شبكة الإلحاد العربيُ - إشكالية النار

إشكالية النار

من أكبر الإشكاليات العقدية في الإسلام بحسب رأيي هي مسألة النار: ان الله سوف يعذب ملايين، بل قل مليارات البشر، أشد عذاب ممكن، الى الأبد!! يعني سيمر عليك مليون سنة و انت في العذاب، و مع ذلك لن ينتهي، بل سيكون يا دوب قد بدأ!

لا أدري إن كنت بحاجة لتوضيح وجه الإشكال في الموضوع. الله بحسب هذه العقيدة كائن سادي متوحش شرير، لا يمكن ان يوجد في الوجود من هو أكثر منه شراً و ظُلماً.

و لكن مع ذلك، عليك ان تعتقد بأن الله عادل و رحيم، بل و أنه أرحم الراحمين، و إن لم يقتنع عقلك بذلك، فسيكون مصيرك انت ايضا في نار جهنم!

العذاب للاعتقاد و ليس للعمل

ما يُدخل الانسان للنار ليس الاعمال الشريرة اللتي قام بها ضد مجتمعه او ضد غيره من البشر، بل معتقده هو ما يحدد مصيره: هل آمن بالإسلام أم لا؟ فإن آمن بان محمد هو رسول الله و ان القرآن هو كلام الله، و استسلم للأوامر و النواهي التي جاء بها الاسلام، فقد نجى من النار. أما إن لم يؤمن بالإسلام، فمصيره النار. حتى لو آمن بالله و اليوم الآخر على ديانة غير الإسلام، فلن يُقبل ذلك منه.

الآيات و الأحاديث في ذلك كثيرة، لا مجال لسردها كلّها هنا. من كان يعرف دينه حق المعرفة فلن يحتاج لدليل على ما أقول، فهو من الابجديات!

فلو احضرت اياً من عتاة المجرمين من البشر، و لنقل مثلا، ستالين، اللذي بلغ عدد ضحاياه الملايين من البشر، فإنه هو و ضحاياه كلهم في النار سواء، لانهم غير مسلمين.

فالمسألة إذن ليست إحقاق العدل الذي كان غائباً في الدنيا و رد الحقوق لأصحابها، بل هو انتقام إلهي ممن لم يؤمن بنبوة محمد.

حاجة الله للعبادة

اذا سألت احداً عن الموضوع سيبرره لك بأن الكفر بالله اكبر جريمة ممكنة في الوجود و بذلك تستحق اكبر عقوبة ممكنة في الوجود، و هذا هو العدل، وليس من الحكمة إحلال الرحمة على المجرمين، فلو أن قاضياً ابدى العطف على مجرم قام بالقتل و الاغتصاب، فتلك رحمة في غير محلها، و هي بخلاف العدل، فكذلك لو عامل الله الكافرين بالرحمة فستكون رحمة في غير محلها، و هي بخلاف العدل!

هذا طبعاً قول باطل، لأن الله لا يحتاج عبادة الناس له، فهو لا يتضرر من الكفر به، ولا يستفيد من الإيمان به.

الرئيس الظالم المستبد لدولة ما بحاجة الى ان يهابه الناس و يحترموه و يخافون منه، و لذلك تجد في بعض تلك الدول قوانين تفيد بأن من يسبّ الرئيس عقوبته الإعدام! لماذا؟ لأن الرئيس فعلا يحتاج الى احترام الناس له، مثل حاجتك الى الطعام و الشراب. لو فجأة توقف عن الناس احترامه و الخوف منه، فسيتمرد عليه البعض، و ربما يغتالونه، او يحصل ضده انقلاب عسكري، فيُسجَن أو يُعدَم.

فهل الله ايضا بحاجة الى ايمان الناس بالاسلام؟ طبعاً لا!

كما ان استحقاق النار لا يتحقق بسبب الكفر بالله او الجحود بنعمه، بل بسبب عدم الاقتناع بان القرآن هو كلام الله.

هل عدم الاقتناع بالوهية النص القرآني جريمة تستحق الخلود في النار؟

ماذا لو اثبتنا بالدليل و البرهان أن النص القرآني ليس نص إلهي، هل سيكون الإيمان بالوهية النص القرآني جريمة تستحق عذاب النار الأبدي؟

العدل و هدف العقوبة

الهدف من معاقبة المجرمين في الحياة من قبل الدولة هو فرض النظام و القانون، و ليكون المعاقب عبرة لغيره لتردع من تسول نفسه ان يُجرم بحق الآخرين.

حتى يتحقق الهدف من العقوبة يجب ان يكون القانون واضحاً للجميع، و يجب ان يكون معلوماً للجميع ان مخالفته ستوجب العقوبة الفلانية، و أن تطبّق هذه العقوبة بشكل منظم، بحيث لا يفلت منها أحد بسبب منصبه او امواله اللتي يستخدمها لرشوة المسئولين في الدولة. بحيث يرى جميع الناس أن النظام يتم تطبيقه، فيحصل بذلك الردع، و يتم فرض النظام.

هذا غير متحقق في عذاب النار، فإنه لا يتحقق به الردع لأحد من الكفار، لانه لا احد من الناس يرى هذه العقوبة تطبّق على أحد، بل إن الكفار لا يعرفون أصلاً انهم سيدخلونها اذا كفروا، لأنهم غير مقتنعين بالاسلام، او معرفتهم به سطحية.

فلو قلت لك: ان في عقيدة المسيحيين الكاثوليك انك اذا لم تؤمن بعقيدة الخلاص سوف تدخل النار، هل يحدث لديك خوف او ارتداع او عِبرة؟ لا، فأنت من وجهة نظرك تلك عقيدة باطلة، و ربما تسخر منها.

الردع تحقق فقط للمسلمين، فجعلهم يعيشون في حالة خوف دائم. و هذا يقودنا الى التفسير الوحيد الممكن للفائدة من عقوبة النار: السيطرة على القطيع بالخوف و الرعب.

الإيكال الى حكمة الله

بعض المدافعين حين يدرك أنه أٌسقِطَ في يده و أنه لا يملك جواباً مقنعا، يبرر الامر بأنه خاضع لحكمة الله: لا بد ان لله حكمة نحن لا نعلمها! و هو حتماً عدل من المنظور الإلهي، حتى لو لم نستطع ادراك ذلك بمنظورنا البشري القاصر!

و هذا ليس تبريراً، فلو كانت حكمة الله و عدالته بهذا الشكل، فماللذي يضمن لك ان الله صادق فيما اخبر به في القرآن (على فرض صحته، جدلاً)؟ يمكن ان يستمريء الكذب على البشر لأنه يرى في ذلك حكمة عظيمة لا تدركها عقولنا القاصرة! او ربما الله بحكمته قرر ان يقوم باعطاء قوى خارقة لابليس بحيث يستطيع القيام بمعجزات لكي يخلط الامور على الناس و لا يعرفون حين يرون المعجزة هل هي من الله ام من إبليس! او ربما ينزل الله كتابا فيه اخطاء علمية كثيرة عن عمد لكي يختبر ايماننا؟! و كل ذلك مبرر بحكمة الله الفائقة اللتي لا يمكن لنا نحن البشر الوصول إليها!