالي من السهل الايحاء لشخص ما بوقوع احداث لم تقع بالفعل، لينخرط الشخص بهذه "اللعبة"، ويشرع باختلاق احداث وتفاصيل متعلقة بها، تتحول فيما بعد الى ذكريات.
بمعنى اخر يمكن الخلط بين الاحداث الواقعية وما يدور في مخيلتهم من فانتازيا.

شكرا لمرورك :8:

رائع