المسلمون كانو يعتقدون وعلى ضوء القرآن ان الله خلق الارض ثم خلق السماوات ثم بسط الارض ومدها على سطح الماء والقى فيها الجبال لتثبتها والا تمايلت، وقالو بدوران الشمس حول الارض. سيتناول هذا البحث في شقه الأول شكل الارض وفي الثاني حركة الشمس وفي الاخير نصب الجبال.
شكل الارض في الاسلام
حقيقة كروية الارض قديمة، لذلك نجد ان علماء المسلمين، حتى القدماء من السلف، يغير ويلوي معاني الآيات القرآنية لتتوافق مع حقائق العلم. وقد يكون ذلك عن حسن نية، فهم لم يتعمدو الكذب ولكن كانو مؤمنين بكل قلوبهم ان القرآن خال تماما من الخطأ. كانت هذه بالنسبة لهم حقيقة لا نقاش ولا ريب فيها، لذا فمن كان منهم يعلم يقينا بان الارض كروية كان يفسر القرآن على اساس حقيقتين: الاولى: الارض كروية والثانية: القرآن كلام الله خال من الاخطاء، وبالتالي كان لا بد ان تأتي تفاسيرهم لا تناقض ايا من هاتين الحقيقتين، حتى لو ناقض هذا المعنى الواضح للآيات. ومن يقرأ تفاسيرهم يجد انها عبارة عن تأويل وجد ليوافق الحقيقتين المذكورتين، لا كتفسير مباشر للنص.
لذلك لا يؤخذ بهذه التفسيرات. ومن يقرؤها يجد انها فعلا مجرد تأويل مبني على علم مسبق بالحقيقة وليس على دراسة موضوعية للنص القرآني. ولكن قبل ان تصبح كروية الارض معلومة معروفة ولا مجال للشك فيها، (واحيانا حتى بعد ذلك) كان تفسيرهم موضوعيا ينقل بصدق ما تعنيه الآيات. وهناك عدد كبير من كتب التفسير التي تقوم بهذا ولكن ساكتفي باربعة هي لاكبر علماء التفسير القرطبي وابن كثير والطبري والبغوي.
ومن الجدير بالذكر ان القرطبي، وبعد ان نقل عن ابن عباس (ترجمان القرآن) ذكره ان الارض مبسوطة، قال:"...وهو يرد على من زعم أنها كالكرة". هذا يعني ان الفكرة والمعلومة كانت موجودة ولكن لم تكن معروفة ومنتشرة كحقيقة فلكية لا جدال فيها، ولو ان تأويل انها كروية ممكن لكان ذكره على الاقل كاحد الاحتمالات وترك لمن سياتي بعده بتحديد ايهما الصحيح. ولكنه رفض هذا الاحتمال كليا وهذا طبيعي جدا فالنص القرآني لا يحتمل هذا المعنى، بل حتى يوحي بخلافه.
في تفسير القرطبي :
وهو الذي مد الارض: أي
بسط الارض
طولا وعرضا. وفي هذه الآية رد على من
زعم أن الارض كالكرة.
والارض بعد ذلك دحاها : دحاها أي
بسطها. وهذا يشير إلى كون الارض بعد السماء.
والارض مددناها: قال ابن عباس :
بسطناها على وجه الماء ; كما قال : والارض بعد ذلك دحاها أي
بسطها . وقال: والارض فرشناها فنعم الماهدون . وهو يرد على من
زعم أنها كالكرة.
وإلى الارض كيف سطحت: اي
بسطت و
مدت.
في تفسير ابن كثير:
وهو الذي مد الارض : أي جعلها متسعة ممتدة في
الطول والعرض.
والارض بعد ذلك دحاها : فسره بقوله: أخرج منها ماءها ومرعاها وقد تقدم في سورة " حم السجدة " أن الارض خلقت قبل السماء ، ولكن إنما دحيت بعد خلق السماء ، بمعنى أنه أخرج ما كان فيها بالقوة إلى الفعل .
والارض مددناها : ثم ذكر - تعالى - خلقه الارض ، ومده إياها وتوسيعها
وبسطها.
والى الارض كيف سطحت : أي كيف
بسطت ومدت ومهدت .
في تفسير الطبري:
وهو الذي مد الارض :
فبسطها طولا وعرضا .
والارض بعد ذلك دحاها : ليس في دحو الله الارض بعد تسويته السماوات السبع ، وإغطاشه ليلها ، وإخراجه ضحاها ، ما يوجب أن تكون الارض خلقت بعد خلق السماوات لأن الدحو إنما هو
البسط في كلام العرب والمد.
والارض مددناها : يعني تعالى ذكره بقوله (
والارض مددناها) والارض دحوناها
فبسطناها.
وإلى الارض كيف سطحت : يقول : وإلى الارض كيف
بسطت ، يقال : جبل مسطح : إذا كان في أعلاه استواء.
في تفسير البغوي:
وهو الذي مد الارض : اي
بسطها.
والارض بعد ذلك دحاها : اي
بسطها ، والدحو
البسط . قال ابن عباس : خلق الله الارض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء ، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ، ثم دحا الارض بعد ذلك.
والارض مددناها :
بسطناها على وجه الماء ، يقال : إنها مسيرة خمسمائة سنة في مثلها دحيت من تحت الكعبة .
وإلى الارض كيف سطحت : اي
بسطت. قال عطاء عن ابن عباس : هل يقدر أحد أن يخلق مثل الإبل ، أو يرفع مثل السماء ، أو ينصب مثل الجبال ، أو يسطح مثل الارض غيري ؟
سنتناول فيما يلي كل آية على حدة فنسرد آراء الفسرين فيها ونناقشها.
وهو اللذي مد الارض : هي اول آية في القرآن ذكر فيها موضوع البسط . نرى ان المفسرين اتفقو على ان المد يفيد البسط واكتفى البغوي بذلك، وقال القرطبي والطبري وابن كثير أن المعنى: المد بالطول والعرض، واضاف القرطبي: في هذه الآية رد على من زعم أن الارض كالكرة. واذا تخيلنا الارض مبسوطة نرى بوضوح ما عنوه بانها مدت بالطول والعرض. ولكن حتى مع بيان اقوال المفسرين، نرى البعض يدَّعي بانهم عنو بالارض اي مساحة محدودة من سطحها وليس شكلها، وبالتالي حتى لو كان شكل الارض كروي يصح الامتداد باتجاهين، فيمكن لشخص يملك قطعة ارض ان يقول طول ارضي كذا وعرضها كذا. بصراحة، لا ندري من اين اتو بهذا المعنى وعلى اي اساس بنو تأويلهم، خصوصا وان القرطبي يقول وبصريح العبارة ببطلان زعم كروية الارض. لكن نقول انه من الواضح هنا من سياق الآيات ان المقصود بالارض هي كل الارض، فمن هذا المد خلقت. ولم يحدد النص ارض معينة او مساحة محددة على سطحها. اِن افترضنا ان المد كان لسطح الارض وليس للارض نفسها، وعلى اساس ان الارض كروية، لا بد ان يكون المد بجميع الاتجاهات وبالتساوي ليتصل هذا الامتداد بالنقطة المقابلة لنقطة البداية على الكرة الارضية وليس باتجاهين والا لحصلنا على شكل مستطيل ونكون قد عدنا الى افتراضنا الأول وهو ان الارض مسطحة.
والارض بعد ذلك دحاها : القرطبي قال دحاها اي بسطها، وهذا يشير الى كون الارض بعد السماء، اما ابن كثير فقال بان الله خلق الارض قبل السماء مستدلا بآيات سورة فصلت (حم السجدة) وبالتالي لا بد ان دحاها هنا بمعنى مهدها باخراج مائها ومرعاها. ورأى الطبري بانه لا اشكال بان يكون البسط حدثا منفصلا عن خلق الارض فقال بان الله خلق الارض وقدَر فيها اقواتها، ثم خلق السماء، وبعد ذلك دحا الارض اي بسطها ومدها. وبمثل قوله قال البغوي.
ونرى هنا ان ابن كثير خالف باقي المفسرين وقال بان الدحو هنا جاء بمعنى التمهيد وذلك لانه يرى ان الارض خلقت قبل السماء وخلقت بالمد، وان اعتبر الدحو هنا هو المد فسيفيد هذا بان الارض خلقت بعد السماء. ولعله اتى بذلك الفهم من الآيات الاخريات، او من ما روي عن ابن عباس عن خلق الارض (وليس بتفسير هذه الاية): خلق الله الكعبة ووضعها على الماء على أربعة أركان ، قبل أن يخلق الدنيا بألف عام ، ثم دحيت الارض من تحت البيت . وهنا دحيت اتت بمعنى مدت. اما بما روي بتاويل هذه الآية: عن ابن عباس) :دحاها (ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى، فاخذ ابن كثير بقوله. وقد تذرَع بعض الناس بهذا القول (بان الدحو معناه التمهيد وليس البسط) فاسقطوه على كل مرادفات البسط الواردة في جميع الآيات المذكورة وهذا غير مقبول باي شكل، فكل كلمة وآية يجب ان تفسر ضمن السياق التي اتت فيه ونرى هنا انها حتى عندما اتت بمعنى التمهيد لم تلغي معنى المد والبسط بل على العكس كانت مؤيدة له.
والارض مددناها و
وإلى الارض كيف سطحت : توافق تفسيرهم لهاتين الآيتين مع ما تقدم. وذكر الطبري في سطحت قال اي بسطت ، يقال : جبل مسطح : إذا كان في أعلاه استواء. وهذا لا يتعارض مع تفاسيره للآيات السابقة خصوصا انه قال في
مد الارض اي فبسطها طولا وعرضا. ولكن لسبب ما يعتبر بعض الناس ان هذه تنفي ما ذكر من تفاسير القرآن ببسط الارض، او انها دليل على كروية الارض! حسب تحليلي، ربما كلمة الجبل توحي بتضاريس الارض، وبدورها تشير الى سطح الارض، ومن هذا المنطلق يقولون المعنى ان سطح الارض مبسوطة وليس شكلها. وهذا لا يصح اذ انه لو اخذنا سطح الارض كله سنرى ان فيه تضاريس متفاوتة جدا من وديان وجبال وهضاب وغيرها. ولو قصد الاجزاء المسطحة من الارض، اي مواضع منها، فهذا ايضا لا يصح فـالارض ذكرت دون تحديد ارض معينة او محددة، وبالتالي سطحت اي ان الارض نفسها مسطحة. اما اذا كان تفسيرهم ان كما شكل الجبل ليس مبسوطا ولكن اعلاه فيه استواء، كذلك شكل الارض يمكن ان يكون كروي وفيه استواء، ولكن هذا ايضا غير منطقي فالشكل الكروي لا يصح وصفه بانه مسطوح. لمن لا يزال يصر على هذا المعنى فلينظر الى الصورة ادناه:
واخيرا نقول ان معنى جملته بكل بساطة هو ظاهرها، الارض كقمة الجبل، فيه استواء ولكن لا يخلو من التضاريس. وهو تفسير منطقي ويتوافق مع ما سبق من كلامه عن الموضوع ولو اراد معنى اعمق لكان اوضح ذلك فهو بصدد تفسير وتبيان معاني القرآن وليس تعقيده.
هناك آية اخرى ورد فيها المد لم اذكرها لانها تصف احداث يوم القيامة وليس خلق الارض. ولكن هناك نقطة مهمة يوضحها تفسير هذه الآية:
واذا الارض مدت [الانشقاق: 3]: فسرت دون خلاف على ان معناها ان الارض سويت بجبالها ووديانها وهضابها وذلك بدليل قوله:
ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا [طه: 107,105,106] و
كلا إذا دكت الارض دكا دكا [الفجر: 21] و
حملت الارض والجبال فدكتا دكة واحدة [الحاقة: 14] وغيرها. فاذاً بهذا السياق (وصف قيام الساعة) مدت اتت لتصف سطح الارض وليس الارض نفسها. ولو اردنا ان نوحد معنى الكلمة في القرآن كله، نجد المد في سياق خلق الارض لا يصح ان يعني سطحها، لان عند خلقها لم يكن لها سطح ولم يكن فيها جبال حتى تدك وتسوَّى (الجبال القيت في الارض بعد خلقها).
وهنا ننتهي من التفاسير الموضوعية (اي اللتي فسَّرت النص دون معرفة مسبقة بحقيقة ان الارض كروية او عرفت ولكن حافظت على نقل معنى الآيات).
الآن ساذكر قول الامام الرازي كمثال على التفاسيرالتي بنيت على اساس كروية الارض من باب المقارنة وليكون الموضوع شاملا وان لم يكن لها قيمة كدليل على معنى القرآن الحقيقي:
يقول الامام الرازي في تفسير
وإلى الارض كيف سطحت : سطحا بتمهيد وتوطئة ، فهي مهاد للمتقلب عليها ، ومن الناس من استدل بهذا على أن الارض ليست بكرة وهو ضعيف ؛ لأن الكرة إذا كانت في غاية العظمة يكون كل قطعة منها كالسطح.
الامام فخر الدين الرازي كان عالم فيزياء ورياضيات وطب وله كتاب في علم الهيئة (الفلك) اسمه
رسالة في علم الهيئة.
من هنا نرى انه لمَا كتب في التفسير، كان على قاعدتين اساسيتين: 1- القرآن لا يمكن ان يحتوي على خطأ 2- الارض حتما كروية. وبالتالي اتى تفسيره ليوافق هاتين الحقيقتين، وبني لا على اساس من النص القرآني، ولكن على اساس علمي.
قال الاغريق بكروية الارض منذ القرن السادس قبل الميلاد، واصبحت الحقيقة الشائعة لدى كتَّابهم منذ القرن الخامس قبل الميلاد. ولحقهم بذلك الروم منذ اوائل الميلاد الى نهاية امبراطوريتهم. ابن حزم المتوفى سنة 1064م قال بكروية الارض، ويستدل بكلامه المسلمون اليوم على ان المعنى في القرآن جاء بذلك. ان كانت فكرة كروية الارض بهذا القدم أنستطيع ان نستبعد انه قال ما قال متـأثرا بالفلكيين والجغرافيين وكلامهم؟ اجاء هذا القول بدليل من القرآن ام بدليل علمي؟ نستطيع ان نقرر ذلك بالاطلاع على ما استدل به على قوله وهو الآية:
يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل، وقال ان التكوير يدل على تكوير الارض ودوران الشمس، ولكننا نرى ان الآية لم تذكر لا الارض ولا الشمس، والتكوير جاء في اليل والنهار، ونسبُهُ ذلك للأرض ليس له اي اساس سوى انه اراد التوفيق بين حقائق علم الفلك وما جاء في القرآن.
في تفسير هذه الآية قال الطبري: يقول :اي يغشي هذا على هذا، وهذا على هذا، وبنحو اللذي قلنا قال اهل التأويل:
عن ابن عباس: يحمل الليل على النهار .
عن مجاهد: يكور الليل على النهار قال : يدهوره .
عن قتادة: يغشى هذا هذا ، ويغشى هذا هذا .
عن السدي: يجيء بالنهار ويذهب بالليل ، ويجيء بالليل ، ويذهب بالنهار .
عن ابن زيد: حين يذهب بالليل ويكور النهار عليه، ويذهب بالنهار ويكور الليل عليه .
وقال بما قال الطبري وابن كثير والقرطبي والبغوي وغيرهم. اما في معنى التكوير في اللغة، قال القرطبي: قال الضحاك: يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل أي : يلقي هذا على هذا وهذا على هذا. وهذا على معنى التكوير في اللغة، وهو طرح الشيء بعضه على بعض، يقال كور المتاع أي : ألقى بعضه على بعض ، ومنه كور العمامة. ويقول البغوي: ما نقص من الليل دخل في النهار ، وما نقص من النهار دخل في الليل. وأصل التكوير اللف والجمع ، ومنه : كور العمامة. *فالعمامة تلف لفا وتجمع*.
اذاً من اين اتى ابن حزم بتأويله؟ من نص القرآن ام من نصوص علم الهيئة؟
في الآية:
إذا الشمس كورت [التكوير: 1]: يقول ابن كثير: التكوير جمع الشيء بعضه إلى بعض ومنه تكوير العمامة وهو لفها على الرأس. فمعنى قوله
كورت: جمع بعضها إلى بعض ثم لفت فرُمِيَ بها، وإذا فُعِلَ بها ذلك ذهب ضوءها .وقال البغوي: كوَّرتُ العمامة على رأسي، أكورها كورا وكورتها تكويرا، إذا لففتها. وأصل التكوير جمع بعض الشيء إلى بعض، فمعناه أن الشمس يجمع بعضها إلى بعض ثم تلف ، فإذا فعل بها ذلك ذهب ضوءها. وقال القرطبي بمثل هذا. وقال الطبري: ذهب ضوئها واظلمت ورميت.انتهى كلامه.
اَمَّا ان يكون المعنى جعل الشمس كرة، فهذا باطل اذ الشمس كرة اصلا. (وصفهم يوحي بانهم يعتقدون ان الشمس كالقرص يلف بعضها على بعض فيذهب نورها، ولكن ليس هناك دليل آخر يؤكد هذا المعنى).
بعد ان ذكرنا الادلة التي جائت بشكل مباشر تصف الارض بأنها مسطحة، فيما يلي سأورد بعضا من الدلائل التي تشير لذلك بشكل غير مباشر:
وصف حركة الشمس حول الارض: عن ابن عباس في تفسير
وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى[فاطر: 13]:
الشمس بمنزلة الساقية تجري بالنهار في السماء في فلكها فإذا غربت جرت بالليل في فلكها تحت الارض حتى تطلع من مشرقها قال : وكذلك القمر.
نرى انه يقول ان الشمس تدور حول الارض وسنناقش هذا بالتفصيل لاحقا. ما يهمنا هنا قوله
فإذا غربت جرت بالليل في فلكها تحت الارض، ولو كانت الارض كروية لا يصلح هذا الوصف، اذ انه لن يكون للأرض اعلى واسفل، وتحت الارض هو عبارة عن الوجه الثاني للأرض. اضافة الى انه اذا اعتبرنا الأرض كروية والشمس تتحرك حولها فهي تشرق في كل لحظة على جزء منها وتغرب على جزء، فهي في اشراق وغروب دائم، وتختلف المناطق التي تشهد ذلك كل لحظة، ولكن في وصفه شروق وغروب واحد لكل دورة.
اما في قوله
فلا أقسم برب المشارق والمغارب و
رب المشرقين ورب المغربين و
رب المشرق والمغرب، فقد اتفق اغلب المفسرين على معانيها، ومنهم الطبري والقرطبي وابن كثير والبغوي، ويجمعها البغوي في تفسيره لـ
رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق [الصافات: 5] اذ قال:
أما قوله:
رب المشرق والمغرب، أراد به الجهة، فالمشرق جهة والمغرب جهة.
وقوله:
رب المشرقين ورب المغربين اراد: مشرق الشتاء ومشرق الصيف، وأراد بالمغربين: مغرب الشتاء ومغرب الصيف.
وقوله:
برب المشارق والمغارب اراد الله تعالى أنه خلق للشمس ثلاثمائة وستين كوة في المشرق، وثلاثمائة وستين كوة في المغرب ، على عدد أيام السنة، تطلع الشمس كل يوم من كوة منها، وتغرب في كوة منها، لا ترجع إلى الكوة التي تطلع منها إلى ذلك اليوم من العام المقبل، فهي المشارق والمغارب، وقيل : كل موضع شرقت عليه الشمس فهو مشرق وكل موضع غربت عليه الشمس فهو مغرب، كأنه أراد رب جميع ما أشرقت عليه الشمس وغربت. انتهى كلامه.
كُوَّة جمع كُوَّات وكِوًى: فتحة أو نافذة للتهوية والإضاءة ونحوهما :- كُوَّة سقف أو جدار أو خندق أو فُرن .
ونرى هنا تحديد شروق واحد وغروب واحد في كل يوم، اي ثلاثمائة وستين شروق وغروب بالسنة، وتمييزٌ بين شروق الشمس صيفاً وشتاءاً، وكل ذلك يشير الى ان الارض مسطحة والا لكان عدد مرَات الشروق والغروب عددٌ لا ينتهي.
كما ورد في هذا السياق، عن ابي ذر، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
اتدري اين تغرب هذه الشمس قلت: الله ورسوله اعلم. قال: فانها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم. اخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، ورواه الترمذي في سننه، واحمد في مسنده.
وهنا ايضا نرى فصلا بين حَدَثَي الشروق والغروب، وهذا لا يصلح الا للأرض المسطحة، فلو كانت كروية، لكان شروق الأرض وغروبها حدثان متزامنان دائمان لا ينقطعا ما دامت الشمس تدور حول الأرض.
كما ورد في هذا السياق، عن ابي ذر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: اتدري اين تغرب هذه الشمس قلت: الله ورسوله اعلم. قال: فانها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم. اخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، ورواه الترمذي في سننه، واحمد في مسنده.
وهنا ايضا نرى فصلا بين حَدَثَي الشروق والغروب، وهذا لا يصلح الا للأرض المسطحة، فلو كانت كروية، لكان شروق الأرض وغروبها حدثان متزامنان دائمان لا ينقطعا ما دامت الشمس تدور حول الأرض.
حقيقة ان العرش فوق السماء كالقبة: يقول الذهبي في كتابه "
العرش للذهبي" : أما مكان العرش بالنسبة إلى السموات والأرض فهو أعلى منها وفوقها، وهو
كالقبة عليها كما جاء في الحديث: "
إن عرشه على سمواته وأراضيه هكذا" وأشار بأصابعه مثل القبة. وكذلك ما جاء في حديث العباس بن عبد المطلب الذي يسمى بحديث الأوعال، فكلا الحديثين يدلان على أن العرش فوق السموات والأرض وأعلى منهما وهو
كالسقف عليهما، بل هو سقف للجنة كما في حديث:
إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن. انتهى كلامه. رواه البخاري في صحيحه، واحمد في مسنده والترمذي في سننه.
اذاً العرش فوق السماوات كالقبة، وذلك لا يصلح الا لو كانت الارض مسطحة، فلو كانت مكورة والسماء تلفها والعرش فوقهما لتوجب ان يكون العرش مكورا ايضا.
وفي تفسير
والشمس تجري لمستقر لها [يس: 38]: يقول ابن كثير
لمستقر لها: مستقرها المكاني، وهو تحت العرش مما يلي الأرض في ذلك الجانب، وهي أينما كانت فهي تحت العرش وجميع المخلوقات، لأنه سقفها،
وليس بكرة كما يزعمه كثير من أرباب الهيئة ، وإنما هو قبة ذات قوائم تحمله الملائكة.
وننوه هنا الى ان ابن كثير توفي سنة 1346م وذلك بعد ابن حزم بثلاثمئة عام وبعد الرازي باكثر من مئة عام، اي ان موضوع كروية الارض ما كان يخفى على ابن كثير، وهذا واضح من قوله
يزعمه كثير من ارباب الهيئة، وعلى الرغم من كل هذا لا يزال مصرا على ان الارض مسطحة، ولا ارى سبب لذلك سوى ان النص القرآني يشير بوضوح الى هذا المعنى بما لا يقبل الشك.
اتجاه القبلة:
فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره [البقرة: 150]: وهنا لو تخيلنا ارض منبسطة نرى ان الامر لا اشكال فيه، ولكن لو كانت الأرض كروية فسيستحيل، بعيدا عن الكعبة، ان يقف المصلي باتجاهها ولكن سيكون وجهه باتجاه الفضاء. وحتى لو افترضنا رسم خط على سطح الأرض يصل المصلي بالكعبة، فهذا ايضا سيسبب مشكلة اذ ان هذا الخط يستطيع الوصول اليها من اتجاهين مختلفين، وعليه فان الاتجاه اللذي يصلي اليه المسلمون (باعتبار اقصر مسافة)، بعكسه تماما تصلح الصلاة ايضا، فلا سبب منطقيا يمنع من ذلك، فالقرآن لم يشترط اقصر مسافة. ولو كان المصلي على الجهة المقابلة تماما للكعبة يستطيع التوجه باي اتجاه اراد.
اود ان اذكر آخر ادِّعاء بما يخص الارض، وهو القول بان الله صب الماء صبا وشق الارض شقا، وفي ذلك اعجاز، اذ ان العلماء اكتشفو ان الارض لم يكن عليها ماء، وان اليابسة على سطح الارض كانت قطعة واحدة ثم تفرقت لتكون القارات كما نعرفها اليوم. يستندون لذلك على الآيتين:
انا صببنا الماء صبا، ثم شققنا الارض شقا [عبس: 25,26]. في ذلك القول تجاهلٌ للسياق وجهلٌ بأقوال المفسرين فيها. ذكرت الآية في سورة عبس:
فلينظر الإنسان إلى طعامه، انا صببنا الماء صبا، ثم شققنا الارض شقا، فـأنبتنا فيها حبا، وعنب وقضبا، وزيتون ونخلا، وحدائق غلبا، وفاكهة وابا.
صُبَّ الماءُ ثم شقَّتِ الارض فنبت الحب والعنب والزيتون والفاكهة. فكانت علة صب الماء وشق الارض هو اخراج الزرع. ومن ذلك يحصل الانسان على طعامه.
صببنا الماء صبا: انزلنا الغيث والمطر.
شققنا الارض: فتقنا الأرض فصدعناها بالنبات، وقال بذلك القرطبي والطبري وابن كثير والبغوي وغيرهم.
والآية:
وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون، فـأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون [المؤمنون: 19,18]. وهنا ايضا المعنى واضح بأن هدف انزال الماء هو انبات الزرع. يقول ابن كثير: إنزاله القطر من السماء بقدر أي: بحسب الحاجة ، لا كثيرا فيفسد الأرض والعمران، ولا قليلا فلا يكفي الزروع والثمار
. فأسكناه في الأرض أي: جعلنا الماء إذا نزل من السحاب يخلد في الأرض، وجعلنا في الأرض قابلية له، تشربه ويتغذى به ما فيها من الحب والنوى .وقال بمثل قوله القرطبي والطبري والبغوي وغيرهم، واضاف القرطبي موضحا:
وأنزلنا من السماء ماء إشارة إلى الماء العذب، ولو كان الأمر إلى ماء البحر لما انتفع به من ملوحته .
الآن وبعد ان انتهينا من معالجة الموضوع من كل جانب ممكن، الخلاصة هي ان القرآن بلسان عربي مبين، يقول بأن الارض مسطحة. وكل من يقول بغير ذلك فهو يغيير معنى النص ليتوافق مع العلم وهذا لايصح، فمن المفترض ان القرآن كلام الله وبالتالي يجب ان يكون خاليا تماما من الأخطاء والعيوب، والا لما صح عنه انه من وحي الخالق.
وبهذا ينتهي الشق الأول من البحث.